بصائر المعرفة

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني تفضل بزيارة مدونتي الأخرى umranyat.blogspot.com

Friday, April 14, 2006

ما وراء العلم

المؤلف : جون بولكنجهوم
ترجمة : على يوسف على
الناشر : المجلس الأعلى للثقافة – مصر.
يدافع المؤلف – وهو عالم فيزياء بريطاني شهير – عن العلم كمصدر موثوق به للمعرفة حتى ولو في نطاق محدد، ويتطرق إلى الجدل الفلسفي الخاص الذي شهده القرن العشرون حول فلسفة العلم وفي إطار صعوبة الفصل بين النظرية والتجربة وكيف يتم التوافق والتطابق بينهما بصورة كاملة، ويناقش في هذا الصدد مشكلتي "التماثل" و "الاستقراء" ويرى أنه ما إن ترسم صورة العلم الواقعية عارية ومجردة يصبح من الصعب قبوله كمصدر وحيد للمعرفة كما أننا ينبغي أن نزيل من أذهاننا فكرة أن للعلم خطاً مباشراً لايحيد عنه لاكتشاف المعرفة عن العالم من طولنا لأن أى وصف واقعي يجب ألا يكون قاطع التحديد في استخلاصاته.
ويستشهد المؤلف بالنظرية حيث يرى أنها رغم كونها لا غنى عنها للعلم إلا أنها دائما محجمة بواسطة التجارب مما يؤثر على معايير الشمول والعمومية المفترضة فيها، ويجعلنا نتساءل حول مدى تغطية التجربة ذاتها للمشكلة بصورة كاملة، وهنا تثور مشكلة "الاستقراء" بمعنى تتبع الجزئيات من الحقائق للوصول إلى أحكام عامة أو تصور شامل. وهو التساؤل نفسه الذي طرحه في القرن الثامن عشر ديقيد هيوم حين قال: "لماذا يحكم الماضي على تصرفات المستقبل؟ لقد طلعت الشمس اليوم فمن الذي يدعي بأنها بالقطع سوف تفعل نفس الشيء غداً؟ أليس في القول بشمول العلم ما يدفع به خارج إمكانياته الحقيقية؟!"
ويستعرض المؤلف إنجازات العلم فيتحدث عن اللحظات الثورية التي تحدث بين الحين والآخر للعالم، ويتعرض فيها العلم لمراجعة جذرية للبدهيات التي اعتمد عليها في فهم العالم الفيزيائي، ويناقش في هذا الصدد نظرية "الباراديم" لتوماس كون والتي تعطي معنى التصور المتكامل للواقع بناء على طرق معينة من الاستنباط والتأويل. ولا تقبل التأليف ولا تحتمل سوى تصور واحد وعلى سبيل المثال فالشيء إما أرنب أو إنسان، فتاة مليحة أو عجوز شمطاء، وليس لك إلا أن تراه بهذه الصورة وليس ثمة من رأي توفيقي بينهما. وعلى ذلك فلنيوتن عالمه، ولأنيشتاين عالمه، وكلا العالمين من التنافر يحقق لا توجد ثقه مشتركة بينهما البتة بحيث يكون حوارهما في العالم الآخر حوار بين أصمين.
خطورة هذه النظرية كما يراها المؤلف تكمن في نفي قدرة العلم التقريبية، والتي تشمل أساسه ودوافعه المنطقية أيضاً. كما أنها برغم ذيوعها وانتشارها لا تجعل الغلبة للحقيقة، بل للأعلى صوتاً وتأثيراً إعلامياً وهو ما يناقض إحدى سمات الثورة العلمية الحديثة والتي تنهض على لم شمل الأفكار المتوافقة عن طريق إيجاد وسيلة تلحق القديمة منها بالجديدة، من منطلق أن الأولى ليست الاحالة خاصة من الثانية ، ومن ثم فأينشتين لم يلغ نيوتن بل بين فقط أن معادلاته صحيحة في حالات السرعة المنخفضة والتي لاتقارن بسرعة الضوء كما أن التغيرات الثورية حسب المؤلف ليست من قبيل الكل أو لا شيء، إما أن تعتقد بصحة ما قاله نيوتن أو تنكره كليةً. اختلف أنيشتاين ونيوتن حول صفات المادة ولكنهما كانا يتحدثان معاً عن القصور الذاتي، أي مقاومة الجسام للحركة، ولديهما أرضية مشتركة يقفان عليها.
ويناقش المؤلف في الفصل الخامس فكرة "الذاتية الشخصية" أو "التحجيمية" كأحد نواتج فلسفة التوحد وفكرة " معالجة البيانات" أو "التشبه بالحاسوب" والتي تقوم على ترابط الخلايا العصبية. ويتحول المؤلف بدءاً من الفصل السادس حتى الفصل التاسع الأخير إلى مناقشة العلاقة بين المنهج الديني والمنهج العلمي – ويستعرض أداء عدد من العلماء الذين تعرضوا لها، مثل هيوم وداروين والفيلسوف بول دافيز، ويناقش هنا مجموعة من الأفكار والنظريات الهامة مثل فكرة "الضبط الدقيق" أو الفعالية الكامنة للقوى و" المبدأ الأنثروبولوجي" و " الثراء الكوني " و" التضخم" و"المبدأ الكربوني" وفكرة" الأكوان المتعددة" وما يعرف باسم كسر التناظر التلقائي. ثم يقلب أسئلة الفلسفة وحقائق العلم حول نهاية العالم، ويرى أن تاريخ الكون يعتمد على لعبة ضخمة بين قوتين متعارضتين، الأولى.هي قوة التمدد المكتسبة من الانفجار العظيم والثانية هي قوة الجاذبية التي تحاول ضم المادة . والقوتان متوازيتان بقدر كبير، وليس في معلوماتنا المتاحة إلى اليوم ما يمكننا أن نتوقع لمن تكون الغلبة في النهاية. فبقدر ما يزداد فهمنا للكون بقدر ما يظهر لنا عدم جدواه.
وفي سياق هذه الرؤية يناقش المؤلف فكرة العلم "المجرد من القيم "في ضوء العلاقة بين ما هو كائن وما يجب
أن يكون، ويرى أنه من الطبيعي ألا يكون الشعور بهذه الفكرة صحيحاً على الدوام، فالعالم الذي يعرضه العلم على الرغم من أنه ليس فيه مجال لسرد قيم معنوية كما أنها ليست تقييمية بمنظور الجمال والأخلاقيات إلا أن القيم المعنوية موجودة في الأسلوب العلمي ذاته كما أن هناك العديد من الصيغ والنظريات الرياضية والفيزيائية تمثل في جوهرها بحثا عن الجمال، وتنطلق في تجاربها من الإحساس الدائم به. ولذلك يؤكد بولكنجهوم أننا بحاجة إلى النظر إلى ما في الحقيقة من ثراء برؤية متعددة الألوان، فبمجرد أن نفتح أكثر من عين علمية واحدة سوف نرى عالماً مليئاً بالقيم. إن العالم بإمكانه أن يصف لك الذبذبات الصوتية من حيث خصائصها الفيزيقية، واستجابة الأعصاب السمعية لها.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home