بيان حقيقة النية وتوجيه حديث نية المؤمن خير من عمله
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في الإحياء طبعة المطبعة العثمانية المصرية بالقاهرة 1352 هجرية :
فالنية هي الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض إما في الحال وإما في المآل فهي الصفة المتوسطة لحال القلب فكل عمل ...لا يتم إلا بثلاثة أمور: علم وإرادة وقدرة فالعلم يقدم العمل لأنه أصله وشرطه والعمل يتبعه وثمرته وفرعه والعمل [لا يتم ] إلا بالقدرة والقدرة تنتظر الداعية الباعثة والداعية تنتظر العلم والمعرفة أو [الظن والاعتقاد] والاعتقاد هو أن يقوى في نفسه كون الشئ موافق له [أي محقق للمقصد] فإذا جزمت المعرفة بأن الشئ موافق ولابد وأن يفعل وسلمت عن معارضة [صاد] أو باعث آخر صارف عنه وتحقق الميل فإذا انبعثت الإرادة [النية] انتهضت القدرة للعمل [بواسطة الأعضاء] سواء بالحركة أو السكون الاختياري فالقدرة خادة للإرادة تابعة لحكم الاعتقاد والمعرفة
فالأعمال بالنيات لأنها تابعة لا حكم لها في نفسها وإنما الحكم للمتبوع أ.هـ النقل عن الغزالي
وبالتعريف السابق يستبعد حديث النفس بان المرء سيفعل كذا وكذا لله تعالى فهذا انتقال من خاطر إلى خاطر والنية بمعزل عنة ذلك كله إنما المقصود بالنية انبعاث النفس إلى الفعل إجابة للغرض الباعث الموافق لما في النفس من أحوالها وفي كلام الغزالي رؤية معرفية ثاقبة عن طبيعة المعرفة وطرق اكتسابها فالحمد لله تعالى الممتن علينا بالهداية إلى معرفته ةاستخلفنا لعمارة كونه فــ" علم آدم الأسماء كلها" وجعله " في الأرض خليفة"
أما حديث نية المؤمن خير من عمله فقد رواه البيهقي وهو ضعيف لكن البعض يرى أن تعدد طرقه تقويه ولكن قد قوى معناه شيخ الإسلام في فتاويه من خمسة أوجه:
منها " أن الرجل لو نوى الخير ولم يعمل تكتب له حسنة ولو عمل ولم ينوي لم يكتب له شيء ".
وقال ابن الملقن في شرح العمدة في معناه تسع تاويلات: منها ان نيته خير من خيرات عمله. ومنها أن النية المجردة عن العمل خير من العمل المجرد عنها وقيل إنما كانت نية المؤمن خيرا من عمله لأن مكانها مكان المعرفة أعني قلب المؤمن قال سهل ما خلق الله مكانا أعز وأشرف عنده من قلب عبده المؤمن وما أعطى كرامة للخلق أعز عنده من معرفة الحق فجعل الأعز في الأعز فما نشأ من أعز الأمكنة يكون أعز مما نشأ من غيره قال سهل فتعس عبد أشغل المكان الذي هو أعز الأمكنة عنده تعالى بغيره سبحانه،( وفي) أنا عند المنكسرة قلوبهم المندرسة قبورهم وما وسعني ارض ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن إشعار بذلك ولأنها تفنى بخلاف العمل، ولذا قيل الخلود في الجنة والنار جزاء للنية ولأنها تسلم عن الرياء بخلاف العمل. ""اهـ .
<< Home