بصائر المعرفة

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني تفضل بزيارة مدونتي الأخرى umranyat.blogspot.com

Thursday, May 25, 2006

الأصول الفكرية لمفهوم الديمقراطية في الفكر الغربي

الأصول الفكرية لمفهوم الديمقراطية في الفكر الغربي



الديمقراطية مفهوم مركب بالغ الثراء، وهو ما يظهر من تعدد أبعاده واختلاف وحهات النظر في العلاقة بين هذه الأبعاد، ويعود من ثراء مفهوم الديمقراطية في أحد جوانبه إلى أنه تبلور استجابة لإسهامات العديد من المفكرين من ثقافات وحضارات مختلفة حتى عندما كانت الديمقراطية تعني بالنسبة لهم معان تختلف عما تعرف به الديمقراطية اليوم ، بما أدى بالبعض لاعتبار الديمقراطية بمثابة تراث مشترك للإنسانية وأصبحت الديمقراطية تلقى قبولاً عاماً من مختلف الشعوب والنظم السياسية التي تحرص كلها على وصف نفسها بأنها ديمقراطية.
فبالعودة للحضارة اليونانية كان السوفسطائيون أمثال "بوروتاجوراس" و"بروديقوس" و "جرجياس" قد اهتموا بالتربية والتعليم في إطار الاهتمام بالإنسان عموماً مقابل اهتمام الفلاسفة السابقين بالطبيعة، كما أنكروا حقيقة الديانة اليونانية، وأعلنوا أن الدين من صنع أفكار الإنسان أو المجتمع، وكان أهم أفكارهم اتخاذهم مبدأ النسبية مركزاً لهم، كما يظهر من مقولة بروتاجوراس "الإنسان مقياس كل شئ". هذا التأكيد على الإنسان حدى البعض لوصفهم بأنهم حركة تنويرية كتلك التي ظهرت في القرن الثامن عشر، وإذا كان السوفسطائيون لم يساندوا نظاماً سياسياً بعينه فإن توجههم العام كان يخدم انتشار النظام الديمقراطي، فاهتمامهم بالمعالجة العقلية، وجهدهم النقدي وتأكيدهم على الفردية، كل ذلك مما يناسب النظام الديمقراطي لا غيره.
ومن إسهام السوفسطائيين الفكري الذي تأثرت به نظرية الديمقراطية الحديثة فكرة المشاركة الشعبية حيث رأوا توزع الفضائل السياسية وعلى رأسها العدل على البشر دون تمييز، وهو ما يؤدي إلى قدرة كل يوناني على معالجة أمور مدينته السياسية، كما أن قولهم بالنسبية وعدم احتكار الحقيقة أسس لفكرة الديمقراطية التي تقوم على التنافس السلمي على السلطة، وعدم تحول هذا التنافس إلى صراع، فاحتمالات الصراع تزداد إذا آمن أحد أطراف اللعبة السياسية بأنه وحده يملك الحقيقة المطلقة فيسعى لفرضها على الآخرين ولو أدى ذلك لإقصائهم و استئصالهم.
لكن تجلى الموقف السلبي للسوفسطائيين في اعتبارهم القوانين الوضعية السائدة قد سنَّت لتحقيق أهداف واضعيها, ومن ثم يجب على الفرد العاقل أن يحاول تجنب العمل وفق القوانين الوضعية.
وفي مقابل هذه النسبية المتغيرة, جاء سقراط وتلميذه أفلاطون بفلسفة مثالية تقدم الوجه الآخر المعارض لفلسفة السفسطائيين؛ فنبّه سقراط إلى خطورة مثل هذا الرأي على استقرار الدولة، لأنه قد يؤدي إلى فردية متطرفة إذ يؤكد كل منهما على أن القيم الأخلاقية موجودة وجوداً ثابتاً لا يتغير, ومنها تنطلق كافة القوانين والأنظمة، واعتبر سقراط القانون هدفاً أسمى، فالقوانين البشرية فهي صورة أو أنموذج من القوانين الإلهية غير المكتوبة، وهكذا يعيد سقراط للقوانين قدسيتها، تلك القدسية التي نال منها السفسطائيون.
ورأى سقراط أن مصالح الأفراد لا بد من أن تتفق مع الصالح العام للمجموع, لأن الخير الفردي لا يمكن أن ينفصل عن الخير العام، وقد انعكست أفكار سقراط على نظرية الديمقراطية بأخذها بفكرة حكم القانون في الدولة الديمقراطية التي تعمل للصالح العام.
أما أفلاطون فقد رأى أن النظم السياسية كلها يمكن أن تختصر في خمسة أشكال أساسية هي على النحو التالي:-
1- النظام الارستقراطي : Aristocracy[1] وهو أفضل أنواع الحكم لدى أفلاطون وهو حكم القلة الفاضلة ويتجة نحو الخير مباشرة ومن ثم فهو نظام الحكم الصادق.
2- الحكم التيموقراطي Tymocracy :-, [2] وهو الحكم الذي يسوده طابع الطموح من محبي الشرف أو الطامحين الى المجد الذين تكون وجهتهم السمو والتفوق والغلبة..
3- الحكم الاوليجاري: Oligarchy[3]:- وهو حكومة القلة الغنية حيث يكون للثروة مكانة رفيعة.
4- الديموقراطية: Democracy[4] التي هي حكم الشعب حيث تقدر الحرية تقديراً عالياً .
5- حكومة الطغيان : Tyranny: وهي حكومة الفرد الظالم أو الحكم الجائر حيث يسود الظلم الكامل بغير خجل أو حياء
اهتم أفلاطون بدراسة هذه النظم التي سادت عصره، ووجدها تنهار الواحدة بعد الأخرى فحاول أن يضع نظاماً لتعاقبها كيف ينتقل الواحد منها الى الآخر، ويذكر في هذا المجال إنه حتى الديمقراطية تدمر نفسها بنفسها عندما تصل الى حدها الأقصى فتنقلب الى فوضى وبدلاً من أن يحكم الشعب نفسه بنفسه نرى حكم الجماهير أو الغوغاء الذي هو بحر هائج يتعذر على سفينة الدولة السير فيه ، فيما يرى أفلاطون ضمن فلسفته في أنظمة الحكم في أن التطرف في الحرية يولد أفظع أنواع الطغيان، ويظهر وسط هذه الفوضى من يؤيده الناس قائداً عليهم ونصيراً لهم ويضفي عليه الشعب قوة متزايدة وسلطاناً هائلاً ،وفي كل مرة يظهر فيها طاغية يكون هناك سبب أساسي لظهوره، وأن حالات الفوضى هي المتسبب الرئيس لظهور حالات الطغيان وعليه يمكن فهم موقف أفلاطون من الديمقراطية بهذا المعنى المحدد لكن أفلاطون أكد مجدداً على أهمية القانون وخطورة الاستبداد الفردي.
أما أرسطو فقد تحدث عن أنواع الدساتير وصنفها بحسب عدد الحكام، وعدد ثلاثة أشكال دستورية صحيحة وهي الدستور الملكي والأرستقراطي ثم نظام ما يسميه أرسطو Polity بمعنى حكومة الدستور أو الديمقراطية المعتدلة، حيث تكون الحكومة بيد الطبقة الوسطى، وفي مقابل هذه الثلاثة الصحيحة هناك ثلاثة فاسدة هي الديمقراطية المتسيبة والأولجاركية والطغيان، وأكد أرسطو أن الدولة الصالحة يجب أن تحكم وفق القانون، ولكن هذا لا يعني أن كل دولة تحكم وفق القانون هي دولة صالحة بالضرورة، ففي الحديث عن الدولة الدستورية لديه يشير إلى أن الحكومات تضع دساتيراً وقوانيناً توافق طبيعته،, فصلاحية القانون أو عدم صلاحيته تعود إلى طبيعة الحكومات صالحة كانت أم سيئة.
وقد تأثر الفكر السياسي الروماني بالفكر السياسي اليوناني، لأن مفكري السياسة الرومان, لم يرتقوا إلى مكانة فلاسفة اليونان السياسية حيث أعطى الرومان أولوية كبرى إلى العمل السياسي المرتبط بالنجاح والإنجاز المادي, والذي أسهم في تحقيق عظمة روما، وبذلك نجح الرومان على عكس اليونان بالرغم من أصالة حضارتهم وعلو شأنهم ي مجال الفكر السياسي.
و مع ذلك, فقد ظهر العديد من المفكرين السياسيين في روما, على رأسهم بوليبيوس, وشيشرون. وكان بوليبيوس كاتباً سياسياً, ورجل حرب, ومؤرخاً يؤكد على أن أحداث التاريخ هي المعلم الأول للسياسة. فقد بهرته عظمة الإمبراطورية الرومانية, وعظمة دستورها الذي حقق لها النجاح الساحق, معتبراً أنه من أفضل الدساتير، وأوفاها بالغرض المطلوب، قد أكدّ على أن نجاح الدولة مرتبط بنظامها.وجاء على لسان بوليبيوس قوله : "كانت الأشكال الثلاثة للحكم ممزوجة فيه بإنصاف، حيث كان كل شخص, حتى من بين الرومانيين, لم يكن يستطيع القول هل الدستور أرستقراطي أم ديمقراطي أم ملكي"واستعان بوليبيوس بالتاريخ, وهاجم جمهورية أفلاطون المثالية مؤكداً أن الواقع التاريخي هو المحرك الأساسي, جاعلاً من السياسة ضرباً من التجريب القائم على قاعدة النجاح والظفر فأسهم الفكر السياسي الروماني بوضع اللبنات الأساسية للفكر السياسي المبني على أسس تجريبية, وقد وجدت هذه الرؤية صداها في بعض اتجاهات نظرية الديمقراطية التي تراها مجرد وسيلة إدارة الاختلاف في المجتمع دون أن تحمل أي مضمون قيمي بخصوص غائية المجتمع وأهدافه.
وقد حقق الرواقييون أولى الخطوات على طريق الانعتاق من عقلية المجتمع القبلي المنغلق من خلال قولهم بمبدأ: وحدة طبيعة الإنسان، ومشاركة جميع البشر فيها؛ وهذا الإنجاز مهم جدا، خصوصا أن اليونان ظلوا إقليمي النظرة، حتى في أوج حضارتهم، وفي ظل الحكم الديمقراطي، كما أن الرواقيين ركزوا على أهمية وجود حيّز في الذات الإنسانية، لاتستطيع أن تنفذ إليه سلطة المجتمع أو أي شكل آخر من أشكال السلطة، ومتى اكتشف هذا الفرد هذا الحيز، أصبح بإمكانه أن يتمتع بقدر من السيادة والحرية، لايتأثر بتقلبات الزمان أو بأهواء البشر.
كما ظهرت نظرية القانون الطبيعي أول مرة على يد فلاسفة الاغريق المتأخرين وبخاصةٍ الرواقيين stoiciens في أواخر العصر الاغريقي عندما أخذ الفكر السياسي يتحرّر من طغيان فكرة الدولة ويرى للفرد وجوداً ذاتياً مستقلاً عن الدولة أي وجوداً طبيعياً غير وجوده السياسي ، مناقضاً بذلك تعاليم أرسطو.
وقد كان القانون الطبيعي أساساً لفكرة الحقوق الطبيعية للفرد التي لا يجوز للدولة أن تتجوز عليها لأنها موجود قبل وجود الدولة التي لم تنشأ إلا لحماية هذه الحقوق.
كان شيشرون ( Cicerone 106 - 43ق.م ) وهو أحد أبرز فقهاء الرومان المتأثرين بفلسفة الرواقيين هو الذي صاغ نظرية القانون الطبيعي ذهب إلى وجود قانون طبيعي منتشر في جميع البشر وإلى أن الناس أحرار بخضوعهم لهذا القانون وإلى أنهم في ضوئه متساوون ؛ وإنما هم متساوون في تكوينهم النفسي وفي كونهم كائنات عاقلة وفي تمييزهم المشترك بين الخير والشر. وفي تحديد مصدر هذا القانون الطبيعي قال شيشرون إنه نابع من العناية الربانية ومن الطبيعة البشرية العاقلة ؛ أنه قانون العقل الصحيح . لكنه قال أيضاً إن الإنسان هو المصدر الأول لفكرة العدل ، وأرجع القوانين إلى التمييز المتأصل في طبيعته بين الخير والشر. وهكذا يبدو الميل عند شيشرون إلى اعتبار العقل مرجعاً أصلياً لمعرفة القانون الطبيعي رغم المسحة لميتافيزيقية التي يخلعها على هذا القانون.
والخضوع للقانون هو قوام الحرية عند شيشرون الذي كانت نظريته في القانون الطبيعي منطلقاً لتطور فكري وسياسي دام قروناً في أوروبا ؛ وموقف شيشرون في هذا الشأن موقف جذري إذ يقول : (( إننا عبيد للقانون لكي نكون أحراراً )) ؛ وبديهي أن القانون الذي يعنيه هو القانون الطبيعي أي القانون القائم بنفسه السابق للإرادة والذي يقرِّر للإرادة ما ينبغي أن تتَّجه إليه ؛ والحرية التي يعنيها هي إذن حرية أخلاقية قائمة على ثنائية المثال المجرَّد والإرادة البشرية .
واستمرت فكرة القانون الطبيعي على مدى قرون سلاحاً لمقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والمساواة فالقانون الطبيعي بهذا الوصف ليس لأي حاكم أن يناقضه وهو يجعل البشر سواء فيما بينهم ويجعلهم مواطنين على نفس المستوى ويجب أن تخضع الدولة وتشريعاتها للقانون الطبيعي. وإذا كان واضحاً أن هذه النظرية قد وجهت الفكر الأوروبي نحو تدعيم حرية الفرد وذاتيته المستقلة فإنه يمكن القول إنها أسهمت أيضاً في دفع هذا الفكر في الاتجاه المؤدي إلى تكريس سيادة العقل الفردي .
هذا الاتجاه إلى تكريس سيادة العقل سوف يتلقى في القرن الخامس الميلادي دفعة قوية على يد القديس أوغسطين Saint Augustin صاحب ( مدينة الله La Cite de Dieu ) و ( سلطة النوع الإنساني - L’autorite du genre humain وفي قلب العصر الوسيط تبدأ في أوساط رهبان الكنيسة النزعات التي سوف تطبع العصر الحديث ، وهي العقلانية والليبرالية والفردية التي حاولت الكنيسة دون جدوى قمعها والتي نجم عنها في أوساط الرهبان تصوّر للأخلاق متحرر من القانون الديني.
وتسلمنا هذه المرحلة القلقة من مراحل العصر الوسيط إلى رمز كبير من رموز الكاثوليكية في القرن الثالث عشر ( أواخر العصر الوسيط ) ، إلى القديس توماس الاكويني Saint Thomas D'Aquin ( 1226 - 1274 م ) والذي يكرِّس الفرد على ما هو عليه في واقعه المحسوس . وتتجاوب رؤيته للسلطة السياسية مع رؤيته هذه للإنسان : فالسلطة التي هي حق إلهي طبيعي ، مفوَّضة إلى الشعب ، بمعنى أن الشعب يختص بتعيين الحكام من وسطه ؛ وهكذا يعرِّف رئيس الدولة بأنه نائب الجماعة Vicaire de la multitude)]) .
لقد عرّف المفكر الألماني Treitschke الدولة بأنها قوةl”Etat est force وعرّف هيجل الدولة بأنها المطلق ، وفي نظر الفقيه الفرنسي العميد ديجي Duguit فإن جوهر الدولة يكمن في فرق القوة بين الحكام والمحكومين؛ أما كانت Kant فقد فقد أصلّ القانون، الذي هو نظام حياة الدولة، في القوة .
أما المفكر المفكر الهولندي (غروسيوس 1583 / 1645) فقد انتهى إلى القول: بأن القانون الطبيعي هو قرار عقل سليم ينير في أمر من الأمور فيحكم عليه بحسب مناسبته او مخالفته للطبيعة العاقلة / هل هو فاسد أخلاقياً أم غير فاسد، وبالتالي هل هذا العمل هو واجب أم مخلوق من قبل الله خالق هذه الطبيعة وبذلك أسس لفكرة الحقوق الطبيعية المتميزة عن الحقوق الوضعية فهي حقوق لا يمكن انتزاعها، أو التنازل عنها كما انبثق من فكرة القانون الطبيعي الاعتقاد بوجود قيود على السلطة الحكومية، الأمر الذي يلزم الأفراد والسلطة بالخضوع لهذا القانون. وترتكز أعرق الوثائق القانونية البريطانية التاريخية على مبادئ القانون الطبيعي. ومن أشهر وأقدم هذه الوثائق وثيقة العهد الأعظم (الماجناكرتا) التي صادق عليها الملك عام 1215م، رغم اعتراضه على بنودها. وقد تمخض عن هذه الوثيقة خضوع الحكومة للقانون.
وفي عصر النهضة دعا مارسيليو دي مينارديني (توفي 1342م): إلى مجتمع جمهوري قائم على السيادة الشعبية في حين دعا جون فورتيسكو (توفي 1476م): إلى الحدّ من السلطة الملكية،و اعتبارها مرتبطة بإرادة الشعوب، وتابعه في هذا جورج بوخينان (توفي 1582م).
أما المفكر السياسي الإيطالي، ماكيافللي والذي كان ديبلوماسياً, ومؤرخاً أيضاً فقد كان من أهم ما قدمه من أعمال كتابه "الأمير" الذي وضعه في عام 1513م, وانتهى منه في العام نفسه. وكتابه "المطارحات"عن الفترة الأولى لتيتوس ليفي وقد شرع بتأليفه في عام 1513م، وانتهى منه في عام 1518م. وأيضاً "فن الحرب" المكتوب ما بين عام 1518 - 1520. و"تاريخ فلورنسا" الذي أنجزه في عام 1525. تأثر بالظروف السائدة في عصره في عصر النهضة الأوربية بكل ما اشتمل عليه هذا العصر من تغيرات عنيفة كانت أشبه بتغيرات الظواهر الطبيعية, وقد أثرت هذه التحولات في بنية المجتمع الأوربي عموماً وتحديداً في إيطاليا, وعلى كل المستويات. وعاصر ميكافللي الفساد الاجتماعي, والسياسي, وحالة التشتت والانقسام, والفوضى التي عمّت إيطاليا فقد انقسمت إيطاليا في عصر النهضة إلى خمس ولايات رئيسية هي: البندقية في الشمال الشرقي, وفلورنسا, والدول البابوية, ومملكة نابولي في الجنوب, وميلان في الشمال الغربي.
ومن الأفكار التي قدمها ماكيافللي وكان لها انعكاسها على مفهوم الديمقراطية أهمية القانون لتنظيم المجتمع وأن يكون القانون معبراً عن المصلحة العامة وخطورة الفساد على استقرار النظام السياسي.
فقد أدرك أنه فضلاً عن خطورة فساد من يتمتع بسلطة ما، فهناك خطورة لا تقل عنها أهمية، ألا وهي خطورة أن تتعرض إمارة ما، أو جمهورية، إلى فساد تنظيماتها وقوانينها. التي وضعت في بداية عهدها وهو يعتقد جازماً أن الفساد المنتشر لدى المشرفين على وضع القوانين والأنظمة سواء أكانوا في إمارة أم جمهورية، ينجم عنه لا محال فساد القوانين والأنظمة الموضوعة من قبلهم.إن المشرف على وضع القوانين أياً كان إذا ما غدت فضائله السياسية فاسدة نتج عنه لا محال قوانين فاسدة تعبر عن المصالح الشخصية بالضرورة، لا المصالح العامة للدولة، وهذا يؤدي إلى أخطار محدقة. لذلك فإن استشراء الفساد في الإدارة التي تقوم بوضع القوانين وتتولى مثل هذه المهمة، التي يعتمد عليها عصب الحرية شريانها، قد تسهم في إحداث خلل بالغ الخطورة ينبئ باستمرار الفساد إلى أن يصل حداً يصبح فيه أقرب إلى المعضلة المستعصية وقد طرح ميكافللي عدة أسباب للفساد يمكن إجمالها في :
فساد الحكام السياسيين، أي فقدان الحكام لكل فضائلهم السياسية الإيجابية, والتي تؤهل أي حاكم للقيام بدوره بوصفه حاكماً للدولة ومشرفاً على شؤونها.فقد يتدخل الحاكم الفاسد بشؤون رعيته الخاصة، كالممتلكات، أو النساء، أو سلب أحد الأشخاص حياته( )، مما قد يسيء إليه بصورة مباشرة. وهذا يعني التدخل بالشؤون الخاصة والخروج عن القانون دون حق،
يمكن من ذلك تقرير أن ميكافللي قد أدرك خطورة فساد فضائل الحكام السياسية من زاويتين :
الزاوية الأولى : هي السلوك السيئ للحاكم وفساد فضائله الذي سينعكس سلبياً على سلوك الرعية وفضائلها المدنية، ويصبح مصدر شرور أفعالهم فساد حاكمهم.
الزاوية الثانية : ضرورة كف الحاكم عن أذية شعبه، ووجوب احترام حقوقه، وإلا فقد ميزة أساسية من الواجب أن يتمتع بها، وهي احترام القوانين والأنظمة.
- إهمال القوانين والأنظمة, وإهمال تطبيقها بصورة دقيقة. وهنا تبرز أهمية القانون باعتباره عاملاً ضرورياً من العوامل الأساسية في مكافحة فساد الإدارة المشرفة على وضع القوانين وتطويرها. فقد كانت إيطاليا مثالاً واضحاً على حالة تفكك النظم والمؤسسات، وكانت فريسة لأسواً فساد سياسي وأخلاقي, فانحلت المؤسسات المدنيةويذكر ميكافللي أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لعظمة روما يعود إلى عظمة أنظمتها التي سارت عليها، وكانت أحد أسباب قوتها وتفوقها. ويمضي ميكافللي موضحاً ذلك بقوله: "لا يمكننا العثور على قوانين وتنظيمات صالحة توقف الفساد البشري في دولة استشرى فيها الفساد إلى حد بلغ الذروة "وهـكذا يؤدي القانون دوراً في كبح جماح الطبيـعة البشـرية الفاسدة للحكام والمحكومين على حد سواء.إن ميكافللي لا ينكر الطبيعة الإنسانية الخيرة وما تحمله من فضائل إنسانية رائعة، في كل عصر. ولكن البراعة السياسية تفرض على الحاكم الناجح أن يخلق روحاً مدنية ومن ثم فإن على الدولة والقوة أن تفرض القانون الذي يحفظ تماسك المجتمع.
إلا إنه يمكن القول أن العديد من أفكار الديمقراطية الحديثة كان انعكاساً مباشراً لأفكار مفكري العقد الاجتماعي الذين قدموا مفهومين أصبحا فيما بعد من الأسس الجوهرية لنظرية الديمقراطية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هما :السيادة الشعبية، ومعناها أن شرعية الحاكم تنبع من موافقة الشعب، والثاني : العقد الاجتماعي، ويعني أن الدولة هي نتاج عقد بين أفرادها، وككل عقد فهو يرتب حقوقا واجبات.
ومن مفكري العقد الاجتماعي توماس هوبزالذي نشر ترجمة لتاريخ (توكيديد) حيث تبدو الديمقراطية سخيفة أشد السخف على حد قوله لكنه أوضح معالم فلسفته في كتاب (مبادئ القانون الطبيعي السياسي) 1640م، بعدها بعشر سنوات نشر هوبز كتاب (لاوثيان) أو المجتمع الكنيسي والموثي مادته وصورهُ وسلطهُ. ولأوثيان هوالتنين الهائل المذكور في سِفر أيوب ويقصد به هوبز الحكم المطلق.
كان للعوامل والظروف السياسية والدينية التي رافقت حياة توماس هوبس (Thomas Hobes) منذ ولادته حتى أواخر أيامه، أثر كبير في تحديد طبيعته وتكوينه الفكري. فالقرن السابع عشر الذي عايشه توماس هوبس كان يتميّز بعصر الثورات والحروب. فبعد حرب الثلاثين سنة (1618 - 1648) نشبت الحرب الفرنسية الأسبانية والتي استمرت حتى عام 1659. في هذا الوقت بالذات كانت بريطانيا تشهد حروبها ثوراتها الأهلية الخاصة بين الفئات الدينية والسياسية المختلفة. وفي ظلّ هذه الأحوال والظروف التي عاشتها أوروبا بشكل عام وبريطانيا بشكل خاص، عاش هوبس ليستوحي أفكاره حول الإنسان والمجتمع والسلطة.
ولد هوبز عام 1588 وقبل موعده. وسبب ذلك الخوف الذي أثارته استعدادات ملك أسبانيا الكاثوليكي لإرسال أسطوله إلى الشواطئ الإنجليزية لإخضاع ملكتها اليزابيث الأولى البروتستانتية. وبالرغم من أنّ إنجلترا استطاعت أن تردّ الأسبان وأسطولهم على أعقابهم فإنّ الجو الحربي المرعب أثار الخوف في قلب والدة هوبز فوضعته قبل أوانه. ولهذا نراه يقول في وصف نفسه "أنا والخوف توأمان".
كما كانت تجربة الحرب الأهلية الإنكليزية عام (1640) قد جعلت هوبز يستنتج إن الناس لا يملكون القدرة على حكم أنفسهم أو الحكم الذاتي، . ولقد قال هوبز بحياة فطرية سابقة عن نشأة الجماعة، ولكن الناس في حالتهم الطبيعية، أو كما تخيل وجودهم من غير حكومة، كانوا في حالة خصام وفوضى وهياج على الدوام في حروبهم بعضهم مع البعض الآخر ولقد عبر عن ذلك بقوله (إن الحياة في حالة الفطرة والطبيعة كانت مقفرة، كريهة، قصيرة). وفكانت حياة فوضى وصراع أضطر الأفراد معها على التعاقد لإنشاء الجماعة السياسية وهذا التعاقد تم فيما بينهم واختاروا بمقتضاه حاكما لم يكن طرفاً في العقد ولم يرتبط لذلك تجاههم بشئ، وخصوصاً إن الأفراد تنازلوا بالعقد عن جميع حقوقهم الطبيعية. وترتب على ذلك أن السلطان الحاكم غير مقيد بشيء وهو الذي يضع القوانين ويعدلها حسب مشيئته وانتهى إلى تفضيل النظام الملكي على النظامين الأرستقراطي والشعبي.
كما تأثرت فلسفة هوبز بالثورة البرجوازية في القرن السابع عشر، فمن خلالها يرى البعض إن هوبز فيلسوفاً مادياً إنكليزياً. فضلاً عن ذلك كان هوبز معلماً للملك شارل الأول،وعلى الرغم من دفاع هوبز في كتابه المشار اليه (لاوثيان) عن الحكم المطلق مؤيداً بذلك حكم آل ستيوارت في إنكلترا. وكان دفاعه عن الحكم المطلق قائماً على الحاجة إلى هذا النظام لتوفير السلام الداخلي وطمأنينة الأفراد وسيادة القانون. قرر كذلك أن السلطة المطلقة اعتمدت على اتفاق اختياري عقلي قبلها الشعب بمقتضاه وان الحكومة المطلقة التي تخرج عن شروط هذا الاتفاق خروجاً صريحاً واضحاً يصعب تبريرها حتى وفقا لتعاليم ومبادئ هوبز.
وهكذا كان هوبز يدافع عن الحكم المطلق، ولكن ليس باسم الحق الإلهي للملوك، بل باسم مصلحة الأفراد وبقاء السلم. انه يجعل الحكم دنيويا ويدل على منفعته.
وكان أثر هوبز عظيماً على المفكرين اللاحقين إذ صار جميع المشتغلين بالنظريات السياسية وبعده يعدّون الحكومة نظاما خلفتة أغراض الإنسان ومصالحة.ولم تعد الحكومة جزءاً من نفحة إلهية مقدسة إذا استثنينا عامة الناس المحترفين من علماء اللاهوت.
فيرى هوبز أن المجتمع السياسي ليس واقعة طبيعية، انه بالنسبة إليه الثمرة الاصطناعية لميثاق إرادي ولحساب مصلحي. كما ويرى أن السيادة تقوم على عقد. ومع ذلك فليس أمرعقد بين الملك ورعيته، بل بين الأفراد الذين قرروا أن يكون لهم ملك. وهو بدلاً من أن يحد السيادة يؤسسها على عقد. ثم ان العقد، في الأصل يخلق الرغبة في السلم وهذا بمثابة هم أساسي عند هوبز، في النهاية إن الواقع والهدف عند الذي يتخلى عن حقه أو يحوله ليس أمنه الشخصي في حياته وفي وسائل حفظ هذا الأمن.هكذا تبدو الدولة كشخص (تعددية) تكون شخصاً واحداً عندما تتمثل بإنسان واحد أو بشخص واحد. شرط أن يتم ذلك برضى كل فرد وبصورة خاصة يرضي كل الذين يتكون منهم هذا الشخص ويرى هوبز ان الدولة مجموعة المصالح الخاصة. وعليها أن تدافع عن المواطن وهذا المواطن لا يتخلى عن حقوقه للدولة إلا من أجل حمايته والدولة تفقد مبرر وجودها إذا لم تأمن الأمن وإذا لم تحترم الطاعة. إن أي سلطة روحية لا تستطيع أن تعارض الدولة وليس بمقدور أحد أن يخدم سيدين. والملك ليس فقط أداة الدولة بكل كنيته، انه أيضاً يمسك باليد اليمنى (السيف) وباليد اليسرى عصا الأسقفية وهكذا تتثبت قدرة الدولة وأيضاً وحدتها ولا مكان للأجسام الوسيطة أو الأحزاب أو التكتلات. وحول هذه النقطة يسبق هوبز الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
أما جون لوك (1632- 1704) فقد أهم الديمقراطية الحديثة بأفكاره عن الحرية والمساواة و الفصل بين السلطات وحق مقاومة الحكم المستبد وعملياً أضطلع بدور خطير في الأحداث السياسية التي وقعت في إنجلترا ما بين ســنة 1660 وسنة 1680 وتحت تأثير اللورد آشلي كتب لوك في عام 1667 مقالاً خاصاً بالتسامح (On Toleration) كما كتب لوك مقالتين سياسيتين نشرتا في عام 1690
بعنوان "مقالتان عن الحكومة" (Two Treatises on Government) تأييداً لثورة 1688 الكبرى. وهناك وجهة نظر تقول إن المقالتين موجهتان ضد فيلمر (Filmer) وليس ضد هوبس كما كان يفكر البعض. وهاجر لوك إلى هولندا عام 1683 بسبب ملاحقة البوليس له، وذلك لاتصالاته الوثيقة باللورد آشلي، الذي كان معارضاً للقصر وبقي هناك حتى عام 1689، وفي هولندا كتب لوك عدة كتب هي ((رسالة إلى الاكليروس)) و((خواطر في الجمهورية الرومانية)). و((في التسامح)) و((الحكومة المدنية)) و((خواطر في التربية)). 1وكانت شهرته قد ازدادت حتى عرفت أوربا كلها أنه ينصر الحرية.
– ويذهب لوك أن للإنسان حقوق مطلقة لا يخلقها المجتمع، وان حال الطبيعة تقوم في الحرية، أي أن العلاقة الطبيعية بين الناس علاقة كائن بكائن حر تؤدي إلى المساواة. والعلاقة الطبيعية باقية بغض النظر عن العرف الاجتماعي، وهي تقيم بين الناس مجتمعاً طبيعياً سابقاً على المجتمع المدني وقانوناً طبيعياً سابقاً على القانون المدني.
وعلى ذلك ليس لأحد حق فيما يزعم هوبز، ولكن حقهم ينحصر في تنمية حريتهم والدفاع عنها وعن كل ما يلزم منها حقوق مثل حق الملكية وحق الحرية الشخصية وحق الدفاع عنهما. ومن أجل ضمان الملكية يخرج الناس من الحالة الطبيعية ويكونون مجتمعاً مدنياً غايته الأساسية المحافظة على الملكية، ويقول (لوك) كل حكومة لا غاية لها غير الحفاظ على الملكية من خلال الإرادة والتشريع لا الحكم.
في نظريته عن سلطة الدولة والقانون، فإن الدولة تقوم منطلقاً ومآلاً على الإرادات الفردية وتضمن الحريات الفردية.
ذهب (لوك) إلى تصور أن الأفراد في «الحالة الطبيعية» يولدون أحراراً متساوين (وهذه هي نقطة الانطلاق في المذهب الليبرالي كله) وأنه بمقتضى العقل توصل الناس إلى اتفاق «عقد اجتماعي» تنازلوا فيه عن حقوقهم الفردية في القضاء والعقاب للجماعة ككل؛ وعلى هذا تكون الجماعة هي السيد أو الحاكم الحقيقي؛ وهي تختار بأغلبية الأصوات رئيساً أعلى ينفذ مشيئتها.
وهكذا نشأت الحكومة بمقتضى عقد ولكنه ليس عقداً غير مشروط كما ذهب إلى ذلك هوبز.وإنما يفرض التزامات متقابلة. فينبغي على الشعب أن يكون عاقلاً مدركا.فالمخلوقات العاقلة وحدها تستحق الحرية السياسية.هذا العقد يفرض على الحكومة بعض الشروط والالتزامات. فإذا ما خرجت حكومة ما عن أحكام العقد وهددت الحقوق الطبيعية فإنه يكون من حق المحكوم في هذه الحالة أن يعيد النظر في ما أقدم عليه من خلق هذه الحكومة وله عند الضرورة القصوى أن يثور عليها.
يرى لوك إن للمحكومين أن يثوروا إذا ما سلبت السلطة الحقوق الطبيعية وخصوصاً الحرية والملكية الفردية لكن استعمال حق المقاومة في نظره لا يهدف إلى تحقيق الأماني الشعبية بل إلى الدفاع عن النظام العام.
يقوم مذهب لوك على تأكيد الثنائية الأساسية بين الفرد والدولة، لذلك فهو المؤسس الحقيقي للاتجاه الليبرالي.. فالغرض من الدولة هو الحفاظ على الحرية والملكية اللتين تكتسبان عن طريق العمل. ومن ثم فإن الحكومة لا يجوز أن تكون تعسفية.
لقد أعجبت فكرة العقد الاجتماعي هذه جوك لوك لكنه وجدها مع ذلك ناقصة. فحسب رأيه يجب ألا ينجم عن هذا العقد إضفاء الشرعية على حكومة مستبدة. فلا يحق للحاكم في جميع الأحوال أن يحوز على سلطات مطلقة تخوله استعباد الأفراد أو سلب حقوقهم أو ممتلكاتهم. ووجد لوك أن أفضل طريقة للحد من هذه السلطات هي تقسيمها إلى فروع، بحيث يملك كل فرع المقدار الذي يحتاجه فقط من السلطة لأداء وظيفته. وهذا يعني إيجاد سلطة تشريعية منفصلة تقوم بمهمة سن القوانين نيابة عن الشعب، وسلطة تنفيذية تقوم بتفسير وتطبيق هذه القوانين.
فذهب (لوك) إلى ضرورة أن تُفصَل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية «فالسلطة التشريعية هي التي ينبغي أن تكون لها الكلمة العليا؛ لأنها مسؤولة فقط أمام المجتمع بصورة كلية، ذلك المجتمع الذي تعد هي ممثلة له» ومن هنا جعل لوك الأمة هي مصدر كل السلطات وهي الفيصل بينها أيضاً، كما أن مبدأ الفصل بين السلطات الذي فصله (مونتسكيو) بعد ذلك وقد كانت مبدأ جوهري بالنسبة لليبرالية السياسية.

تمثل إسهام جان جاك روسو ( 1712 - 1778 jean – Jacques rousso في كتاباته (مقال في أصل التفاوت بين الناس) الذي تقدم به لمسابقة أكاديمية ديجون عام 1574 و (العقد الاجتماعي) و(في التربية) (1762) حيث قدم مفهوم الإرادة العامة والسيادة الشعبية.
و يرى روسو ان الحرية هي التي تميز الإنسان أكثر من الفهم وعالج روسو هذه المسألة التي في كتابه (العقد الاجتماعي) حيث يذهب إلى أن أن هذا الفرض (الحريات والحقوق) ممكن التحقيق عندما تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شعبا واحداً، وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون ارادة الكل تقر الكلي أي المنفعة العامة وأن الشعب لا يريد إلا المنفعة العامة. فالإرادة الكلية مستقيمة دائماً ومن يأب الخضوع لها يرغمه المجتمع بأكمله.
حاول روسو في (العقد الاجتماعي) أن يثبت إنهُ يستحيل في المجتمع الحر أن يحكم أي إنسان من قبل أي إنسان آخر، وكيف إن كل فرد هو في آن معاً رعيَّة ومواطنين، وإن السلطة الشرعية لابد أن تتبثق عن موافقة المحكومين، وإن السيادة تكمن في الإرادة العامة في اجتماع الأمة، فالإرادة العامة ، عند روسو ، هي دائماً في الاتجاه الصحيح ، لأن ما هي عليه فعلياً هو نفسه ما ينبغي أن تكون عليه ؛ إنها قانون نفسها ولا يوجد أي قانون أساسي ملزم لها حتى ولو كان العقد الاجتماعي الذي هو سبب وجودها ؛ إنها إرادة مطلقة
وعليه فإن من يشغلون منصباً عاماً لا يؤدون مهامهم بمقتضى حقهم الخاص، أو حق موروث، وإنما بمقتضى سلطة أوكلتها إليهم، سلطة تمنح وتحسب.
إن العقد الاجتماعي عند روسو ليس عقداً بين أفراد (كما عند هوبز) ولا عقداً بين الأفراد والسلطات (كما عند لوك) فبموجب هذا العقد، كما يرى روسو، فأن كل واحد يتحد مع الكل فالعقد هو بين المجموعة بحيث يضع كل واحد شخصه وقدرته في الشراكة تحت سلطات الإرادة العامة, وسيكون كل شريك متحداً مع الكل ولا يتحد مع أي شخص بشكل خاص.
إن أشكال الحكم في نظر روسو ليست أكثر من أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية ومهما اختلفت أشكال الحكم، تبقى السلطة السيادية على الدوام من حق الشعب، ولكن قد يعهد هذا الأخير بالسلطة التنفيذية أما إلى الجزء الأكبر من الشعب، وأما إلى عدد محدود صغير من الأشخاص، وأما إلى شخص واحد، ويطلق على الشكل الأول من أشكال الحكم اسم الديمقراطية وعلى الثاني الأرستقراطية، وعلى الثالث اسم الملكية. واختار روسو الديمقراطية.
إنّ آباء الثورة الفرنسية ، أعضاء الجمعية الوطنية ، وهم في غالبيتهم تلاميذ مدرسة جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau) يكرِّسون هكذا نظريته حول سيادة الإرادة العامة La Souverainete de La Volonte generale .
الدولة في تصور مدرسة العقد الاجتماعي ليست ضرورة طبيعية، بقدر ما هي ضرورة عقلية، هي لا تفرض وإنما تنشأ، لا يتحملها الإنسان بل يريدها، لأن مصلحته التي أظهر عقله فوائدها، فرضت عليه ذلك، فدولة مدرسة العقد الاجتماعي هي دولة الفرد والعقل، فهي دولة فردية عقلانية"‏ لكن الأفراد.. يتشكلون من وعي يصبح نهجاً عندما يعتقد ويدافع عنه مجتمع يتوجه لبناء دولة العدل والرفاهية والمساواة
وهكذا بذرت نظريات العقد الاجتماعي بذور نظرية الديمقراطية فنبهت الشعوب إلى أن لها دوراً في حياة أفرادها والكلمة الفاصلة يجب أن تقولها الشعوب لا الحكومات. ناقشت هذه النظريات لأول مرة الحق الإلهي الذي استند إليه الملوك والأباطرة في حكمهم شعوب العالم. ولأول مرة تجرأت هذه النظريات بالقول(لا أحد يملك الحق الإلهي على حياة الآخرين وإن الله لم يفوظ أحداً لكي يتحكم بمصائر ملايين البشر ويسوقهم وفق رغباته وأهوائه). كان العقد الاجتماعي بداية اختمار فكرة الدساتير الحديثة التي قامت على أساس تمثيل الإرادة الشعبية العامة.
في كتابه المهم “روح القوانين”، حيث سعى إلى تعريف مبادىء الحكم الناجع. ميز مونتسكيو بصورة جوهرية وقد بنى مونتسكيو على أفكار هوبز ولوك في كتابيه "روح القوانين" و"رسائل فارسية" وميز بين ما أسماه بالحكومات الملكية القائمة على رقابة دستورية ومؤسسات مدنية وسيطة وبين الحكومات الاستبدادية الخاضعة لأهواء الحاكم ورغباته الفردية دون أي وسائط سياسية مدنية
وعلى غرار لوك أصر مونتسكيو على أنه من أجل منع الاستبداد يجب عدم تركيز السلطة في يد الحاكم، لأن التجارب أظهرت أن أي فرد يتم منحه سلطة مطلقة فإنه يميل إلى إساءة استخدامها.
ولذلك أيد مونتسكيو تقسيم سلطة الحاكم إلى أفرع مستقلة. ولكنه بدلا من سلطتين، كما اقترح لوك، تحدث عن ثلاث سلطات: تشريعية (لسن القوانين) وتنفيذية (لتطبيق القوانين) وقضائية (لتفسير القوانين). ويرى أنه لضمان وجود الحرية يجب عدم السماح لنفس الأفراد، مهما كان انتماؤهم الاجتماعي، بممارسة هذه السلطات مجتمعة وفي الوقت نفسه.كما يذهب مونتسكيو إلى ضرورة أن تكون فروع الحكومة المختلفة مصممة بطريقة تضمن إمكانية مراقبة كل سلطة للسلطة الأخرى، فلا ينبغي لأي سلطة أن تكون قادرة على ممارسة وظيفتها من دون موافقة ومراجعة السلطتين الأخريين.
ويعتقد مونتسكيو أيضا أن حرية التعبير وما يطلق عليها في العصر الحديث “مؤسسات المجتمع المدني” مثل المؤسسات الدينية وهيئات الحكم المحلي والنقابات المهنية، تلعب دورا مهما في توازن السلطة عبر المجتمع.
وقد غدت مفاهيم مونتسكيو حول فصل السلطات وتوازن ورقابة كل منها على الأخرى، بمثابة حجر الأساس في الدساتير الديمقراطية حول العالم.
وكان (فولتير) من أشهر زعماء الليبرالية في فرنسا والذي يعد تلميذاً خالصاً لـ (لوك) من الناحية الفلسفية البحتة، ولكنه يتجاوزه من حيث القدرات الأدبية في التأثير ونقده الحاد وسخريته اللاذعة. وكانت قضية (فولتير) الرئيسية هي تحرير العقلية الأوروبية تماماً من المسيحية الثالوثية عقائد ومفاهيم وقيماً؛ وهكذا كان يصرخ بعنف وسخرية: «إن لديَّ مائتي مجلد في اللاهوت المسيحي؛ والأدهى من ذلك أني قرأتها وكأني أقوم بجولة في مستشفى للأمراض العقلية»(2). ,اتساقاً مع ما سبق فقد دافع (فولتير) دفاعاً مريراً عن حرية الرأي بالنسبة للعقائد والأفكار؛ ولهذا تتردد له تلك المقولة الشهيرة: «أنا لا أوافقك القول، ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله».
ورأى توكفيل إمكانية تحول الديمقراطيات الغربية الحديثة إلى منظومات سياسية إكراهية لم يجد لها المصطلح المناسب للتعبير عنها، ولذلك غالبا ما ينعتها بمواصفات تناسب الحالة الاستبدادية ولكن دون استعمال كلمة استبداد. كما أكد من جهة أخرى صعوبة رصد الوجوه الاستبدادية للديمقراطية الحديثة، بحكم تواريها في الغالب خلف شعارات إلغاء مراكز تسلط الحقب الأرستقراطية. يتخلق الاستبداد الجديد من وجهة نظر توكفيل في رحم الديمقراطية الحديثة، وذلك من خلال تمدد ما يسميه بالأيادي والأعين الخفية للدولة إلى مستوى خواص الحياة الفردية. فباسم المساواة الديمقراطية تصبح الدولة سلطة الضبط والتعليم والإرشاد والعقاب وبذلك تصبح الجماعة القومية مجرد حيوانات صناعية أليفة تقوم الحكومة مقام راعيها الأكبر على حد تعبيره. ففي ظل مجتمع تعادلي يقوم على مثال المساواة الكاملة بين مواطنين أحرار بعد إلغاء الامتيازات الاجتماعية والسياسية للحقب القديمة يصبح الناس مجرد ذرات منعزلة عن بعضهم البعض بسبب انخلاعهم من روابط العائلة والقرابة الدموية وحماية الطبقة الاجتماعية وبذلك تتمدد الأذرع البيرقراطية للدولة لملء هذا الفراغ.
وينتهي المفكر الفرنسي إلى القول إن معضلة الاستبداد الجديد وإن كان من الصعب التغلب عليها بصورة جذرية إلا أنه من الممكن الحد من ضراوة أنيابها الحادة بتكوين شبكة واسعة من الروابط السياسية الاجتماعية التعاونية لضم الذرات المتناثرة من الأفراد إلى بعضهم البعض حتى يتم الحد من الأخطبوط الواسع للدولة الحديثة أي تكوين ما اصطلح على تسميته لاحقا بالمجتمع المدني.
نشر جون ستيورات مل مؤلفاً معروفاً عالج فيه بعض "المسائل في الاقتصاد السياسي" في 1844. كما أن الإشكاليات الجديدة التي برزت بعد نشوء المجتمع الصناعي أثارت مسألة الحرية ومفهوم الحقوق الفردية في الحياة المدنية والسياسية. فقد أصبحت الصحافة ووسائل الإعلام الجديدة قوة لم يعرفها المجتمع القديم. ولخص مل موقفه في كتابين مهمين: "في الحرية" و"أفكار حول الحكم التمثيلي" وصدرت هاتان الدراستان في الأعوام 1859 - 1861.
وعلى الرغم من أن مل دعا إلى توسيع رقعة الحريات العامة والمدنية أبدى مخاوفه من نتائج بعض المبادئ الديموقراطية كالمساواة في حق الانتخاب. مع ذلك نادى مل بحق الرأي في الانتخاب، ونقد تصور أوغست كونت (Auguste Comte) الهرمي لبنية المجتمع وتعليله للطبيعة الهرمية للمجتمع. وعلى الإجمال، يعتبر جون ستيوارت مل أحد المفكرين البارزين الذين أرسوا أركان الفكر الليبرالي في القرن التاسع عشر.
حيث اهتم في كتابه (عن الحرية) بشرحها شرحاً وافياً، وقد حدد أن الغرض من كتابه هذه هو تقرير المبدأ الذي يحدد معاملة المجتمع للأفراد «ومضمون هذا المبدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تبيح للناس التعرُّض بصفة فردية أو جماعية لحرية الفرد هي حماية أنفسهم منه؛ فإن الغاية الوحيدة التي تبرر ممارسة السلطة على أي عضو من أعضاء أي مجتمع مُتَمَدْيِن ضد رغبته هي منع الفرد من الإضرار بغيره. أما إذا كانت الغاية من ذلك هي الحيلولة دون تحقيق مصلحته الذاتية أدبيةً كانت أم ماديةً فإن ذلك ليس مبرراً كافياً؛ إذ إنه لا يجوز مطلقاً إجبار الفرد على أداء عملٍ ما، أو الامتناع عن عملٍ ما». ولكن: ما الذي يمكن أن يحدد في سلوك الفرد ما هو قد يؤثر بالضرر على المجتمع أو لا يؤثر؟ يرى (جون ستيورات مل) أن هناك منطقة في حياة الفرد هي صميم الحرية البشرية، وليس للمجتمع بها إلا مصلحة غير مباشرة إن كانت له مصلحة على الإطلاق، وهي تتضمن:
أولاً: المجال الداخلي للوعي: وهذا يقتضي حرية العقيدة في أوسع معنى لها، وحرية الفكر والشعور، وحرية الرأي والميول في جميع الموضوعات عملية أو علمية، مادية أو أدبية، دينية أو دنيوية. وقد يتبادر إلى الأذهان أن حرية التعبير عن الآراء ونشرها يدخل في نطاق مبدأ آخر؛ إذ إنها تتعلق بتصـرفـات الفـرد التي تمـس الغير؛ ولكن لما كانت هـذه الحرية لا تقل أهمية عن حرية الفكر نفسها إذ إنها تقوم على الأسباب نفسها؛ فلا يمكن إذن الفصل بينهما.
ثانياً: أن هذا المبدأ يتناول حرية الأذواق والمشارب: بمعنى أنه يطلق الحرية في رسم الخطة التي نسير عليها في حياتنا بما يتفق مع طباعنا، وأن نفعل ما نشاء، على أن نتحمل ما يترتب على ذلك من نتائج دون أن يقف
في طريقنا أحد من إخواننا في الإنسانية طالما كانت أفعالنا لا تنالهم بضرر حتى ولو اعتقدوا أن تصرفاتنا هذه دليل على السخف أو السفه أو الخطأ.
ثالثاً: إنه يتفرع من حرية كل فرد - وفي نطاق حدودها - حرية اجتماع الأفراد للتعاون على أي أمر ليس فيه ضرر للغير؛ على أن يكون الأشخاص المجتمعون بالغين راشدين لم يساقوا إلى الاجتماع بعنف أو إكراه»(4). وهو بعد ذلك يؤكد تماماً أنه «لا يمكن لأي مجتمع أن يتمتع بالحرية دون أن يكفل هذه الحريات بوجه عام مهما كان نظام الحكم فيه، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتمتع بحرية تامة ما لم تكفل هذه الحريات كاملة غير منقوصة» و ينكر على الشعب استخدام أي وسيلة من وسائل الإجبار ضد حرية التعبير «أنكر على الشعب الحق في ممارسة مثل هذا الإجبار سواء عن طريقه أو عن طريق الحكومة؛ فمثل هذه السلطة غير مشروعة في ذاتها، ولا يجوز لأرقى الحكومات أو أقلها شأناً أن تلجأ إليها، وهي إذا صدرت بمشيئة الرأي العام فقد تكون أفظع وأشنع مما لو صدرت رغماً عنه وبمعارضته».
وتنطلق المسألة هنا أساساً من رؤيته الفلسفية العلمانية التي انتهت لديه إلى النسبية المعرفية والقيمية المطلقة، ومن ثمَ فإنه على كافة الناس والحكومات أن يتصرفوا على قدر طاقاتهم، وأن يبذلوا أقصى جهدهم؛ فليس هناك شيء يسمى التعيين المطلق، وإنما هناك ثقة كافية لتحقيق غايات الحياة البشرية، ويجوز لنا أو يجب علينا أن نفترض صحة آرائنا لكي نسترشد بها في تصرفاتنا.
وليس ثمة ما يمكن فصله عن البحث والنقاش والجدال بما في ذلك المعتقدات والقيم حتى لو اجتمعت الأجيال على صحة هذا المعتقد أو ذاك الرأي «فإنه من الواضح تماماً أن الأجيال ليست أكثر مناعة من الأفراد في الوقوع في الخطأ؛ فإن كل جيل مضى كان يعتنق كثيراً من الآراء التي اكتشفت زيفها وتفاهتها أجيال تالية»

المصادر
الموسوعات:-
1- موسوعة العلوم السياسية ، مقلد ، اسماعيل صبري و ربيع، محمد محمود (محرران) ، (الكويت: جامعة الكويت، 1994).
2- الموسوعة الفلسفية، ترجمة سميري كرم،( بيروت: دار الطليعة،1980).
3- الموسوعة العربية الميسرة، ، (القاهرة: دار الشعب ومؤسسة فرانكلين، 1965).
4- ا لموسوعة الفلسفية العربية،(عمان: معهد الأنماء العربي،1988).
الكتب:
1- ساباين، جورج ، تطور الفكر السياسي ، ترجمة حسن جلال العروسي، (دار المعارف: القاهرة
1964).
2- مجاهد حورية توفيق ، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، (القاهرة:مكتبة الأنجلو، 1976).
2-أحمد د. محمد شريف، فكرة القانون الطبيعي عند المسلمين، دراسة مقارنة(بغداد: دار الرشيد،1980).
3- بالمر، روبرت، تاريخ العالم الحديث، ج2، ترجمة حسن علي ذنون،(بغداد: مكتبة دار المتنبي، 1964).
4- توشيار، جان، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة د.علي مقلد ،( بيروت: الدار العالمية،1981).
5-البكري، عبد الباقي، نظريات القانون، (بغداد: مطبعة الزهراء،1969).
6-كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الحديثة،(القاهرة: دار المعارف، 1957).
7- ديدجري، البان، ج، التاريخ وكيف يفسرونه، ترجمة عبد العزيز توفيق،(القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1972).
8- لويس، جون، مدخل إلى الفلسفة، ترجمة أنور عبد الملك،( بيروت: دار الحقيقة، 1973).
9- فولفين، ف، فلسفة الأنوار، ترجمت هنربيت عبودي، (بيروت: دار الطليعة، 1981).
10- بالمر، روبرت، الثورة الفرنسية وامتداداتها، ترجمة هنبريت عبودي، (بيروت: دار الطليعة، 1982 ).
11 - الحسن، احسان محمد، رواد الفكر الاجتماعي،( بغداد:، دار الحكمة للطباعة والنشر،1992).

0 Comments:

Post a Comment

<< Home