بصائر المعرفة

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني تفضل بزيارة مدونتي الأخرى umranyat.blogspot.com

Thursday, May 25, 2006

التوحدية (الكوربوراتية) في النظام السياسي المصري

مقدمة
يمر النظام السياسي المصري بفترة هامة في التحول نحو الديمقراطية تشهد فعالية متزيدة وأدواراً متعددة لمختلف الجماعات فيه ويتطلب تحديد الإمكانات المختلفة لهذا التطور ضعه في سياقه العام والمقارن في مراحل مختلفة لدور هذه الجماعات وعلاقاتها بإلإطار الأشمل للنظام السياسي حيث تهدف هذه الدراسة للوصول لنوع من الرؤية المقارنة للنظام السياسي المصري في الفترة من 1952- 1981 باستخدام التوحدية كمدخل تحليلي لدراسة هذا النظام من خلال مقارنة سمات التوحدية كنمط للعلاقة بين الجماعات المصلحية والنظام السياسي.
أهمية الدراسة:
تأتي الأهمية العملية لهذه الدراسة من أهمية تحول العلاقات بين الدولة والمجتمع كمدخل لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام السياسي ككل ومن ثم فإن دراسة هذه العلاقة في بعدها المقارن زمنياً قد تسهم في توضيح الشروط الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية لتغير نمط العلاقة أما من الناحية النظرية فإن استخدام المدخل التوحدي في دراسة جماعات المصالح في بلد نام يمكن أن يستكشف القدرات التفسيرية لهذا المدخل من ناحية ومن ناحية أخرى يعطي إمكانية أكبر لدراسة هذه الجماعات في إطار الدراسة العلمية النظامية انقطاعاً عن رؤية نمط علاقات هذه الجماعات كنوع من السياسات الشخصية.
تحديد مشكلة الدراسة وافتراضاتها
تم طرح المدخل التوحدي كثورة منهجية في دراسة النظم السياسية المقارنة بما يثير مسألة الإمكانات النظرية لهذا المدخل على النظم السياسية في الدول النامية ومدى انطباقه كنمط لجماعات المصالح على الجماعات المصلحية في هذه النظم ومن ناحية أخرى ، إذا كان البعض قد طرح مفهوم توحدية الدولة كنمط سائد لهذه العلاقة في العديد من الدول النامية فإن هذا الطرح يثير على الشكل الخاص لهذا النمط بالتوجهات التنموية والخارجية للنظام السياسي خاصة مع إعلان النظام تبنيه التعددية السياسية واتحاهه لنوع من التعددية المقيدة وعليه يمكن طرح المشكلة البحثية في تساؤلين أساسين:
ما سمات التوحدية في النظام السياسي المصري
ما الشكل الخاص الذي اتخذته التوحدية في النظام السياسي المصري في الفترتين محل الدراسة أوما علاقة اتجاه النظام الحاكم لأساليب المنع والقمع أكثر من أساليب المنح والترغيب في إدماج جماعات المصالح بالتوجهات التنموية والخارجية للنظام السياسي المصري.
وللإجابة على هذين التساؤلين تسعى الدراسة لاختبار مقولة أن العديد من سمات توحدية الدولة تنطبق على نمط علاقات جماعات المصالح في النظام السياسي المصري.
كما تسعى الدراسة للتحقق من الفرض بأن ثمة علاقة إيجابية بين توجه النظام للاندماج في السوق العالمي واتجهه للأخذ بسياسات المنع والقمع أكثر من سياسات المنح والترغيب والاستمالة لإدماج جماعات المصالح في قطاعات معينة برغم تبنيه التعددية كتوجه سياسي عام للنظام السياسي.
نطاق الدراسة:
على الرغم من أن التوحدية يمكن أن تشكل مدخلاً لتناول النظام السياسي بشكل متكامل فإن نطاق هذه الدراسة يتحدد في دراسة نمط علاقات جماعات المصالح المنظمة وتحديداً النقابات المهنية والعمالية في الفترة من 1952-1981 دون غيرها من جماعات لها أهميتها البالغة مثل الغرف التجارية واتحادات رجال الأعمال والجماعات الدينية .
الدراسات السابقة:
أصبحت جماعات المصالح في مصر ودراسة التوحدية كنمط لعلاقتها ببعضها وبالدولة مجالاً للعديد الدراسات التي قدمت إسهامات أصيلة واتسمت من حيث المجال بالتنوع والتعدد ومن هذه الدراسات دراسات ركزت على نقابات مهنية معينة مثل دراسة أحمد فارس عبد المنعم عن جماعات المصالح والسلطة السياسة في مصر التي اهتمت بالدور السياسي ل نقابات المحامين والصحفيين والمهندسين في الفترة من 1952-1981 مساندة و تأييداً أو معارضة وركز الباحث على الدور السياسي لنقابة المحامين باعتبار أهمية هذا الدور منذ بداية القرن العشرين كما انها تقدم نموذجاً لجماعة مصلحية كان لها اهتماماتها التي تعدت مصالحها المهنيةإلى قضايا سياسة عامة كما رصدت الدراسة سياسات السلطة السياسية تجاه هذه الجماعات في هذه الفترة باعتبارها تعبر عن نوع من التوجدية أو كما تنقلها حرفياً الكوربوراتية.
وهناك دراسات تناولت نقابات مهنية معينة مثل دراسة د. أماني قنديل عن نقابة المعلمين التي تناولت تحليل علاقتها بالسلطة في محاولة لتفسير محدودية دورها برغم طبيعتها حجمها كجماعة مصلحة لإضافة للتحليل الاقتصادي الاجتماعي لطبيعة العضوية في هذه الجماعة وتأثير طبيعة المهنة على تشكيل توجهات الجماعة
ومن الدرسات ما اهتم بجماعات المصالح في إطار دراسة الحركة العمالية مثل دراسة هويدا عدلي رومان عن الدور السياسي للحركة العمالية في مصر في حين اهتمت دراسة د. مصطفى كامل السيد بطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ودراسة آليات التفاعل بينهما ورصد تطور دور جماعات المصالح المختلفة أما د. علي الصاوي في رسالته عن التشارك الاجتماعي والتعاضدية في النمسا ومصر فإنه يشير – كما يوضح مستخلص الرسالة حيث أن الرسالة باللغة الألمانية-إلى أن تدعيم الاستقرار السياسي في مصر يتطلب تقوية هياكل مؤسسية تتوسط العلاقة بين المجتمع والدولة والسياسة والسلطة ويطرح مفهوم توحدية الدولة أو التعاضدية كما يسميها في مواجهة التوحدية المجتمعية كإطار لدراسة سياسات المصالح وبالنظر للدور المحوري للدولة في السياسة في مصر إضافة إلى وجود ثقافة توحدية محافظة في مصر تتشابه مع بعض مكونات التوحدية في النمسا فإنه يمكن الاستفادة من النموذج النمساوي الذي تقوم فيه الدولة بدور الشريك الثالث لمنظمات المصالح الاجتماعية للعمل ورأس المال فمن خلال المقارنة يمكن طرح بعض آليات النظام التوحدي النمساوي على مائدة النقاش حول تمثيل المصالح المدنية وسياسات التعويض الجماعي في صراعات المصالح فهذه الآليات يمكن أن تمثل مدخل إضافي لدمقرطة سياسات المصالح في مصر.
وهناك دراسات لم يتح للطالب الاطلاع عليها مثل دراسة ناهد الدجاني التي سعت لتطبيق مفهوم التوحدية على النظام السياسي المصري عن طريق دراسة ثلاث حالات نقابة المهندسين واتحاد الغرف التجارية وشركة المقاولين العرب.[1]
منهج الدراسة
تستخدم الدراسة المنهج البنائي الوظيفي في دراسة جماعات المصالح باعتبار الربط الذي يقدمه هذا المنهج بين طبيعة الوظيفة التي تقوم بها جماعات المصالح من تجميع المصالح والتعبير عنها والاتصال السياسي وبنية الجماعة وهذا المنهج يتسق مع دراسة العملية السياسية في إطار نظمي فأي بنية أو عنصر في النظام السياسي يكتسب أهميته مما يؤديه من وظائف لازمة لاستمرار النظام ومن ناحية أخرة فإن المنهج البنائي الوظيفي يمكن من عقد المقارنات على أساس وجود وظائف متشبهة كما يوضح هذا المنهج ارتباط جماعات المصالح بالنظام السياي الأشمل وهو أيضاً يتلاءم مع المدخل أو المقترب التوحدي من حيث اتأكيد على أسلوب أداء وظيفة جماعة المصالح وأثره على تشكيلها وبنيتها.
وتنقسم الدراسة إلى قسمين
القسم الأول إطار نظري يتناول:
جماعات المصالح ومحاولة تحديدها من خلال تعريفاتها المختلفة وتحديدوظائفها و أنماطها ومحددات فعاليتها ومحاولة تحديد التوحدية والمدارس المختلفة في تناولها وأهم أنماطها ومحاولة تحديدها على المستوى النظري والإجرائي.
والقسم الآخر يتضمن تطبيق على النظام السياسي المصري للتعرف على مدى انطباق التوحدية على نمط جماعات المصالح به والأشكال المختلفة لإدمج جماعات المصالح في النظام السياسي









أولاً الإطار النظري
1- جماعات المصالح
التعبير عن المصالح وتجميعها واحدة من أهم وظائف النظام السياسي ويعتبرها البعض أحد وظائف المدخلات التي تستمد أهميتها من تعدد الفاعلين في أي نظام سياسي فهؤلاء الفاعلون يسعون للتعبير عن مصالحهم وتوقعاتهم ومطالبهم تجاه النظام السياسي الذي يسعى بدور للتفاعل والتكيف مع بيئته التي تحدد له وظائفه وأهدافه من خلال آليات التعبير عن المصالح وتجميعها وتقوم جماعات المصالح بهذه الوظيفة فالعلاقة بين جماعات المصالح والنظام السياسي علاقة تفاعل متبادل فجماعات المصالح تصعد للنظام مطالبها وتوقعاتها وتمارس ضغوطها عليه وتمنحه تأييدها او تحرمه منه والنظام السياسي هو الإطار الأوسع الذي تتحرك داخله جماعات المصالح والذي يحدد فاعليتها ودورها.[2]
ويعد ظهور جماعات المصالح نتيجة لسيادة مبدأ التخصص وتقسيم العمل في المجتمع وثمة علاقة بين درجة التحديث والتنمية التي يصل إليها المجتمع وطبيعة جماعات المصالح القائمة فيه.
ففي المراحل الأولى من التحديث تتسم جماعات المصالح بكثرة العدد وضعف التنظيم والبنية مما يؤدي إلى مستويات عالية من صراع المصالح أما في المراحل الوسطى من التحديث فإنها تصبح أكثر تنظيماً وقدرة على توفير قنوات متخصصة لإدارة صراع المصالح وتوسيع المشاركة السياسية وتوفيرها بشكل تدريجي وفي المراحل المتقدمة من عملية التحديث يقل عددها بدرجة كبيرة وتزداد درجة تنظيمها مما يكسبها درجة عالية من تقييد المصالح المتصارعة وتوجيهها.[3]
ويصف د. فتح الله الخطيب جماعات المصالح بانها تجمع أفراد ذوي مصلحة خاصة اقتصادية أو غير اقتصادية نابعة من اتفاق بسبب الدين أو الجنس أو غير ذلك من العوامل تهدف للتاثير على اتجاهات السلطة الحاكمة.[4]
ويقدم د. مصطفى كامل السيد تعريفاً أكثر اتساعاً لجماعات المصالح بأنها جماعات المواطنين الذين يعيشون في حدود دولة واحدة تربطهم اهتمامت مشتركة قد تكون لها صفة الدوام وقد تكون مؤقتة وقد يتوافر لها تنظيم رسمي لا يتوافر للبعض الآخر وتستند الاهتمامات المشتركة التي تربط أفراد هذه الجماعات إما إلى أدائهم لمهنة واحدة (مثل المحامين والطباء والصحفيين) أو توليهم نفس الوظيفة في العملية الإنتاجية (مثل رجال الأعمال والعمال) أو اعتبارهم ممثلين لعقيدة معينة (علماء الدين) أو قد يجمع بينهم موقف مؤقت مثل الحشد التقائي والمظاهرات وتعود هذه الاهتمامات المشتركة أعضاء تلك المجموعات إلى السعي أو تأييد السعي للتاثير على النظام السياسي بحيث يتبنى السياسات التي تحقق مصالحها أو تتفق لتصوراتها لما ينبغي أن يكون عليه النظام السياسي وأن يعدل عن تلك السياسات التي تكون على غير ذلك وعلى عكس الأحزاب السياسية التي تستهدف الوصول إلى السلطة ومباشرتها فإن جماعات المصالح تستهدف التأثير على السلطة أيا كان الحزب أو الجماعة الحاكمة.[5]
وقد يطلق على جماعات المصالح لفظ جماعات الضغط التي تعرف على أنها تجمع منظم يسعى للتأثير على محتوى القرارات السلطوية للنظام دون محاولة وضع أعضائه في مناصب حكومية رسمية أي لا يهدف للوصول للسلطة وحسب هذا المفهوم تنقسم جماعات الضغط إلى نوعين جماعات المصالح وهدفها تحقيق مصالح أعضائها مثل النقابات والآخر جماعات الموقف التي تهدف لتحقيق أغراض معينة مثل الحفاظ على البيئة.[6]
يعرف "آلان بول" جماعة الضغط بأنها "تجمع منظم يسعى إلى التأثير في محتوى القرارات السلطوية دون محاولة وضع أعضائه في مناصب حكومية رسمية " وهو يستخدم هذا المفهوم برغم أنه ينتقده على أساس أن العديد من جماعات المصالح لا تلجا للضغط وإذا لجأت إليه فليس بصورة دائمة بل بشكل متقطع.[7]
فيشير مفهوم جماعات المصالح إلى تجمعات الأفراد التي تنشأ على أساس إرادي وطوعي وتستهدف التأثير إلى العملية السياسية وعلى النظام السياسي وتعتبر جماعات المصالح أجهزة وسيطة بين النظام السياسي والجماهير وتنقل مطالب وضغوط كلا الطرفين للآخر بأسلوب سلمي كما أن جماعات المصالح لا تقوم فقط بالتعبير عن مصالح أعضائها الحقيقية والمتوقعة بل وتقدم لهم منفذاً للتعبير عن طاقاتهم الاجتماعية.[8]
أنماط جماعات المصالح
ويصنف "ألموند" و"باول" جماعات المصالح إلى أربع فئات:[9]
- جماعات مصالح تلقائية أو عفوية مثل التجمهرات والحشود واعمال الشغب والمظاهرات
- جماعات مصالح غير ذات هيكل تنظيمي وغير إرادية وهي الجماعات التي تقوم على أساس الجنس أو اللغة أو المنطقة الجغرافية دون أن يكون لها تنظيم رسمي واتفاق إرادي بين الأعضاء.
- جماعات المصالح المؤسسية وهي مؤسسات النظام السياسي مثل الجهاز البيروقراطي والمؤسسة العسكرية وهي لا تتكون بهدف العبير عن المصالح بل لتحقيق أغراض أخرى فهي اداة لوضع وإدارة السياسة العامة لكن البعض يرى انه بغض النظر عن هذه المقولة النظرية فإن الواقع يشير لاتجاه تلك الجماعات إلى خدمة مصالحها الذاتية من خلال التأثير على السياسة العامة.
- جماعات المصالح الإرادية ذات الهيكل التنظيمي وهي المنظمات التي تقوم بعملية التعبير عن المصالح وتجميعها مثل النقابات المهنية والعمالية
- لكن هذا التصنيف ينتقد لعدم وضوح المعيار الذي يستند عليه[10]
ويحاول البعض أن يعرف جماعات الضغط من خلال تعريف مفردات المفهوم فالجماعة تعني ائتلاف بين مجموعة أفراد يشتركون في خصائص عامة مثل سن معين أو مهنة أ[11]و دين معين أما مفهوم الضغط فيعني أن الجماعة بالمعنى السابق قد اتخذت اتجاهاً أو رأياً موحداً تجاه قضية ما وتحاول التأثير على صانعي القرار في
النظام السياسي من أجل تحقيق أهدافها وبهذا المعنى تكون جماعات المصلحة أحد أنواع جماعات الضغط التي لا تتمتع بصفة الدوام أي تظهر لموقف معين وتختفي بمجرد تحقيقه.[12]
أما "ديفرجيه" فإنه يستخدم مفهوم جماعات الضغط التي يقسمها على أساس عدة معايير حسب زاوية اهتمامها بالمجال السياسي يصنفها إلى جماعات ضغط حصرية إذا كانت مختصة فقط بالتحرك في المجال السياسي وممارسة الضغط على السلطة وجماعات ضغط جزئية إذا كان الضغط السياسي فقط أحد أنشطتها أو إذا كان لها أسباب أخرى تبرر وجودها أو وسائل أخرى للعمل مثل النقابات وهناك جماعات ضغط خاصة مثل القابات وجماعات ضغط عامة مثل بعض أجهزة الحكومة خاصة عندما تختفي المنافسة الحزبية، كما أشار دوفرجيه لنوع من المنظمات التي تمارس ضغطاً سياسيا ليس لصالحها وإنما لصالح قوى أخرة وتنقسم إلى نوعين جماعات الضغط الفنية مثل الوكالات المتخصصة في تقديم خدماتها لأي جماعة ضغط تطلب مساعدتها أما النوع الآخر فهو وسائل الإعلام في الدول الليبرالية.[13]
ويحبذ "شاران" استخدام مفهوم جماعات المصلحة التي يعرفها بأنها "تنظيم رسمي للناس الذين يتجمعون حول هدف أو أهداف مشتركة ويحاولون التأثير في مجرى الأحداث خاصة في صنع السياسة العامة للحكومة لحماية أو تدعيم مصالحهم " ويضيف شاران أنه حينما تحاول هذه التنظيمات التاثير في السلطة السياسية فإنها تعرف باسم جماعات الضغط.[14]
إن تعبير جماعات المصالح أكثر دقة من جماعات الضغط لأنه أكثر تجريداً وعمومية فهو بشير إلى السبب أو العنصر الدائم في تكوين الجماعة ألا وهو المصلحة بكافة أنواعها الاقتصادية والمهنية والسياسية وهو مفهوم أكثر عمومية لأنه ليست كل جماعات المصالح تستطيع ممارسة الضغط على السلطة السياسية وحتى تلك التي تستطيع أن تمارسه فإنها لا تفعل ذلك بصورة مستمرة وغنما في وقت الضرورة كمت تجدر التفرقة بين جماعات المصالح في حد ذاتها وبين الوسائل التي تلجأ إليها في ممارسة الضغط على السلطة السياسية ومن بينها تعبئة الرأي العام عن طريق وسائل الإعلام
كما أن عنصر التنظيم شرط لاعتبار جماعة ما جماعة مصلحة فيصعب قبول وجود جماعات مصالح غير منظمة أو ما يطلق عليها الجماعات العرفية أو جماعات المصالح غير الإرادية فهي تفتقد عنصر التنظيم الهادف إلى تحقيق المصالح
ومن المفترض أن جماعات المصالح هي تنظيمات وسيطة بين الفئات التي تعبر عنها وبين السلطة ومن ثم يفترض من حيث المبدأ أنها تنظيمات مستقة نسبياً عن أجهزة السلطة وليست جزءاً منها فلا يمكن إطلاق مفهوم جماعة المصلحة على ما يسميه "دوفرجيه" الجماعات العامة أو ما يسميه "ألموند" و"باول" بجماعات المصلحة المؤسسية.
وبهذا الفهم يمكن تعريف جماعات المصالح بانها تلك التنظيمات الوسيطة ذات العضوية الاختيارية أو الإجبارية التي تنشأ لتحقيق مصالح أعضائها وقد تلجأ في سبيل هذا إلى الضغط على السلطة السياسية كما قد تستخدمها الأخيرة كوسيلة للسيطرة على الأعضاء المنضمين إليها وتتحدد عناصر المفهوم كما يلي:[15]
- أن جماعات المصلحة هي تنظيمات وسيطة وهذا يستبعد منها كلاص من الجماعات غير المنظمة وأجهزة السلطة
- أنها تنظيمات ذات عضوية إجبارية او اختيارية وهذا هو الفرق بين نقبات العمال والنقابات المهنية وقد يكون أساس العضوية إقليمياً او دينياً او غير هذا من الأسس.
- أنها تنظيمات تسعى لتحقيق مصالح أعضائها هذه المصالح قد تكون مهنية في الأساس كما هو الحال بالنسبة للنقابات المهنية، أواقتصادية كما هو الحال بالنسبة لنقابات العمال، أو اجتماعية كما في حالة النوادي والجمعيات أو سياسية في الأصل كما هو الحال بالنسبة للمنظمات التي تنشأ دفاعاً عن مبادئ أو قضايا سياسية معينة.
- أن هذه التنظيمات في سعيها لتحقيق أهدافها قد تقوم بممارسة الضغط علىالسلطة السياسية وهذا هو ما يميزها عن الأحزاب التي لا تقتصر على الضغط لكن تسعى إلى الوصول إلى الحكم.
وتستخدم جماعات المصالح تكتيكات مختلفة لتحقيق مطالبها مثل المساومة المستترة والدعاية والمعلومات والمساندة الانتخابية لمرشح دون آخر وخلق علاقات خاصة مع الأحزاب السياسية والتمثيل المباشر في أجهزة صنع القرار داخل البرلمان أو المجالس الاستشارية وأخيراً العنف إذا لم تستطع تحقيق أهدافها من خلال القنوات الشرعية.[16]
وتتوقف فاعلية جماعات المصالح داخل النظام السياسي على عدة عناصر:
- الخصائص الذاتية للجماعة من حيث حجم العضوية ومدى تماسك الجماعة ودرجة اهتمام أعضائها بقضاياهم وحجم مواردها المالية.
- الثقافة السياسية السائدة في المجتمع فإذا كانت متجتنسة يغلب أن تتكون جماعات المصالح على مستوى الدولة ككل وأن تفكر وتعمل على من منظور قومي واسع أما إذا كانت مجزاة فيغلب أن تعكس جماعات المصالح الثقافات الفرعية السائدة.
- - طبيعة القضايا والسياسات المطروحة في وقت معين.
- درجة استقلال الجماعة عن الحكومة والقوى السياسية الأخرى فحيث تكون أسيرة للدولة تصبح مجرد أداة للمساندة السياسية للنظام وهذا الوضع هو ما يسود في معظم بلدان العالم الثالث.
- الإطار السياسي الذي يحدد نقاط الوصول لعملية صنع السياسة العامة.[17]
لكن ليس كل قطاعات المجتمع لديها قدرة تشكيل جماعات مصالح حيث إن جماعات المصالح القائمة تمثل القطاعات القادرة على تنظيم مصالحها والتعبير عنها ولديها من مصادر القوة ما يمكنها من ذلك سواء ثروة أو تعليم أو خبرة سياسية وعليه تنتفي فكرة أن جماعات المصالح تضمن مشاركة الأغلبية وتمثيل مصالحها فالقطاعات التي لاتملك مصادر قوة ونفوذ تعجز عن تشكيل جماعات ممثلة لها وقد يتم استبعاد تمثيلها من صنع القرار السياسي.[18]

















2-التوحدية
التوحدية مفهوم مركب متعدد الأبعاد عاود الظهور في العقود التالية للحرب العالمية الثانية ثم طرأت عليه تطورات جديدة في السبعينات وظهرت مدارس قدمت رؤى جديدة له، حيث تعرف التوحدية بطرق مختلفة كنمط شكل معين من تمثيل المصالح والوساطة، وكنمط من الاقتصاد السياسي متميز عن الرأسمالية والاشتراكية والنقابية تمتزج فيه الملكية الخاصة بالضبط والرقابة العامة وتوجيه الدولة لقطاع الأعمال نحو أهداف معينة، وبهذا المعنى عرف هاريس التوحدية الجديدة بأنها تشير للنظام للاقتصادي المؤمن بتدخل الدولة والتخطيط الاقتصادي والذي يعارض ليبرالية السوق وتتميز هذه النظم بمحورية دور البيروقراطية ووجود اتحادات قوية[19].
ويعد مفهوم "الرأسمالية المنظمة" الذي يمكن تتبعه إلى "هلفر" في سياق الجدال الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا والنمسا هو المناظر الوظيفي والعملي للمفهوم التوحدية وهكذا تطور المفهوم في أقطار كان لها تراث في رعاية الدولة للنقبات المهنية لكن النقابات أيضاً كانت قد حققت مراكز هامة وذات قوة معقولة.[20]
كما تعرف التوحدية كنظام نشأ عن المشكلة التي يفرضها الاتجاه البرلماني على التراكم الرأسمالي فهو يدمج التمثيل والتدخل في نفس الأجهزة في مقابل الفصل المؤسسي السابق بين برلمان وبيروقراطية متدخلة ويتم التمثيل عبر خطوط وظيفية فتصبح الأهداف المقصودة بالتدخل (العمل أو رأس المال) ممثلة بشكل مباشر ودائم.
والتوحدية والتي يطلق عليها ايضاً corporativism يمكن النظر إليها بشكل عام على أنها النظرية والممارسة التي يتم فيها تنظيم كامل المجتمع إلى كيانات توحدية خاضعة للدولة ووفقاً لهذه النظرية يتم تنظيم العمال وأصحاب الأعمال في كيانات مهنية وصناعية تعمل كأجهزة للتمثيل السياسي والتحكم إلى حد كبير في الأشخاص والأنشطة داخل نطاق اختصاصها.[21]
ويمكن تتبع أصول التوحدية في تراث ممتد منذ القرون الوسطى[22] وفي العصور الحديثة ظهرت فكرة التوحدية في نيوانجلند وأيام النزعة التجارية الماركنتيلية فإن تعبيرها النظري المتكامل جاء بعد الثورة الفرنسية وكانت أقوى ما تكون في ألمانيا الشرقة والنمسا وكان المتحدث الأساسي باسم التوحدية أو التوزيعية كما كانت تسمى في ألمانيا "آدم مولر" فيلسوف البلاط في عهد الأمير "مترنخ" فهاجم مذهب المساواة الفرنسي والأفكار الاقتصادية ل"آدم سميث" في محاولة لإيجاد تبرير عصري للتوزيعات التقليدية بما أدى به لفهم طبقة الدولة التي تم تحديثها وأن لها سمواً وحقاً مقدساً بسبب أنها تنظم الإنتاج وتنسق مصالح الطبقات وبرغم ان هذه الطبقات مرادف للطبقات الإقطاعية فإنها تعمل كطوائف مهنية كل منها يضبط وظيفة معينة في الحياة الاجتماعية وقد دفنت نظريات "موللر" مع "ميترنخ" لكنها في نهاية القرن التاسع عشر دبت فيها الروح من جديد فكانت في القارة الأوربية مناظرة للنقابية الاشتراكية التي ازدهرت في انجلترا وكان لها العديد من السمات المشتركة مع التوحدية على الرغم من أن مصادرها وأهدافها كانت علمانية.[23]
أحيا النقابيون المسيحيون في فرنسا والنمسا وإيطاليا نظرية التوحدية لمكافحة النقابية الثورية من ناحية والأحزاب السياسية الاشتراكية من ناحية أخرى وكان أفضل من صاغها بشكل نظامي الاقتصادي النمساوي Othmar span وقائد الديمقراطية المسيحية جوسبي تونيولو.
ومع ذلك فإنه في الممارسة الواقعية عكست الدولة التوحدية التسلطية التي أصبحت واقعاً في إيطاليا الفاشية بين الحربين العالميتين إرادة الدكتاتور المستبد وليس مصالح الجماعات الاقتصادية التي تم ضبطها.
فقد أعطى مجئ الفاشية الإيطالية فرصة لوضع نظرية التوحدية موضع التطبيق حيث كان "موسوليني" ورفاقه في حاجة لتأييد الجناح النقابي في الحزب القومي ورأى الفاشيون التوحدية كشكل مفيد من أشكال التنظيمات الاجتماعية يمكن أن يشكل قاطرة للمشاركة الطبقية واسعة الأساس والمنسجمة اجتماعياً وكان هدف موسوليني من تبني التوحدية تقوية دعواه بالوطنية على حساب الجناح اليساري لأحزاب الوسط والجناح اليميني للنقابيين.
وبدأ العمل في إنشاء نقابات إيطالية فاشية وحدات توحدية بعد مسيرة موسوليني لروما سنة 1922 لكن في البداية رفض أصحاب الأعمال الصناعيون التعاون مع نقابات مختلطة أو في اتحاد لكيانات توحدية وتم التوصل لحل وسط يقضي بازدواج الاتحادات النقابية في كل قطاع انتاجي واحد لأصحاب الأعمال وآخر للمستخدمين وكلاهما يقوم بعمل عقود العمل الجماعية في قطاعه هذه العقود الملزمة لأصحاب الأعمال والمستخدمين في هذا القطاع وتوحدت هذه الكيانات التوحدية تحت إشراف وزارة التوحدية في الحكومة وكان لها السلطة النهائية عليها وقنن هذا التنظيم في 3/4/1926 وبعدها أصبح الأربع وعشرون كياناً توحدياً مسئولة عن "تعزيز " المصالح وليس العقود فقط وانشئت لجنة لتنسيق عمل هذه الوحدات التوحدية ولم تعد هذه اللجنة في الممارسة متميزة عن وزارة الوحدات التوحدية، ومع قيام الحرب العالمية الثانية انهار هذا النظام[24].
لكن بغض النظر عن كون أصلها دينياً أو طائفياً أو فاشياً فإنه أحياناً ما ينظر للتوحدية على أنها أنها عقيدة أو أيديولوجيا تنظيمية تفترض أن مجموعة متنوعة من الأطراف أو الأحزاب ستتعاون على أساس القيم المشتركة.
وقد تم مد مفهوم التوحدية بشكل كبير فمنظروا الجناح اليساري استخدموه لشرح عدم تحقق التوقعات بتفاقم الأزمة لذروتها وعدم وصول الصراع الطبقي لمنتهاه من خلال التلاعب.[25]
أما في الأقطار التي لم تتطور فيها أفكار العقد الاجتماعي مثل إيطاليا أو حيث بدأ تبلور نوع من التوحدية التساومية مثل بريطانيا ترفض الاتحادات المهنية مفهوم التوحدية.
الاتجاهات الجديدة في دراسة التوحدية
وقد ظهر المفهوم بعد الحرب العالمية الثانية سواء في الكتابات الإسكندنافية التي اتخذت منحى آخر في تعريف التوحدية الجديدة فعرفها "هكشر" بأنها مجرد تعاون وثيق بين الدولة وجماعات المصالح تطور أثناء الحرب العالمية الثانية وذهب "روين" إلى أن التوحدية تشير إلى اندماج جماعات المصالح في عملية صنع القرار الحكومي في المجتمع وتتخذ هذه المشاركة العديد من الأشكال مثل عضوية جماعات المصالح في لجان الاستشارات في الأجهزة التشريعية[26].
ومن ناحية أخرى ظهرت الدراسات حول مفهوم التوحدية في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين لوصف نظام جماعات المصالح القائم آنذاك في أسبانيا والبرتغال وجاء عقد السبعينات ليشهد إحياء هذا المفهوم في دراسة جماعات المصالح في دول أمريكا اللاتينية في حين استخدم مفهوم التوحدية الجديدة للتمييز بينها وبين توحدية الدولة التي ظهرت في الثلاثينات وتوحدية القرون الوسطى[27].
لكن الباحثين الأكثر محافظة تبنوا التوحدية الجديدة كحل لمشكلة ضعف الشرعية من وجهة نظر المواطنين كما أن التوحدية في الديمقراطيات الحديثة هي تداع لزيادة العبء على النظام الاتصالي فالتوحدية الجديدة أو التوحدية الليبرالية تفترض وجود صراعات أساسية لكنها لا تحتاج لتفكك تنظيمي بل يمكن التوسط فيما بينها بمساعدة الدولة.[28]
وقد أصبح المفهوم معروفاً على مستوى عام على يد "شميتر " الذي أشار للتنسيق غير الملائم بين المصالح والمطالب من خلال الهيئات الحكومية تقدم التوحدية الجديدة نفسها كبديل للنقابية حيث يتسع نطاق الجماعات التي يغيب التنسيق فيما بينها تواجه بعضها بعضاً في عداء.
فيقصد "شميتر" بالتوحدية نظام لتمثيل المصالح في شكل نموذج معين أو نمط مثالي يضع بعض الترتيبات المؤسسية أو التنظيمية لربط جماعات المصالح المنظمة في المجتمع المدني بهياكل صنع القرار فالتوحدية كما يعرفها هي نظام للتمثيل المصلحي تنتظم فيإطاره الوحدات الأساسية في عدد محدود من الجماعات الأحادية والإكراهية وغير التنافسية والتي يسودها الطابع الهيراركي والمتمايزة وظيفياً والتي يتعرف بها ويصرح بقيامها من جانب الدولة وتمنح هذه الجماعات احتكار تمثيل القطاع الذي تسيطر عليه مقابل وضع ضوابط وتنظيمات معينة على عملية اختيار قيادات هذه الجماعة وعلى عملية التعبير عن المصالح والتأييد.
ويؤكد "شميتر" أن هذا التعريف متحرر من أي توظيف أيديولوجي فهو ليس مرتبطاً بأيديولوجيا معينة ولا ثقافة سياسية ما[29].
تعريف "شميتر" له ميزة تضييق نطاق العناصر المتضمنة في التعريف ومن ثم يزيد قدرة استخدام المفهوم للمقارنة فيمكن مد المفهوم لدرسة ظواهر مختلفة تاريخياً وبنيوياً لكنه في الوقت نفسه يستبعد بعض الروابط الهامة من أن هذا التعريف ونظائره التي ترى التوحدية كظاهرة عالمية تفترض وحدة المفهوم لا بافشارة إلى مجموعة ملموسة من السياسات والممارسات بل اعتماداً على ارتباطه بمجموعة من الأزمات والحركات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة حيث ينظر للتوحدية تاريخياً على أنها استجابة لخمسة ظروف:
المسألة الطبقية أو الحاجة لاستعادة الانسجام الاجتماعي بعد التشظي الاجتماعي والصراع الناجم عن الانقسام بين العمل ورأس المال فعلى الرغم التنويعات التي تعرفها التوحدية فإن الوحدة العضوية والاتساق بين الطبقات باعتبارهما أساسيان للحفاظ على المجتمع هي المقدمة الأساسية لأيديولوجيا التوحدية وأيضاً كانت التوحدية استجابة لمشكلة التعددية وأزمة الهيمنة والأزمة الاقتصادية.[30]
ويعرف "روي ماكريدس" التوحدية بانها اشتراك الهيئات والوكالات العامة وجماعات المصالح في عملية صنع وتنفيذ السياسات العامة ويرى أن المنطق من وراء تطبيق مفهوم التوحدية هو تخفيف حدة الصراع الطبقي من خلال دخل الدولة في تنظيم المصالح[31].
أما "كاوسون" فيرى التوحدية نمطاً للعلاقة بين المنصالح المهنية والدولة وتضمن هذه العلاقة التعبير عن المصالح ( وهذا هو الدور التقليدي للجماعات الضاغطة ) وتحمل المسئولية التي تفوضها الدولة إياها وهي تنفيذ سياسة الحكومة (وهذا هو الدور الجديد في ظل التوحدية).[32]
ويذهب "ليوبايتش" إلى أن النظام التوحدي ينطوي على تنظيمات مهنية أو صناعية أو طائفية بحيث يكون للوحدات الأساسية حق التمثيل في عملية صنع القرار ويكون لها درجة مرتفعة من الاستقلال الوظيفي ويكون عليها في نفس الوقت مسئولية حفظ الهيراركية الوظيفية والنظام الاجتماعي بطريقة تتسق مع احتياجات الدولة ككل.
على الرغم من تعددية التعريفات المطروحة للتوحدية واختلاف فالباحثين في الأبعاد التي يركزون عليها في تعريفاتهم فإنهم جميعاً متفقون على قاسم مشترك من خصائص وسمات التوحدية هي:
- وجود احتكارات للتمثيل المصلحي لها أهمية في فهم السلوك السياسي.
- ظهور علاقات هيراركية داخل التنظيمات المصلحية تهدف إلى تحقيق التجانس والاتساق.
- إن العضوية في التنظيمات المصلحية ليست اختيارية دائماً ففي بعض الأحيان تتخذ ترتيبات معينة تستهدف إرغام الأعضاء على الانضمام للتنظيم المصلحي أو منع تنظيمات أخرى منافسة داخل القطاع.
- إن التنظيمات المصلحية ليست مجرد مستقبل سلبي لمصالح العضاء التي تم تشكيلها مسبقاً ولكنها يمكن أن تقوم بدور هام في تحديد وتشكيل هذه المصالح.
- إن دور التنظيمات المصلحية لا يقتصر على نقل رغبات وتفضيلات الأفراد إلى السلطات المعنية ولكنها يمكن أن تتحكم بفعالية في أنشطة أعضائها وبصفة خاصة عندما تتحمل مسئولية تنفيذ السياسات العامة
- تقوم الدولة بدور جوهري يحدد ويشجع وينظم ويسمح او يمنع أنشطة التنظيمات وتستند الدولة في أداء ذلك إلى مقدرتها الإكراهية من ناحية بالإضافة إلى ما تتمتع به من مصادر الشرعية.
- إن التنظيمات المصلحية ليست دائماً كيانات مستقلة تمارس ضغطاً على الدولة من خارج الأبنية الرسمية كلما سنحت لها الفرصة بل يمكن أن تكون على الأقل جزئياً خاضعة للسلطات العامة أو تابعة لها كما يمكنها أن تسهم من خلال قنوات مؤسسة معينة في تشكيل السياسة العامة وفي تنفيذ هذه السياسة.[33]
أنماط التوحدية:
يمكن تصنيف أنماط التوحدية إلى ثلاثة أنماط رئيسية بين التوحدية الاجتماعية ( ويطلق عليها البعض التوحدية الليبرالية) هي ذلك النمط من التوحدية الذي يتوجد في الديمقراطيات الغربية وتوحدية الدولة أو التوحدية السلطوية فمن أمثلتها النظم الفاشية والشمولية وتتعلق التوحدية التقليدية بنظام الطوائف الذي عرفته مدن أوربا في العصور الوسطى.
وفي هذا الصدد يميز "شميتر" بين نوعين من التوحدية التوحدية الاجتماعية وتوحدية الدولة[34] النوع الأول يشير إلى نمط جماعات المصالح في النظم الليبرالية الرأسمالية المتقدمة التي تمت فيها بلورة علاقات جماعات المصالح بالسلطة في إطار أصبحت فيه شرعية واستمرار تشغيل الدولة يعتمد أساساص على على نشاط جماعات المصالح وبمقتضاه تتمتع جماعات المصالح باستقلال نسبي وتمارس عملية انتخابية تنافسية ومفتوحة وتتميز بالتنوع الأيديولوجي، وتعدد الثقافات السياسية الفرعية ويظهر هذا النوع بالتحديد في النظم التي تخطت مرحلة الرأسمالية المتأخرة ودخلت مرحلة دولة الرفاهية.
أما النمط الثاني فيشير إلى نظام جماعات المصالح في النظم السلطوية حيث تظل جماعات المصالح تابعة للسلطة ويتميز هذا النمط بارتباط جماعات المصالح ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي وخضوعها للبيروقراطية كما تتميز النظم التي تتبنى التوحدية السلطوية بطغيان السلطة التنفيذية وسيادة الثقافة السياسية القائمة على الولاءات التقليدية ويظهر هذا النوع في الدول ذات النمو الرأسمالي المتأخر
فنوع التوحدية السائد يرتبط بمرحلة التطور الرأسمالي التي يمر بها المجتمع ففي مرحلة معينة تظهر الحاجة الملحة لتحقيق تراكم رأسمالي مما يدفع النظام السياسي لتبني التوحدية السلطوية بهدف السيطرة على المجتمع وضمان عدم ظهور أي قوى مناوئة تعرقل نحقيق هذا الهدف أما في مرحلة التطور الرأسمالي المتقدم فإن الاهتمام بتحقيق مستوى أفضل من الرفاهية الاجتماعية يؤدي إلى تحول التعددية إلى توحدية اجتماعية فعلى حين تتميز الأوضاع الاقتصادية في حالة التوحدية السلطوية ببدائية التطور الرأسمالي والاعتماد على الخارج فإنها في حالة التوحدية الاجتماعية تتميز بتطور رأسمالي متقدم وعلاقات طبقية متعاونة[35].
وفي هذا السياق يميز "شميتر" بين التوحدية الاجتماعية والتوحدية السلطوية ويقول شميتر انه برغم توافر عناصر مفهوم التوحدية في كلا النمطين فإن هناك فارق أساسي هو أنه في حالة النمط الأول فإن العناصر نابعة ذاتياً من المجتمع أو من جماعات المصالح أو تم إقرارها بالطريق الديمقراطي ويتواجد هذا النوع في كثير من النظم السياسية المتقدمة أما في حالة النمط الثاني فإن هذه العناصر قد تم فرضها من جانب السلطة السياسية بغير الطريق الديمقراطي ومثال الحالة الأولى السويد وسويسرا وهولندا والنرويج والدانمارك ومثال الحالة الثانية أو التوحدية التسلطية البرتغال وأسبانيا في عهد سالازار وفرانكو والبرازيل وشيلي والمكسيك وبيرو.
ويتطلب نمط التوحدية الليبرالية إضافة للشروط المتطلبة في النمط التوحدي بشكل عام له ثلاث مجموعات من الشروط والعناصر:[36]
عناصر بيئية وعناصر تنظيمية واقتصادية وعناصر متعلقة بالنظر ة للدولة وتشمل العناصر البيئية الشكل الديمقراطي للنظام السياسي الذي يعد الأكثر تناسباً من التوحدية اليبرالية ضرورة أغماس الجماعات في علاقة مع الحكومة
أما العناصر التنظيمية فتشمل التعاون بين الجماعات بمعنى وجود علاقات تساومية فيما بين الجماعات المصلحية الرئيسة على جانب ووجود علاقات تساومية بين مجمل الجماعات والحكومة على جانب آخر كما تشمل التضافر والتعاون بين العمل ورأس المال نتيجة المساومات القائمة بين الاتحادات العمالية وتنظيمات أصحاب الأعمال كما أن التعاون بين الحكومة والتنظيمات المصلحية يستهدف ليس فقط تشكيل السياسة بل إدارتها بمعنى المشاركة في تطبيقها.
ومن ناحية أخرى يميز "باهل" و"وينكلي" بين توحدية المساواة وتوحدية عدم المساواة حسب تضمنها التوافق أم القمع وقدم "ويليامسون" أربع تعريفات منفصلة للتوحدية تشمل منظور الفكر الاقتصادي الاجتماعي في عدد من الدول الأوربية من 1860 – 1940 وقدم أربعة نماذج عامة للتوحدية ذات 4أربع خصائص تعريفية اقتصادية وسياسية
- مسئولية الدولة عن تأسيس والحفاظ علىالنظام الاقتصادي والاجتماعي
- قيام منظمات المنتجين بأدوار وساطة مرخص بها تتضمن التمثيل والتنظيم بين الدولة والفاعل الاجتماعي
- تطويق أو تقييد مؤسسات الديمقراطية الليبرالية وأحياناً الغياب الكامل لهذه المؤسسات ويتفرع عن هذه النماذج أنماط فرعية
- توحدية الدولة أو التوحدية السلطوية
أما Stepan فيميز بين نوعين من التوحدية التسلطية توحدية ذات توجه إدماجي أو شعبي وتوحدية ذات توجه إقصائي أو محافظ ويرى أن التوحدية جزء من العملية الأوسع لإعادة هيكلة العلاقات بين قطاعات المجتمع المختلفة مشيرا إلى ارتباط التوحدية ذات التوجه العبي بسياسة التصنيع بإحلال الواردات وتزامن التوحدية ذات التوده المحافظ مع سياسة التنمية القائمة على التصدير وما يصاحب هذا من خفض الإنفاق الحكومي واستبعاد الطبقات الشعبية خاصة الطبقة العاملة سياسياً واقتصادياً والاندماج في السوق الرأسمالي العالمي فرغم المقولة النظرية بأن النظام التوحدي لا ينحاز لجماعة دون أخرى في المجتمع وأنه يقوم بدور الوسيط بين المصالح المتعارضة فإن الواقع العملي أثبت انحيازه لرأس المال على حساب الطبقة العاملة حيث تتحمل الأخيرة عبء تحقيق التراكم الرأسمالي.[37]
وبصورة مشابهة يصف "أودونل" مفهوم التوحدية بأنه يشير إلى "تلك الأبنية التي من خلالها تقوم منظمات على أساس وظيفي وليس إقليميا بالتمثيل الرسمي للمصالح الخاصة أمام السلطة وتخضع رسمياً في وجودها وحقها في التمثيل لإقرار أو قبول السلطة وقصر هذا الحق على القادة الرسميين لتلك المنظمات مع منع أو استبعاد القنوات الأخرى الشرعية للوصول إلى السلطة عن بقية أعضائها وهو يرى أن هذا المفهوم ذو جانبين الأول يتضمن دولنة جماعات المصالح اي قيام السلطة السياسية بإخضاع جماعات المصالح لها أما الجانب الثاني فيتضمن فتح أبواب مؤسسات الدولة أمام تمثيل جماعات المصالح ويقول أن التوحدية بجانبيها توجد في النظم السلطوية بينما يوجد الشق الثاني أساساً في الدول الرأسمالية الغربية. ويركز "ستبان" على مفهوم توحدية الدولة ويصنفه إلى نمطين فرعيين حسب نوع السياسات التي تنتهجها السلطة في كل نمط فالنوع الأول حصري تغلب فيه سياسات المنح الترغيب والانفراج أما الثاني فتغلب فيه سياسات المنع والقمع والتضييق وقد أعد سيبان جدولاً تفصيلياً بالإجراءت التي تدجخل ضمن كل من هذين النمطين.[38]
وتقترب رؤية "ستبان" من رؤية "روث" و"ديفيد كوليير" اللذين يعتبران أن نمط العلاقة بين السلطة وجماعات المصالح يوصف بأنه توحدي بالدرجة التي تتوافرفيها 3 عناصر
- قيام الدولة ببناء جماعات مصالح غير تنافسة إلزامية تنشأ بطريقة رسمية.
- قيام الدولة يتقديم إعانات لهذه الجماعات
- قيام الدولة بفرض قيود على قيادة ومطالب والنظام الداخلي لتلك الجماعات فتهدف إجراءات السلطة السياسية ذات الطبيعة التوحدية لاستخدام جماعات المصالح كقنوات لتغلغل في المجتمع والسيطرة على القوى الممثلة لها اما مفهوم توحدية الدولة فيمكن تعريفه بأنه يشير إلى ذلك النظام الذي يتواجد فيه عدد معقول من جماعات المصالح الوظيفية (النقابات أساسًا) المنشأة من قبل السلطة ذات التنظيم الواحد الهرمي والعضوية الإجبارية والتي تستخدمها السلطة كأداة لفرض سيطرتها على المجتمع عن طريق أسايب المنح والمنع.
وعليه تتحدد عناصر مفهوم توحدية الدولة في وجود عدد معقول من النقابات ذات التظيم الهرمي الواحد و هذه النقابات منشأة من قبل السلطة و العضوية في هذه النقبات إجبارية وتستخدم السلطة هذه النقابات كأداة لنشر نفوذها في المجتمع عن طريق أساليب المنح والمنع.
وإلى جانب هذه التصنيفات يمكن التمييز من حيث اسلوب العمل بين التوحدية التساومية والتوحدية النضالية أو الكفاحية والتي تكافح من تحقيق مطالب الأعضاء المنتمين لها ولاتقبل الحلول التوفيقية على الإطلاق أما بالنسبة لدور الدولة في رؤية التوحدية فيغلب النظر إليه على أنه دور تساومي
أما من الناحية الإجرائية فيمكن صياغة مقياس يتكون من ثلاثة أبعاد رئيسية للسياسات التي تتبعها الدولة في التعامل مع الجماعات المصلحية ويستخدم هذا المقياس في التمييز بين درجات متفاوتة للتوحدية ويفيد بذلك في المقارنة ببين النظم السياسية من خلال هذه الأنماط الثلاثة:[39]
1- الإجراءات التي تبذلها الدولة لدمج الجماعات في عملية صنع القرار وفي العملية الإدارية
2- تدخل الدولة في المساومة بين العمل ورأس المال ويتضمن هذا النمط ست مؤشرات فرعية هي:
- درجة كفالة حق التنظيم والأعمال والمفاوضات الجماعية
- درجة الاحتكار التنظيمي للجماعات المعترف بها
- الاستمالة الإجبارية وإجراءات التوفيق وحل الخلافات
- القيود على حق الإضراب
- وجود جزاءات في حالة المخالفة
3- تدخل الدولة في الشئون الداخلية للجماعات ويمكن التمييز وفقا لهذا النمط بين أربعة مؤشرات فرعية وهي:
- القيود على أصحاب المناصب العليا داخل الجماعة المصلحية
- القيود على النشاط السياسي للتنظيم أو الجماعة
- درجة التنظيم والإشراف على الانتخابات الخاصة بالجماعة المصلحية من جانب الدولة
- تسجيل الجماعة والمعرفة التفصيلية بأنشطتها.
التوحدية والأنماط الأخرى لعلاقات جماعات المصالح:
التوحدية والتعددية
تفهم التعددية بدلالة نقيضها الواحدية فتشير التعددية إلى الاختلاف والتنوع والتعدد القائم على التمييز والخصوصية بعكس الواحدية التي لا أجزاء لها في اللغة يعود مفهوم التعددية (pluralism) أصلاً الى كلمة "تعدد"،ولغوياً يقال (تعدد الشيء) أي صار ذا عدد. فنقول تعدد الأصول، تعدد النفوس، تعدد الحقائق، تعدد الآلهة، تعدد الغايات، تعدد معاني الالفاظ، تعدد القيم، ...الخ[40].
وتشير المعاجم الفلسفية الى ان التعددية تعني (المتعدد او المتكثر)، ففي الفلسفة المثالية فان التعددية تعني عند انصار هذه الفلسفة الاشارة الى ان الواقع يتكون من جواهر روحية مستقلة احدها عن الآخر. بمعنى ان العالم كما يقول الفيلسوف الالماني المثالي (ليبنتز) هو (عبارة عن جملة من الوحدات الروحية المنغلقة على نفسها)، غير ان انصار التعددية في هذه الفلسفة ينتهون الى التأكيد على ان ارادة الاله هي التي تنسق العلاقة بين هذه الجواهر الروحية المنغلقة على نفسها[41].
وتعرف التعددية على أساس أنها فكرة تعكس الاختلافات في حاجات وطموحات ومصالح الأفراد في المجتمع[42] ويمكن النظر إليها كنظرية ترفض حالة القوة المنفردة أو الموحدة أو الكلية وتؤيد بدلاً من ذلك فكرة انتقال السلطة واستقلال المؤسسات التي تمثل أو تعكس انخراط الأفراد في المجتمع كما تشير التعددية إلى أهمية الديمقراطية والحرية في استمرار تعدد واستقلالية المؤسسات السياسية والاقتصادية .
تؤكد الموسوعة السياسية ان التعددية هي مفهوم ليبرالي ينظر الى المجتمع على انه متكون من روابط سياسية وغير سياسية متعددة، ذات مصالح مشروعة متفرقة. ويذهب اصحاب هذا المفهوم الى ان التعدد والاختلاف يحول دون تمركز الحكم ويساعد على تحقيق المشاركة وتوزع المنافع، ويعد ليبرالي الولايات المتحدة الامريكية كمثال للتعددية غير ان كلا من اليسار الجديد واليمين الجديد يرفض هذا المفهوم ويعارضه[43].
وهناك من ينظر إلى التعددية من خلال نقيضها على أساس أن الأنظمة والعقائد الشمولية هي نقيض التعددية وينظر البعض الآخر إليها على أساس أنها ترتيبات أو إجراءات لمؤسسات معينة في المشاركة وتوزيع السلطة[44] وتعرف أيضاً بأنها المقوم السياسي لوجود الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمع الذي يتميز بوجود جماعات عرقية أو دينية أو ثقافية مختلفة تعيش مع بعضها البعض في إطار دولة واحدة.
وهنا جاءت التعددية لإقرار:
اولاً:- حق الوجود: اي حق التمايزات الاجتماعية والسياسية في الوجود.
ثانياً:- حق التعبير: اي حق التمايزات الاجتماعية والسياسية في التعبير عن مصالحها والدفاع عن نفسها.
ثالثاً:- حق المشاركة: اي حق التمايزات الاجتماعية والسياسية بالمشاركة في ادارة الشؤون العامة وفي
اتخاذ القرارات السياسية داخل المجتمع السياسي.
وعليه فان التراث الفكري السياسي الانساني ترك بصمات كثيرة تؤكد فكرة التعددية. وهذه البصمات تتلخص بما
يأتي:
1- مناهضة الاستبداد من اجل الحرية والعدل والاداء السياسي الرشيد.
2- ضرورة الاعتراف بالتعددية السياسية داخل المجتمع، بما فيها التعددية الحزبية وتعددية الرأي ومبدأ الفصل بين السلطات.
3- ضرورة وجود نظام قانوني يؤمن لكافة الفئات والقوى المجتمعية الحق في التنظيم المستقل والتعبير عن آرائها، اضافة الى ضرورة التسليم بالطموحات المشروعة لمختلف الفئات المجتمعية في سعيها السلمي للوصول الى السلطة السياسية تحت مظلة تشريعات قانونية دستورية تسمح بذلك.
مستويات التعددية وصيغ التعبير عنها:
من المتفق عليه عند المعنيين ان تمركز التعددية يقوم على مستويين هما[45]:-
المستوى الاول:- مستوى الفرد وبموجبه هناك فكرة تؤكد (ان لا أحد يملك الحقيقة كلها، وبالتالي ليس من حق أحد مصادرة أراء وأفكار الأخرين، وان بدت غير صحيحة من وجهة نظر ما).
المستوى الثاني: المستوى الاجتماعي ان التعددية تعني تعدد الجماعات الاجتماعية التي تتبنى مفاهيم متميزة للواقع وحقائقه وللمستقبل السياسي الخاص بهذا الواقع. وبهذا المعنى فان التعددية الاجتماعية هي ظاهرة ملازمة لكل مجتمع بشري، فقد عرف هذا المجتمع او ذاك ظواهر التبادل السلعي والملكية الخاصة والدولة، بل وقبل ذلك وبعده، فان التمايزات الثقافية والعرقية والدينية بما تفرضه من تمايزات في الرؤى والمواقف السياسية هي تمايزات ملازمة لطبيعة المجتمع البشري ذاته.
ان التعدد هو دافع فعلي حتى داخل المجتمع الواحد المنقسم عمودياً الى فئات وطبقات متمايزة في الملكية والنفوذ والايديولوجيات ومستويات المشاركة في انتاج رأس المال الرمزي، هذا بالاضافة الى ان المجتمع، كل مجتمع، منقسم افقياً الى انقسامات اثنية ودينية ولغوية ومذهبية. وهي ترتبط بالتقسيم الاجتماعي للعمل بين التجارة والصناعة والزراعة والحرف، وكذلك الانقسام بين العمل الذهني والعمل العضلي بين الرجل والمرأة.
اعتمد كرافورد يونج على ثلاثة مكونات أساسية في تعريف التعددية[46]
- التعددية يجب أن ينظر إليها في علاقتها بمجال سلطوي وهو الدولة ذات السيادة الإقليمية أو ما يتعلق بها من نظام سياسي والتي يتحدد بوضوح قاطع الحدود التي بناء عليها تعرف جماعة من الجماعات في المجتمع نفسها وقواعد التفاعل بين هذه الجماعات
- تكون هناك تعددية حينما تكون هناك على الأقل كتلتان سياسيتان واجتماعيتان لهما دلالة يمكن التعرف عليهما ويصبح النقاش والتفاعل السياسي بينهما يمثل ملمحاً هاماً من ملامح عمليات التبادل السياسي التي تجري في إطار النموذج الشامل للنظام السياسي.
- ويمكن أن توجد أسس هذه الكتل المختلفة أو النجمعات المتباينة في الأصول العرقية المشتركة أو في وحدة اللغة أو الطائفة أو تشابه العادات أو الإقامة في إقليم محدد
ويرى بعض المفكرين أن التعددية هي أحد الوظائف المحتملة للتحديث الذي يؤدي عندما لا يتم من خلال سلطة مركزية إلى تخصصص ووضوح نسبي في تقسيم العمل الأمر الذي ينجم عنه ظهور مصالح محددة داخل المجتمع مرتبطة ببعضها البعض لكنها في الوقت نفسه تتمتع بشئ من الاستقلالية وتعبر هذه المصالح بكافة أشكالها السياسية والاقفتصادية والاجتماعية عن نفسها في رؤية فكرية وسياسية تعيش في حالة توازن ومن هنا تنشأ التنظيمات والمؤسسات في المجتمع الواحد وعلى المدى البعيد تكون التعددية مدخلاً للديمقراطية إذا قامت مؤسسات المجتمع على تطوير وتعميق حقوق الأفراد فيه
فالتعددية ترتكز على أساس: الحق في تكوين الأحزاب السياسية الجمعيات والنقابات والاتحادات دون تدخل من الدولة [47]
ويعني الاعتراف بالتعددية السياسية داخل المجتمع ضرورة أن يؤمن التظام القانوني لكل الفئات الاجتماعية الحق في التنظيم المستقل والتعبير عن آرائها وضرورة التسليم بالتطلعات الشروعة لكل الفئات الاجتماعية في سعيها للوصول إلى السلطة السياسية تحت مظلة تنظيم تشريعي يسمح بهذا ويقننه[48] فالتعددية هي تعدد القوى والإرادات التي تصنع السيايسات والقرارات ضمن إطار الدولة والقانون بحيث يشارك جميع الفراد والجماعات والأحزاب في العملية السياسية بصورة متوازنة وتشمل التعددية كذلك الإقرار بالتنوع الاجتماعي وما يلازمه من اختلافات دينية وعرقية وثقافية تلبي الاجتياجات الأساسية للجماعات الموجودة في الدولة كما تضمن احترام الراي الاخر وتداول السلطة تحت مظلة تنظيم قانوني يضبط العملية السياسية ويستبعد إمكانية اللجوؤ للصراع أو العنف
ان التعددية تعبر عن نفسها في المجتمع من خلال مجموعة صيغ ابرزها:-
تيارات ثقافية و حركات اجتماعية (طلابية- نسائية- عمالية- شبابية).
- احزاب سياسية.
- تعاونيات نقابية وجمعيات واتحادات.
ان مبدأ التعددية ينتهي الى بناء التحالفات بعد المساومة والمفاوضة بين التمايزات الاجتماعية والسياسية لكسب الرأي العام على المستوى السياسي.
يتصل مبدأ التعددية بالتجربة الديمقراطية الليبرالية، لأنَّ التجربة الاخيرة تعتمد مبادئ
وحقوق تسمح بالاعتراف بالتعددية من حيث الوجود وحق التعبير وحق المشاركة للتمايزات في الحياة المجتمعية العامة. فالليبرالية اذا كانت تقوم على حق المعارضة في الوجود والعمل، وعلى دور كبير لوسائل الاتصال بوصفها وسائل تعبير عن المصالح لجميع التنوعات والتمايزات في المجتمع، وعلى حرية التعبير، وعلى مبدأ التداول السلمي للسلطة.. فان هذه المقومات كلها تخدم التعددية من حيث الاعتراف بالتعدد وبالتعبير عن التعدد وحق المشاركة للمتعددين في الشؤون العامة.
يتحدد مبدأ التعددية من مبادئ اخرى ويشكل معها منظومة متكاملة هي منظومة الديمقراطية التي تتشكل ماهيتها من التقرير بحق الاغلبية السياسية واحترام اراء الاقلية السياسية والتقرير بحق المساواة امام القانون.
ترتبط التعددية بمبدأ الفصل ما بين السلطات، حيث ان النظم الاستبدادية تجعل المجتمع بالكامل منصهراً داخل كيان الدولة. اما في النظم الديمقراطية فان المجتمع لا يذوب داخل كيان الدولة. فلا تكون جميع السلطات متمركزة في الدولة. بمعنى آخر لابد ان يتواجد الى جانب السلطة العامة (سلطة الدولة) دوائر في العمل مستقلة استقلالاً ذاتياً (الحياة الاسرية، المشاريع الاقتصادية، الاديان، المهن، النقابات، القضاء، العلم،...الخ)، ولا تخضع قواعد سلوك هذه الدوائر للسلطة السياسية.
على اساس ذلك، فان السلطة الديمقراطية الليبرالية تقبل بوجود التعددية وتوزع السلطة عبر مؤسسات تتمدد صلاحياتها ويراقب بعضها بعضاً بالتبادل. ولايتحقق ذلك الا بالبدء برأس الهرم السياسي عبر فصل السلطات الثلاث. اي منع السلطة التفيذية من التحكم والتدخل في شؤون المشرع والقاضي بهدف الوصول الى حالة من التوازن ما بين السلطات الثلاث.
في سياق هذا الوقع الاجتماعي والثقافي والديني المتمايز يتحدد مفهوم التعددية السياسية بوصفها حق الجماعات الاجتماعية والسياسية في الاعلان عن وجودها والتعبير عن نفسها، واكثر من ذلك حقها في المشاركة السياسية بان تكون لها منابرها وقنواتها وتنظيماتها المستقلة التي تمكنها من الاعلان عن رؤاها ومواقفها السياسية، بل تمكنها من تحقيق هذه الرؤى في مجال الفعل السياسي.[49]
إن كل نموذج ليبرالي هو نموذج تعددي، ويتضح ذلك على مستويين هما مستوى المجتمع ومستوى الدولة. فعلى مستوى المجتمع، فان كل مجتمع يتكون من جماعات متفاعلة مع بعضها البعض، اما شكل هذا التفاعل بين الجماعات داخل المجتمع فانه يختلف من نموذج الى آخر.
فوفق النموذج الليبرالي التعددي فان الشكلين الرئيسين للتفاعل بين الجماعات هما التفاوض والمساومة[50] اما على مستوى الدولة ودور الدولة فان المدرسة الليبرالية التعددية تؤكد بان دور الدولة في الحياة السياسية سيظل مقتصراً على تنظيم عملية التنافس بين جماعات المصالح المختلفة، وهذه المنافسة هي اساس العملية السياسية، وهي المحرك لعملية التغيير والتطور في كل مجتمع.
بينما يفترض النموذج الماركسي ان الصراع الطبقي هو السمة الاساسية لعملية التفاعل بين الجماعات والطبقات، اما بالنسبة للنموذج الكورباتوري فان التفاعل بين الجماعات يتم تنظيمه بعناية عن طريق اجهزة الدولة. وفعلى مستوى العلاقات بين الجماعات المتمايزة داخل المجتمع، فان الصراع هو نمط التفاعل وفق النموذج الماركسي، وان التخطيط البيروقراطي هو نمط التفاعل وفق النموذج الكورباتوري، وان المساومات هي نمط التفاعل وفق النموذج الليبرالي التعددي.[51]
العلاقة بين التعددية والتوحدية
إذا كان يمكن تعريف التوحدية نظرياً بأنها نظام لتمثيل المصالح وفقاً لنمط من الترتيبات المؤسسية الموحدة يحقق الارتباط بين المصالح المنظمة في المجتمع وبين أجهزة اتخاذ القرار في الدولة فإن التوحدية الليبرالية أو التوحدية الاجتماعية كنمط للعلاقة بين الحكومة والجماعات تتميز عن التعددية بل و تعتبر - على اساس اختلافها في كيفية فهم دور الدولة وأهميتها - بديلاً للتعددية.
وعليه يضع شميتر النمط التوحدي على نقيض النمط التعددي فهو يرى أن التوحدية بديل للتعددية التي عجزت عن وصف هيكل وسلوك جماعات المصالح في النظم السياسيةالمعاصرة فإن التعددية تفترض أن التوازن داخل النظام السياسي يحدث تلقائياً نتيجة للتفاعل بين المصالح المتعارضة فإن الإدماجية تفترض أن التوازن بين المصالح المتعارضة لا يتحقق إلا من خلال تدخل النظام السياسي.[52]
فالتوحدية يمكن النظر إليها باعتبارها أحد أنماط التمثيل المصلحي والذي تكون فيه المصالح مندمجة وموحدة ويقابلها في ذلك نمط التعددية الذي تكون فيه المصالح متعددة ويعبر عنها بطرق مختلفة فالفارق بين النمطين شكل التعبير عن المصالح والكيفية التي يتم بها فإذا كان التعبير يتمثل في دمج المصالح وتوحدها والتعبير عنه ككتلة واحدة نكون إزاء حالة من التوحدية أما إذا كان التعبير يتمثل في الفصل بين المصالح وتباينها والتعبير عن كل مصلحة على حدة وفي إطار نوع من الخصوصية والتمايز فإننا نكون في هذه الحالة إزاء تعددية.
يمكن التمييز بينهما من خلال التركيز على بعدين 1- نمط وطبيعة التفاعل بين الدولة والجماعة المصلحية
2- مدى اعتراف الدولة وضبطها للجماعات المشاركة في هذا التفاعل.[53]
واعتماداً على هذين المعيارين يمكن التفرقة بين الجماعات المصلحية التي تنشأ في إطار نظام تعددي وتلك التي تنشأ في ظل نظام توحدي ففي ظل التوحدية يعترف للجماعات ويصرح لها بقرار من الدولة تعتمد عليه في نشأتها وتحتكر تمثيل المصالح التي تعبر عنها داخل قطاعها المتميز مقابل وضع بعض القيود والضوابط على عملية انتخاب قادتها وعلى عملية التعبير عن المطالب والتأييد الموجه للنظام السياسي.
أما الجماعات التي تنشا في ظل التعددية فلا تعتمد كثيراً على تصريح الدولة ولا تنشأ بقرار سلطوى ولا تتدخل الدولة في اختيار قيادتها ولا في عملية التعبير عن المصالح.
ومع هذا فإنه يمكن النظر إلى التوحدية والتعددية كنمطين مثاليين فالمقارنة بين النظم السياسية ليست من ناحية وجود التوحدية من عدمه بل درجة التقارب أو التباعد عن النموذج التوحدي أو التعددي كما يمكن أن يتواجد من الناحية الواقعية في كل نموذج بعض سمات وخصائص النموذج الآخر ففي بعض النظم التعددية يمكن أن توجد قطاعات توحدية داخل النظام والعكس بالعكس فلا يوجد نموذج واحد نقي للتوحدية ولا للتعددية.[54]
وتتسق هذه الرؤية مع ما يقرره أونيل من أن التوحدية ظاهرة حركية تختلف من دولة لأخرى ومن فترة لأخرى داخل الدولة كما أنها ذات سمة قطاعية بمعنى أنها تتميز من قطاع وظيفي إلى قطاع وظيفي آخر في نفس الدولة.
التوحدية والإرثية والتابعية
ينطلق مدخل الإرثية من مقولة أنه إذا كان منطق العمل الجماعي لا يسود في مجتمعات العالم الثالث ووإذا كان من المستحيل في الوقت نفسه أن تتحول دراسة العملية السياسية غير الرسمية إلى دراسة أنماط السلوك الفردي فإنه يجب البحث عن أساس العمل الجماعي في المصلحة الفردية في صورتها الضيق والأكثر مباشرة فوحدة التحليل السياسية هي شبكات المصالح الشخصية بين الأفراد على مستويات مختلفة من النظام السياسي وتسهل الولاءات الأولية أو الإرثية من هذه الشبكات وتكسو طبيعتها القائمة على المصالح الشخصية المتبادلة في أضيق معانيها بعدا عاطفياً وتقوم شبكات المصالح الشخصية على مبدأ التبادل المعمم لمنافع متبادلة والتي تتعلق في الغالب بموارد تقوم السلطة العامة بتخصيصها وبرغم وجود عنصر التبادل في المنافع فإن هذه الشبكات تقوم على مبدأ انعدام التكافؤ بين أطرافها من حيث مراكزهم في المجتمع ومن حيث حدود التزامات كل منهم فبينما ينتظر من بعض أعضائها ولاء غير محدود فإن المكافاة التي يتوقع البعض الآخر لقاء هذا الولاء هي منافع محددة والسبب الأساس لقيام هذه الشبكات هو توقع أفرادها بأن تعود عليهم بالنفع المتبادل وإن كان من النادر ان يصرح أعضاؤها بالغرض منها[55].
وقد تتكون هذه الشبكات غالباً ما تتكون من الراعي أو المتبوع patron وهو صاحب النفوذ بينما يوصف الثاني بانه التابع أو العميل client وقد يوجد شخص يقوم بدور الوسيط Middleman وقد يصل تعدد هذه الشبكات وأعداد الداخلين فيها حداً يجعلها بناءء موازياً للمنظمات الحكومية أو السايسية فتصبح الإطار الحقيقي للعملية السياسية غير الرسمية أما تفسير ظهور هذه الشبكات فهي تنشأ كأسلوب يعتمد عليه أفراد النخبة لتقوية مراكزهم الفردية في التنافس من أجل الفوز بأكبر قدر من الموارد النادرة في المجتمع ويعود هذا النمط من السلوك اسيتجابة عملية لنمط معين من التوجه السياسي عندما يهتم المواطنون بأثر أعمال الحكومة على رفاهيتهم ويرى عدد من علماء السياسة أن وجود هذه الشبكات يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي حيث يشعر أطراف علاقة السيد والتابع بالرضاء لأنهم يتمكنون من الاستفادة من مخرجات النظام السياسي فيكتسب النظام السياسي لذلك قدراً من الشرعية من وجهة نظرهم[56]
ويفسر البعض بطبيعة الدولة القائمة في العالم الثالث إذ تتميز الدولة بالهوة الهائلة اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً بين أغلبية المواطنين والنخبة الحاكمة بما يجعل من الصعب إخضاع النخبة لأي مساءلة من جانب المواطنين ومن ثم لا يمكن إخضاع امتيازاتهم لأي رقابة أو ضمان استجابتهم لمطالب المواطنين فلا يبقى أمام هؤلاء المواطنين إلا الاستناد للولاءات الأولية التي تجمعهم وأفراد النخبة وعرض الولاء لهم لقاء ما يمكن أن يقدمونه لهؤلاء الأتباع من خدمات.[57]
وقد درس جوزيف لابالومبارا وجاي بيتر كيفية ارتباط جماعات المصالح بمراكز صنع وتنفيذ السياسة العامة وتحدثوا عن أربعة أنماط للتفاعل بين جماعات المصالح والبيروقراطية:[58]
فهناك التفاعلات الشرعية التي تكون فيها جماعات المصالح جزء لا يتجزأ من عملية صنع القرار وتشترك في عملية صنع وتنفيذ السياسةالعامة من خلال تقديم المشورة لأجهزة صنع القرار والمساعدة في تنفيذ السياسات العامةفتصبح حقيقة سياسية قانونية ومعترف بها في الحياة السياسية وبمقتضى هذا الوضع يحدث تداخل بين العام والخاص مما يمكن النظام السياسي من إدارة المصالح المتعارضة. التفاعلات غير الشرعية و في مقابل هذا توجد التفاعلات غير الشرعية حيث ينظر النظام السياسي لهذه الجماعات على أنها غير شرعية ويلجأ لقمعها مما يدفعها للجوء للعنف والتحركات التلقائية
وإلى جانب هذين النمطين يوجد نمط علاقة علاقة الكفيل بالمكفول حيث تختار البيروقراطية جماعة مصلحة واحدة كممثل شرعي لقطاع معين أو مجموعة معينة دون بقية الجماعات الأخرى كممثل لهذا القطاع وتتامل معها وتسمح لها بالنفاذ إلى عملية صنع القرار وهكذا يزداد تأثير هذه الجماعة المنتقاة بقدر ما يقل تأثير الجماعات الأخرى على السياسة العامة وتقوم جماعة المصلحة المنتقاة بتقديم المشورة لأجهزة صنع القرار وتسهم في تنفيذ السياسة العامة.
- وهناك نمط العلاقة الأبوية حيث ترتبط جماعات المصالح بالبيروقراطية بعلاقة أشبه بعلاقة الدم أو النسب وقد ساد هذا النمط في نظم الحزب الواحد والمجتمعات ما قبل الصناعية فتسعى جماعة المصلحة لتوثيق روابطها مع الحزب وإظهار ولاءها له أكثر من قدرتها على تمثيل قطاع ما في المجتمع ويقوم النظام السياسي في المقابل بانتقاء جماعات مصلحة معية دون غيرها لتمثل قطاعات معينة وليضمن سيطرته عليها ويسود هذا النمط في بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
يتضح من هذا العرض أن ثمة تداخل بين مفاهيم التوحدية والإرثية والتابعية فقد تكون الإرثية والتابعية أحد وسائل إدماج التنظيمات وتحقيق التوحدية في نظام ما وفي الوقت نفسه فإن الإرثية قد تكون النمط السائد في النظام السياسي ككل وتتسق التوحدية مع خطوط الانقسام الإرثية وتصبح الإجراءات التوحدية وسيلة لدمج قطاعات تقوم علىأساس أعرض من الانقاسمات الأولية.
ويشير البعض لانحسار موجة الدراسات التي تستخدم مدخل التوحدية منذ نهاية الثمانينات بعد أن كان مفهوم التوحدية أحد المفاهيم المفتاحية الأساسية بحيث لم يخل أي كتاب عن صناعة القرار منه كما تم شرح تآكل الاشتراكية في شرق أوربا كاستراتيجية توحدية.
ويرجع هذا جزئياً – في وجهة النظر هذه - لاكتشاف استراتيجيات أخرى للنمو والاستقرار الاقتصادي بشكل متزايد على يد باحثي السياسة المقارنة في اليابان وسويسرا والولايات المتحدة كما أنه بانهيار أغلب الدول الاشتراكية غلبت النماذج الجديدة للانتقال للديمقراطية على التفسيرات الدزئية مثل التوحدية إضافة لانتشار الشك إزاء قدرات النظام السياسي القيادية مما أسهم في تحول منهجي وانتقال رواد التوحدية في الثمانينات لدراسة تنويعات أخرى من النظريات الجزئية التي تشرح الأشكال الجديدة من التعاون بين الدولة وجماعات المصالح بينما عمل آخرون في إطار نظريات أشمل مثل نظرية التبادل السياسي المعمم.[59]
لكن وجهة النظر هذه يصعب القبول بها بشكل مطلق وهي تصدق بشكل أدق على التوحدية كمبدأ أيديولوجيي للتنظيم السياسي وليس على التوحدية كنمط لعلاقات جماعات المصالح لايزال منتشراً وبالخص في الدول النامية.[60]
فالتوحدية كمدخل تحليلي لها ميزة توجيه الاهتمام إلى شكل العلاقة السياسية في مقابل التقاليد البحثية السائدة بين الباحثين الليبراليين واليساريين الذين تاملوا مع السياسة والدولة بشكل مشتق بلوأحياناً ما تم إهمال شكل العلاقة كنتيجة لسيطرةالتحليل القانوني الدستوري ونظرية التحديث فكلاهما راى الدولة بشكل تجريدي باعتبارها مجردة من المضمون الاجتماعي ومن ناحية أخرى فإن نظرية التابعية حللت العلاقات السياسية منفصلة عن الاقتصاد السياسي في حين أدى إهمال تحليل شكل العلاقة لسوء تقدير إشكاليات شكل وظائف الدولة وفعاليتها في تشكيل مسار ونواتج التنافس السياسي.
زاء هذه الخلفية فإن التوحدية توجه الاهتمام لوجود تنويعان من الأشكال السياسية في الدول والنطاقات التي يشغلها كل شكل وعلاقته بالأشكال الأخرى وهذا يفيد في فهم العلاقات السياسية التي تعبر ذات طبيعة إثنية أو تابعية أو إرثية إلخ فمفهوم التوحدية يقوض هذه النظرة الاختزالية لأنها لا تدعي لنفسها هذا الشمول ف "شميتر " يرى أن التوحدية قد لا تمثل كامل النظام أو الدولة بل قد تعمل في نطاق معين وتتوافق مع الأنماط الأخرى المختلفة كالأرثية أو التابعية فسيطرة الدولة لا توجد في شكل مبدأ واحد كلي للسيطرة وتبقى مهمة التحليل السياسي تحديد أطر مصفوفة السيطرة وفهم أشكال تزاوجها وآليات إعادة إنتاجها فالسيطرة تشمل عناصر وبنيات تتضمن توازنات غير مستقرة وتناقضات ويمكن أن تساعد التوحدية في إلقاء الضوء على العلاقات المتغيرة والمعقدة بين وحدات بنية السيطرة مثلاً ما العلاقة بين بين الإرثية والتابعية وكيف تختلف التوليفة بينهما كما ان التوحدية ملائمة لتحليل تكوين الدولة بالأخص خلال الأزمات الاقتصادية والتحول الاقتصادي
فمفهوم التوحدية يتضمن عناصر غائبة أو غائمة فهي تربط بين ثلاثة مفاهيم دينامية الدولة والطبقة والاقتصاد على خلاف الإرثية والتابعية التي تعد أطراً سكونية جامدة تتجاهل مفاهيم الطبقات والأبعاد الاقتصادية كما أنها تؤكد على علاقات وجهاً لوجه والعناصر الشخصية التحكمية والثقة في حين أن التوحدية تتأسس في المجال العام لا الخاص وتتضمن قواعد عمل ومن ثم فهي قابلة للبحث والدراسة
إن التوحدية كأدة تحليلية ملائمة في ظل سيطرة الدولة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتبني التخطيط المركزي لتنظم بشكل مباشر المنتجين الريفيين والحضريين كما أن عدم قدرة الدولة والمستوى العالي من الهشاشة الاقتصادية والثقافية ومن ثم الحاجة لتفويض السلطة والتشاور والتعاون الاجتماعي تشير لأهمية التوحدية[61]
لكن دور مفهوم التوحدية محدود نسبياً بسبب القيود المرتبطة بالمفهوم نفسه ومحدودية إمكانت تطبيقه من ناحية أخرى فعلى مستوى المفهوم توجد صعوبة تعدد استخدامته والتحولات الجذرية في معناه فعلى الرغم من تنوع المعاني المعترف بها في التمييز بين توحدية اجتماعية وتوحدية ليبرالية وتوحدية جديدة من ناحية وتوحدية الدولة من ناحية أخرى فإن التساؤل عما إذا كانت التوحدية تحاول أن تضم ظواهر مختلفة بشكل متأصل ذاتياً تحت مفهوم واحد هو تساؤل مشروع ومن ناحية أخرى هناك صعوبات في تطبيق النموذج التوحدي على المجتمعات الريفية بما فيها من بنيات اقتصادية متعددة الأشكال وقطاع غير رسمي كبير وتنامي وانخفاض الاعتماد المتبادل الوظيفي والبنيوي ووجود درجة عالية من الهشاشة الثقافية ويتعقد المر بوجود شبكات واسعة من العمل والتبادل تقع خارج نطاق تناول الدولة وأيضاً القدرة التنظيمية المحدودة للدولة وإن كانت تخفيها بطابعها التدخلي والافتقار لسياسة عامة في مجالات مهمة في الاقتصاد والحياة العامة للشروط المسبقة لممارسة التوحدية لا تتحقق بشكل كامل في هذا السياق كما تفتقر الدولة للمصداقية والاستقلالية والقدرة القمعية المطلوبة لفرض حلول وسط توحدية.[62]
وفي هذا الإطار يمكن تعريف مفهوم توحدية الدولة فيمكن تعريفه بأنه يشير إلى ذلك النظام الذي يتواجد فيه عدد معقول من جماعات المصالح الوظيفية (النقابات أساسًا) المنشأة من قبل السلطة ذات التنظيم الواحد الهرمي والعضوية الإجبارية والتي تستخدمها السلطة كأداة لفرض سيطرتها على المجتمع عن طريق أسايب المنح والمنع.
ويمكن من الناحية الإجرائية تحديد مؤشرات لتوحدية الدولة يمكن تتبعها في حالة النظام السياسي المصري:
- تواجد فيه عدد معقول من جماعات المصالح الوظيفية (النقابات أساسًا) المنشأة من قبل السلطة ذات التنظيم الواحد الهرمي والعضوية الإجبارية
- وجود عدد من الإجراءات التي التي تتخذها الدولة لدمج الجماعات في عملية صنع القرار وفي العملية الإدارية
- تدخل الدولة في الشئون الداخلية للجماعات
- قيام الدولة بفرض قيود على قيادة تلك الجماعات
- وجود قيود على النشاط السياسي للتنظيم أو الجماعة
- درجة التنظيم والإشراف على الانتخابات الخاصة بالجماعة المصلحية من جانب الدولة
- تسجيل الجماعة والمعرفة التفصيلية بأنشطتها.
التوحدية في النظام السياسي المصري 1952-1981
من الناحية الإجرائية يوجد أكثر من مؤشر على وجود ظاهرة التوحدية في النظام السياسي المصري فثمة عدد معقول من النقابات، واتجاه نحو زيادة عددها، وتزايد في أهمية دور النقابات في النظام السياسي فقد بلغ عدد النقابات العمالية في سنة 1960 أكثر من 500 نقابة، ثم أعيد تشكيل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على أساس دمج نقابات الوحدات الإنتاجية في نقابات عامة لكل صناعة وصارت هي الأعضاء المؤسسة للاتحاد العام لنقابات العمال سنة 1964 بموجب القانون رقم 62 لسنة 1964 وقد تطور حجم العضوية بالاتحاد العام من نصف مليون سنة 1963 إلى قرابة 3 ملايين عضو سنة 1981.[63]
ويـتألف الاتحاد العام للنقابات العمالية من اتحادات محلية على مستوى المحافظات ومن النقابات العامة التي تمثل جميعها في مؤتمر الاتحاد العام الذي ينتخب مجلساً لإدارة الاتحاد يضم ممثلين لكافة النقابات العامة وينتخب المجلس بدوره هيئة مكتبه كما يقوم بتشكيل السكرتاريات المتخصصة.[64]
أما بالنسبة للنقابات المهنية فتضم النقابات المهنية التي وصل عددها إلى 23 نقابة أكثر من ثلاثة ملايين عضو تضم الأغلبية الساحقة من أصحاب المهن في المجتمع المصري الذين يمثلون نخبة الطبقة الوسطى في مصر، وأصبحت من أهم جماعات المصالح، نظرًا لما تتمتع من وضع جيد نسبياً وقدر أكبر من الاستقلال المالي والإداري عن السلطة.[65]
وهذه النقابات ذات تنظيم واحدي حيث لا يمثل أصحاب المهنة الواحدة سوى نقابة واحدة كم أنها ذات تنظيم هرمي قاعدته اللجان أو النقابات الفرعية وقمته مجلس النقابة وجميع هذه النقابات تم إنشاؤها بقوانين أصدرتها السلطة وتنص على أن العضوية فيها إجبارية على كل من يزاول المهنة التي تمثلها وتقضي بفرض عقوبات على المخالفين.[66]
و قد ظل وضع هذه النقابات أفضل نسبياً من وضع المنظمات الممثلة لمصالح الفئات الاجتماعية الأخرى دون الطبقة الوسطى إذ تم ربط هذه التنظيمات ربطاً شديداً بجهاز الدولة أفقدها إمكانية الضغط الفعلي على هذا الجهاز وهذا هو الحال بالنسبة لاتحاد عمال مصر الذي سيطرت عليه صفوة قيادية شديدة الارتباط بجهاز الدولة.[67]
- ومن ثم يمكن القول بوجود فيه عدد معقول من جماعات المصالح الوظيفية المنشأة من قبل السلطة ذات التنظيم الواحد الهرمي.
ويتضح التوجه المطرد لترسيخ الصياغة التوحدية كاستراتيجية للتعامل مع التنظيمات النقابية من خلال ملاحظة الاتجاه نحو تقنين واحدية وهيراركية التنظيم النقابي فبمقتضى القوانين العمالية المتعاقبة (91 لعام 1959و 62 لعام 1964 و 35 لعام 1976 و 1 لعام 1981 لم تسمح هذه القوانين بتكوين أكثر من نقابة لعمال المهنة الواحدة أو المهن التماثلة أو المترابطة على مستوى القطر المصري وكذلك بالنسبة للاتحاد العام للعمال حيث لم يسمح القانون إلا باتحاد واحد لنقابات العمال على مستوى البلاد ككل وأيضا لم يسمح بتكوين أكثر من لجنة نقابية واحدة في المنشاة أو المصنع.
وقد تضمن الباب الرابع من قانون العمل الموحد مبادئ تنظيم نقابات العمال على النحو التالي:
أخذ القانون بنظام النقابات العامة بدلاً من نظام نقابات المنشأة حيث نصت مادة 160 من القانون على أن للعمال الذين يشتغلون بمهنة أو صناعة واحدة أو بمهن صناعية متماثلة ومرتبطة ببعضها البعض أو تشترك في إنتاج واحد أن يكونوا فيما بينهم نقابة عامة ترعى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم وتعمل على تحسين حالتهم المادية الاجتماعية، وقد أسفر تطبيق هذه المادة عن تقلص عدد النقابات من 1400 نقابة منشأة إلى 65 نقابة فاستبدل القانون مبدأ الحرية النقابية بمبدأ وحدية النقابة العامة. [68]
- وتدين هذه التنظيمات النقابية في وجودها واستمرارها للدولة، فعندما ترغب السلطة في استبعاد أحد النقابات يتم استخدام أسلوب دمج النقابات أو إعادة التصنيف النقابي باللجوء إلى هذه القوانين العمالية المتعاقبة التي خولت وزير العمل سلطة إعادة التصنيف النقابي بما يضمن استبعاد القيادات النقابية غير المرغوب فيها، وكذلك إلغاء كيان إحدى النقابات بدمجها في أخرى، أو إضعاف نقابة ما بتقسيمها إلى نقابتين، فالقانون 62 لسنة 1964 يسمح بمقتضى المادة 160 منه بإعادة التصنيف النقابي بما يسمح لكل صناعة أو مجموعة من الصناعات المتماثلة أو المرتبطة التي تشترك في إنتاج واحد بتكوين نقابة عامة كما عدلت م 162 بما يضمن واحدية التنظيم النقابي في كل مستويات العمل النقابي.
وكان أول استخدام لهذا الأسلوب عند تطبيق القانون 91 لعام 1959 إذ أصدر وزير العمل قراراً وزارياً حدد فيه عدد النقابات العامة ب 65 نقابة تشكل منها فعلاً 59 نقابة عامة في الدورة النقابية 1961- 1964 ومع بدء الدورة الجديدة 1964 – 1971 أعيد التصنيف النقابي حيث تقلص عدد النقابات إلى 27 نقابة عامة وللمرة الثالثة قبل بدء دورة 1973 – 1976 أصدر وزير العمل قراراً بإعادة التصنيف النقابي وبمقتضاه تم ضغط النقابات إلى 16 نقابة عامة إلى أن جاء القانون 35 لعام 1976 متضمنا جدول التصنيف النقابي والذي حدد عدد النقابات العامة ب 21 نقابة على أن يصدر التصنيف أيضاً بقرار من وزير العمل ونتيجة للانتقادات التي وحهتها منظمة العمل الدولية للحركة النقابية بسبب تدخل وزارة العمل في تحديد التصنيف النقابي اضطر المشرع لتعديل تلك المادة بحذف سلطة وزير العمل بصدد هذا الموضوع في القانون 1 لعام 1981 المعدل للقانون 35 لعام 1976.[69]
كما تم اللجوء لحل التنظيمات النقابية في أكثر من مرة حيث أصدر مجلس قيادة الثورة في 15 أبريل 1954 ردا على الموقف المعادي الذي اتخذه مجلس نقابة الصحفيين إزاءه خلال أزمة مارس 1954 قرارا تضمن حل مجلس نقابة الصحفيين الحالي وتفويض وزير الإرشاد القومي في تشكيل لجنة تحل محل المجلس مؤقتاً وتعديل القانون رقم 10 لسنة 1941 الخاص بنقابة الصحفيين تعديلاً شاملاً.[70]
وبالفعل اصدر وزير الإرشاد القومي قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة تتولى شئون نقابة الصحفيين مكونة من كل من فكري اباظة ووكيل وزارة الإرشاد القومي ومحام عام أو من ينيبه عنه النائب العام وحسن كامل الملطاوي مدير عام حسابات الحكومة وقد بررت السلطة قرار الحل بضرورات تعديل قانون النقابة واكتشاف أن سبعة من أعضاء مجلس النقابة يتقاضون مصاريف سرية كما جاء في بيان وزارة الإرشاد القومي أن مجلس النقابة نصف أعضاؤه من أصحاب الصحف وأغلبية الفريقين قد أبدوا رغبتهم في الانفصال فإن بقاء المجلس بوضعه الحالي لا يستقيم مع تلك الرغبات.
وكانت نقابة الصحفيين قد طالبت في 7 أغسطس 1952 بإلغاء الأحكام العرفية والإفراج عن المعتقلين وهو ما كررته في 26 /3/1954 إضافة للمطالبة بتأليف وزارة قومية للإشراف على الانتخابات.
فكان حل مجلس نقابة الصحفيين في 15 أبريل 1954 درساً قاسياً لم تنسه النقابة طوال عهد عبدالناصر بل وصدر القانون رقم 568 لسنة 1955 بتعديل قانون العقوبات لتشديد عقوبات النشر وافتراض سوء النية في المتهم وإلقاء عبء إثبات حسن النية عليه وهو شبه القانون الذي أصدرت حكومة صدقي في أبريل 1946 واحتجت عليه النقابة آنذاك.[71]
ومن الناحية القانونية استمر القانون رقم 185 لسنة 1955 والذي ينظم أوضاع نقابة الصحفيين بما تضمنه من حق السلطة في الحل الإداري لمجلس النقابة.
أما نقابة المحامين فقد صدر القانون رقم 709 لسنة 1954 في 22 ديسمبر 1954 ناصاً في مادته الأولى على أن يحل مجلس النقابة الحالي ويوقف العمل بالمواد من 70 – 78 من القانون 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية كما نص على قيام مجلس مؤقت يصدر بتشكيله قرارا من وزير العدل بأعمال مجلس النقابة وعللت السلطة قرارها بحل مجلس نقابة المحامين وتعطيل مواد قانونها الخاصة بالانتخاب بضرورات تعديل قانون المحاماة إلا أن هذا لا ينفي أن السبب الحقيقي لقرار الحل والتعطيل هو غضب السلطة من موقف النقابة خلال أزمة مارس 1954 حيث طالبت الجمعية العمومية لنقابة المحامين في 26 مارس 1954 بالإفراج عن المعتقلين السياسين مهما كانت آراؤهم وقرر الإضراب ليوم واحد احتجاجاً على حوادث الاعتداء عليهم كما طالبت بإلغاء الأحكام العرفية وعودة الحياة النيابية.
وقد تأكد هذا من قول حسين الشافعي في أحد المؤتمرات الشعبية "إننا كنا متأكدين من أن القرارات التي صدرت باسم المحامين لا تعبر عن رأي المحامين جميعاً ونحن على ثقة بأن القرارات لم تصادف هوى في نفوس المحامين الأحرار"كما أكد عبد الرحمن الرافعي هذا بقوله "إن التوتر بين النقابة وحكومة الثورة كان قائماً منذ أن انعقدت الجمعية العمومية للمحامين بصفى غير عادية يوم الجمعة 26 مارس 1954 وتغلبت فيها الروح العدائية للثورة".
أما في فترة حكم السادات فكانت المرة الأولى التي لجأ السادات فيها إلى الحل كانت في عام 1971 وشمل الحل جميع مجالس النقابات المهنية حيث أصدر السادات في 5 يونيو 1971 قراراً نص في مادته الأولى على أن يعاد تشكيل مجالس نقابات المهن الواردة في الكشف المرفق بالقرار ونصت المادة الثالثة منه على تشكيل الأمين العام المؤقت لجاناً إدارية مؤقته يكون لها اختصاصات تلك المجالس المنصوص عليها في قوانين النقابات المهنية إلى أن تتم عملية إعادة التشكيل.
ونظراًً لأن قرار الحل لم يكن له سند قانوني فقد لجأ السادات إلى مجلس الأمة الذي أقر مشروعاً بقانون صدر بالقانون رقم 40 لسنة 1971 ناصاً في مادته الأولى على أن " يحدد بقرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك موعد للانتخابات اللازمة لتشكيل مجالس جديدة للنقابات المهنية والعمالية على جميع المستويات ويتضمن القرار التشكيلات الإدارية المؤقتة وأية إجراءات أخرى تكون لازمة لإتمام عملية الانتخاب وسلامتها ونصت المادة الثانية على سريان القانون بأثر رجعي اعتباراً من 4 مايو 1971 أي قبل قرار الحل بيوم واحد.
المرة الثانية التي لجأ فيها السادات إلى الحل كانت عندما حل نقابة المحامين في يوليو فبعد حضور اعداد من أعضاء مجلس النقابة في مؤتمر اتحاد المحامين في الرباط 26 – 30 يونيو 1980 تمت إحالة خمسة من أعضاء مجلس النقابة وعلى رأسهم احمد الخواجة إلى المدعي الاشتراكي بتهمة الإساءة لسمعة مصر في الخارج وقد دفعت السلطة بعدد كبير من عملائها لحضور اجتماع الجمعية العمومية لسحب الثقة من من مجلس النقابة لكن الجمعية العمومية كانت قد اكتمل نصابها القانوني قبل مجيئهم وبدأت في نظر جدول أعمالها فبدأ العملاء في اقتحام مجلس النقابة بالقوة وأعلنت الإذاعة والصحف الحكومية كذباً أنه تم سحب الثقة من مجلس النقابة ونظراً لفشل هذا الإجراء لمخالفته للقانون فقد طلب السادات في رسالة إلى رئيس مجلس الشعب في 13 يوليو 1981 تقصي الحقائق بشأن تصرفات مجلس نقابة المحامين وتوصل هذا التقرير

إلى أن مجلس نقابة المحامين قد اتخذ خطاً معادياً لنظام الحكم وبعد أن وافق المجلس على التقرير أقر القانون رقم 125 لسنة 1981 الذي نصت المادة الأولى منه على أن تنتهي مدة عضوية النقيب الحالي للمحامين وأعضاء مجلس النقابة العامة من تاريخ نفاذ القانون ونصت المادة الثانية منه على تشكيل مجلس مؤقت للنقابة.
وبالنسبة لنقابات العمال فإن من حق مسئولي الجهاز الإداري الاعتراض على تكوين النقابة فوفقاً للمادة 15 من القانون 319 لعام 1952 فإن للمدير العام لمصلحة العمل أن يبلغ مجلس الإدارة اعتراضاته على إجراءات تكوين النقابة المخالفة فإن لم تقم النقابة بتصحيح الإجراءات المعنرض عليها خلال 15 يوماً من تاريخ الإيداع جاز لوزير الشؤون الاجتماعية رفع المر للمحكمة الجزئية للفصل فيه بحكم نهائي
كما أعطى القانون الحق لوزير الشئون الاجتماعية أن يطلب من المحكمة الابتدائية حل النقابة في حالة مخالفة البنود التي نص عليها القانون، أما القانون 35 لسنة 1976 فقد نصت المادة 71 منه على حل مجلس إدارة المنظمة النقابية بدلاً من حل المنظمة النقابية وأعطت هذه المادة لكل ذي شان حق الطعن في الحكم الصادر بالحل.
كما أجازت المادة 180 من القانون لوزير الشئون الاجتماعية والعمل أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بحلها إذا أصدرت النقابة قراراً أو أتت عملاً يعد من الجرائم التي نص عليها هذا القانون أو أو الجرائم مثل التحريض على قلب نظام الحكم او الحض على كراهيته أو نشر المذاهب التي تدعو لتغيير القواعد الأساسية للدستور أو التحريض على ترك العمل أوالامتناع عنه عمدًا.
أما فيما يتعلق بهيراركية التنظيم النقابي فقد وضعت القوانين النقابية المتعاقبة نظاماً هرمياً صارماً مكون من ثلاثة مستويات على القمة الاتحاد العام لنقبات عمال مصر يليه المستوى الوسيط النقابات العامة ثم المستوى القاعدي وهو اللجان النقابية وقد ركز القانون الاختصاصات في قمة التنظيم النقابي مقبل الافتئات على اختصاصات اللجان النقابية التي تتصل اتصالاً مباشراً بالقواعد العمالية مما أفقدها كثيراً من فاعليتها ومصداقيتها ووسع الهوة بينها وبين المستويات الأعلى في التنظيم النقابي.
وقد نصت المادة السابعة من القانون 35 لسنة 1976 بشكل صريح على أن أن البنيان النقابي يقوم على شكل هرمي قاعدته اللجنة النقابية وقمته الاتحاد العام لنقابات العمال وتتوسطهما النقابة العامة.
كانت هذه القوانين دالة على انتقال التنظيم النقابي إلى الصيغة الإدماجية خاصة في القانون الأخير حيث قضى بتشكيل هيكل التنظيم النقابي على أساس مبدأ واحدية اللجنة النقابية والنقابة العامة والاتحاد العام
- العضوية الإجبارية في المنظمات النقابية
ويقوم أغلب هذه النقابات على العضوية الإجبارية حيث استمر المرسوم بقانون رقم 319 لسنة 1952 الذي يتضمن العضوية الإجبارية بطريق غير مباشر حيث نصت المادة الخامسة منه على أنه في أي وقت يبلغ

عدد أعضاء نقابة المنشأة ثلاثة أخماس مجموع عمالها يعتبر الباقون أعضاء في النقابة إلى أن تم إلغاء هذا النص في القانون 91 لسنة 1959
أما النقابات المهنية فإن العضوية فيها إجبارية على كل من يزاول المهنة التي تمثلها
- وجود عدد من الإجراءات التي تتخذها الدولة لدمج الجماعات في عملية صنع القرار وفي العملية الإدارية:
وقد تم هذا بأشكال عديدة ففي نقابة المهندسين كان غالبية من تولوا منصب النقيب إما من مجموعة الضباط الأحرار أو الخبراء الفنيين المرتبطين بهم الذين تولوا مناصب رفيعة في وزارة الري أو الأشغال
أما بالنسبة للنقابات المهنية فقد شغل العديد من قيادات التنظيم النقابي مواقع قيادية في السلطة التشريعية سواء بالنسبة لوكالة مجلس الأمة التي شغلها أحمد فهيم رئيس الاتحاد العام للعمال من 1962 – 1969 وخلفه في المنصبين عبداللطيف بلطية
كما حرصت السلطة على تمثيل النقابات في بعض هيئات صنع القرار من خلال تمثيل النقابات في اللجان التي تشكل لبحث القضايا العامة مثل تمثيل النقابات في لجنة الدستور المشكلة عام عام 1953 واللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبيية عام 1961 والمؤتمر الوطني نفسه عام 1962 ولجنة الدستور عام 1971 ولجنة مستقبل العمل السياسي عام 1976.
وبالفعل شاركت النقابات في هذه اللجان فعلى سبيل المثال فقد طالب مصطفى محمد البرادعي نقيب المحامين في جلسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية المنعقدة في 6 دبسمبر 1961 بحرية الصحافة.
- كما صدر القرار الجمهوري قم 352 لسنة 1979 في 10 أغسطس 1978 بتعيين نقباء النقابات العامة مستشارين لرئيس الجمهورية بحكم مناصبهم مع احتفاظهم بمناصبهم الأصلية.
- وعرفت فترة الدراسة نوعاً من التنسيق والتعاون بين النقابات و والتنظيم السياسي الحاكم سواء كان تنظيماً واحداً أو تنظيماً حاكماً في ظل التعددية المقيدة.
فمن البداية قرر مجلس نقابة الصحفيين في 26 ديسمبر 1952 تأليف لجنة من النقيب والوكيلين والسكرتير العام تتولى الاتصال بمجلس قيادة الثورة والتحدث معهم في إلغاء الرقابة على الصحف وخلال اجتماع مجلس نقابة الصحفيين في 3 يناير 1953 ذكر محمد خالد ذكر محمد خالد ما دار في الاجتماع مع المسئولين وفي مقدمتهم جمال عبدالناصر وفؤاد جلال وزير الإرشاد القومي وأنور السادات المشرف على الرقابة العسكرية وانتهى الاجتماع بين مندوبي النقابة والقيادة بالاتفاق على إلغاء الرقابة العسكرية وإنشاء لجنة تتولى التنسيق والتعاون مع الصحافة.


وحين تشكلت هيئة التحرير قامت باختيار مندوب من كل نقابة ليكون حلقة اتصال بها وقد رحبت مجلة المهندسين بإنشاء هيئة التحرير وامتلأت مقالات التأييد للثورة.
وقرر مجلس نقابة المهندسين في 22/5/ 1960 تشكيل لجنة تتولى تنسيق نشاط النقابة مع سياسة الاتحاد القومي بحيث تكون هذه الجنة همزة الوصل بين النقابة الاتحاد القومي كما قرر المجلس الموافقة على طلب الاتحاد القومي بتحصيل اشتراكات المهندسين في الاتحاد القومي عن طريق النقابة.
أما الصيغة الإدماجية للاتحاد الاشتراكي العربي 1962 – 1976 فقد قامت عنصرين:
- الأول التأكيد على أن الاتحاد الاشتراكي يمثل تحالف قوى الشعب العامل الذي يتكون من الفلاحين والعمال والمثقفين والرأسمالية الوطنية والجنود.
- والثاني تنظيم هذه الفئات الوظيفية الواسعة على أساس أماكن الإقامة والعمل في وحدات تضم أفرادها بغض النظر عن التفاوت في مستوى الدخل أو طبيعة العمل فعمد النظام إلى تنظيم المجتمع على أسس عمودية بهدف تذويب الفوارق بين الطبقات ورفض قبول سيطرة أي طبقة على أخرى ولو عمالية مما جعله يرفض قيام أي تنظيمات تلقائية مستقلة حيث اعتبر نفسه القوة الوحدية القادرة على تذويب الفوارق بين الطبقات بوصفه فوق الطبقات.
فقامت العلاقة بين الاتحاد الاشتراكي والنقابات العمالية على المبادئ التالية:
- يعمل الاتحاد الاشتراكي على القيام برسالته زتحقيق أهدافه بمساعدة النقابات
- يعتبر الاتحاد الاشتراكي السلطة الشعبية التي تقوم بالعمل القيادي والتوجيهي وبالرقابة التي يمارسها الشعب بينما تقوم المجالس النقابية بتنفيذ السياسة التي يرسمها الاتحاد الاشتراكي وهكذا تمحور دور النقابات العمالية حول تنفيذ قرارات الاتحاد الاشتراكي وقد اكد برنامج العمل الوطني هذا المعنى حيث اعتبر النقابات العمالية تنظيمات مساعدة للاتحاد الاشتراكي.
ووفقاً لهذا التصور جاء في العدد الأول من جريدة الصحافة التي أصدرتها نقابة الصحفيين في الفترة من مارس إلى ديسمبر سنة 1966 أن مجلس النقابة قد أعد خطة متكاملة للعمل السياسي ستعرض على الاتحاد الاشتراكي لإقراراها هدفها هو رفع المستوى العقائدي للأعضاء عن طريق تنظيم دورة دراسات اشتراكية لهم ثم قيام هؤلاء بنقل الأفكار الاشتراكية إلى كافة أنحاء البلاد كما نشرت الجريدة في عددها الصادر في يوليو 1966 خبراً مفاده أن المكتب السياسي في نقابة الصحفيين المكون من هيئة مكتب النقابة برئاسة النقيب حافظ محمود وعدد من الصحفيين قرر تشكيل منظمة سياسية من الصحفيين في إطار الاتحاد الاشتراكي للمساهمة في الأعمال القومية.
وأخذ هذا التنسيق والتعاون شكلاً قانونياً أحيانا فقدنص قانون نقابة الصحفيين في مادته الأولى على أن تعتبر النقابة وفروعها لجاناً فنية معاونة للاتحاد الاشتراكي العربي في تحقيق أهدافه في إطار السياسة العامة للتنظيم.

وقد أخذت السلطة تجاوباً مع اقتراح مجلس نقابة الصحفيين برئاسة عبدالمنعم الصاوي في سبتمبر 1973 بإنشاء مجلس أعلى للصحافة فصدر في مارس 1975 قرار رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بإنشاء المجلس الذي نصت المادة الخامسة منه على أن يضم اثنان من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ورئيس النقابة العامة للطباعة والنشر وثلاثة صحفيين لا تقل مدة اشتغالهم بالمهنة عن خمسة عشر عاماً يرشحهم مجلس نقابة الصحفيين ويختص هذا المجلس ضمن اختصاصاته رسم السياسة .العامة للصحف وتحديد سياسة النشر في المسائل القومية والسياسية الكبرى والتخطيط للتوسع الأفقي والرأسي للصحافة كما يضع المجلس لوائح وقواعد الأجور والمرتبات ونظم العلاوات في المؤسسات الصحفية ويعمل المجلس على دعم المؤسسات الصحفية ويكون له مراجعة تقاريرها المالية والإدارية سنوياً ودراسة ما يراه من تشريعات تؤدي إلى النهوض بمستوى المهنة وتقديم الاقتراحات والتوجيهات للجهات المسئولة في هذا الشأن.
على جانب النقابات العمالية أنشا الاتحاد العام لنقابات العمال سكرتارية للاتصال السياسي لتوثيق علاقته بمجلس الشعب وكان أول ظهور لها في الدورة الخامسة للاتحاد من 1973- 1976 وكان يرأسها عبدالرحمن خضر وتدور اختصاصات السكرتارية حول إقامة وتدعيم الصلة بين الاتحاد العام للعمال واعضاء مجلس الشعب من النقابيين بما يكفل إحاطتهم العمال خاصة الموجودين بوجهة نظر الاتحاد بشأن استصدار تشريعات عمالية جديدة أو إدخال تعديلات على التشريعات الحالية التي تهم القوى العاملة والتعاون مع الأعضاء والسكرتارية المتخصصة وغلإدارة القانونية بالاتحاد لإعداد منشروعات القوانيني المطلوبة لتقديمها إلى المجلس عن طريق أحد النقابيين من أعضائه والعمل على أن يتبنى أعضاء مجلس الشعب من النقابيين وجهة نظر موحدة عند عرض مشروعات القوانين التي تنظم شئون العمل والعمال .
وقد حدد القانون 35 لسنة 1976 أهداف المنظمات النقابية المشاركة في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية زالاجتماعية وحشد طاقات العمال من أجل تحقيق أهداف هذه الخطط والإسهام في تنفيذها كما ورد في اختصاصات الاتحاد العام لنقبات العمال طبقاً للمادة 17 من قانون العمل لسنة 1981 أن يتولى الاتحاد العام لعمال مصر المشاركة في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية و "إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بتنظيم شئون العمل والعمال " وقد أرسلت أول خطة من قبل رئيس الوزراء إلى الاتحاد العام للعمال في أبريل 1976 الذي طالب بمشاركة القائمين على التنفيذ.
وقد قام الاتحاد العام للعمال بالفعل بإعداد يعض مشروعات القوانين أو شارك في إعدادها مثل قانون العدالة الضريبية وممجموعة قوانين علاوات العاملين بالقطاع الخاص والحد الأدنى للأجور وقانون عمال المحاجر والمناجم كما أبدى اتحاد العمال رأيه في العديد من مشروعات القوانين مثل قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 وقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978


ومشروع دعم وتطوير القطاع العام وذلك في مؤتمر تنمية الإنتاج في ظل اقتصاد السلم في نوفمبر 1980 واتهى رأيه إلى رفض المشروع شكلاً وموضوعاً وإرسال رأيه إلىالجهات المعنية بالدولة.
وإذا كان من الممكن رصد 3 أدوار اضطلع بها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر هي دور المساندة دور المعارضة دور الوساطة بين القواعد العمالية والسلطة السياسية فإنه من الملاحظ أن الدور الذي غلب على الاتحاد العام للعمال القيام به فهو دور الوساطة.
وقد لجأ الاتحاد العام لعمال إلى آليتين لممارسة هذا الدور الأول المناورة السياسية من خلال تقديم دعم سياسي ضخم للسلطة السياسية فيما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية في مقابل طرحه لبعض مطالب الحركة العمالية الاقتصادية أما الثاني فيتمثل في أتخاذه موقفاً وسطاً بصفى عامة بين القواعد العمالية والسلطة السياسية فعندما تضطر القواعد العمالية لاستخدام سلاح الإضراب احتجاجاً على أوضاع اقتصادية معينة فإن الاتحاد سرعان ما يصدر بيانات تدين أعمال العنف والخروج عن النوات الشرعية للتعبير عن المطالب وفي نفس الوقت يطرح بعض المطالب العمالية
فيحاول الاتحاد العام أن يسلك مسلكاً وسطاً في مواجهة الاحتجاجات العمالية والتي تصدر عن غير إرادته فهو بشرح من ناحية دواعي احتجاج العمال المضربين وفي الوقت نفسه ص 75 يدين ما يصفه بأعمال العنف والخروج على القنوات الشرعية في التعبير عن الرأي ففي أحداث 18 و 19 يناير 1977 أصدر الاتحاد بياناً في مساء اليوم الأول للأحداث انتقد فيه قرارات رفع الأسعار واعتبر هذا القرار تحديا لمشاعر الجماهير وتجاهلا خطيراً للحركة النقابية المصرية ومصادرة لرأيها الذي كفله القانون ومن ناحية أخرى ذكر سعد محمد احمد أنه لايقر أسلوب التظاهر ولا افضراب كوسيلة من وسائل التعبير عن الرأي بل يحبذ الأساليب المشروعة من خلال التنظيم النقابي في الوحدات الإنتاجية وصولاً إلى الاتحاد العام وكل ذلك بالحوار الهادئ والرأي الحر.
لكن من خلال رصد مواقف التنظيم النقابي الرسمي من الإضرابات العمالية يظهر أن الكفة كانت تميل دائماً لصالح السلطة السياسية على حساب الحركة العمالية باستثناء أحداث 18 و 19 يناير 1077 التي تمثل المرة الأولى التي انتقد فيها الاتحاد العام لنقبات العمال قرارات رفع الأسعار بأسلوب حاد إلا أنه لم يغفل في نفس الوقت إدانة التحركات العمالية.
ويظهر هذا الموقف فشل التنظيم النقابي العمالي نسبياً في ممارسة أي دور ضاغط على السلطة السياسية لكي يضع اقتراحاته في الحسبان فبينما عقد الاتحاد العام لنقابات العمال مؤتمراً للأجور والأسعار في أواخر ديسمبر 1976 قدم فيه استراتيجية شاملة لحل مشكلة ارتفاع الأسعار والتهامها للأجور وطالب بتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية فإنه تم رفع أسعار العديد من السلع الساسية في يناير 1977 مما دفع العمال للخروج في مظاهرات للتعبير عن رفضهم لقرارات رفع السعار وإلغاء الدعم كما سبقت الإشارة.


ويظهر ذلك ايضاً وجود ازدواجية بين موقف التنظيم النقابي الرسمي وبين موقف القواعد العمالية تجاه بعض القضايا خاصة قضايا الجور و الأسعار وتتضح تلك الازدواجية في قيام العديد من الإضرابات العمالية بعيداً عن التنظيم النقابي وبدون موافقته فيقوم باستنكارها.
أما بالنسبة للنقابات المهنية فقد أسفر هذا الإدماج عن الاستجابة لبعض المطالب المهنية والنقابية وإن كان ذلك قد جرى بصورة محدودة حيث قررت السلطة رد المبلغ الذي دفعته لنقابة المهن الهندسية لشراء الرض المقام عليها مبناها وقررت منحها لها بإيجار اسمي واستجابت لمطلبها بعدم إخراج العاملين في الحكومة من عضويتها ووافقت على زيادة فئات دمغة صندوق معاشات وإعانات المهندسين وأنشأت معهداص لأبحاث البناء وعدلت قانون المباني وفقاً لما طالبت به النقابة.
أما نقابة الصحفيين فقد صدر القانون 185 لسنة 1955 محققاً بعض ما طالب به مجلس النقابة خاصة جعل انتخاب النقيب من اختصاص الجمعية العمومية وإباحة الطعن في نتائجها.
وبالنسبة لنقابة المحامين صدر القانون رقم 46 لسنة 1963 متضمناً زيادة فئات الدمغة وجعل أتعاب المحاماة المحكوم بها على الخصم تصب في صندوق معاشات وإعانات النقابة كما صدر القانون 61 لسنة 1968 متطابقاً مع منعظم مواد المشروع الذي أعده مجلس النقابة.
واستجابت السلطة لمطلب نقابة الصحفيين بإصدار قانون عقد العمل الصحفي بالقانون 216 لسنة 1958 كما صدر القانون 76 لسنة 1970 متضمناً معظم مواد المشروع الذي أعده مجلس النقابة.
وبالمثل أن فقد استجابت السلطة إلى مطلب نقابة المهن الهندسية بتعديل قانونها بإصدار القانون 77 لسنة 1957 كما استجابت لمطلبها بصدور قرار وزير الري رقم 9704 لسنة 1959 وزيدت الإعانة لصندوق المعاشات والإعانات منذ عام 1963.
- أما في فترة السادات فقد تمت الاستجابة لبعض المطالب النقابية والمهنية فبالنسبة لنقابة المحامين صدر قانون الإدارات القانونية رقم 43 لسنة 1973 محققا لبعض ما طالبت به النقابة كما أصدر الرئيس السادات قراراً في مايو 1975 بالتنازل بالمجان عن ملكية قطعة الأرض المقام عليها مبنى النقابة وبالنسبة لنقابة الصحفيين أصدر السادات قراراً في مارس 1972 بتخصيص نسية 1% من حصيلة الإعلانات في الصحف بحد أقصى عشرة آلاف جنيه لكل مؤسسة لصندوق المعاشات والإعانات وتمت إعادة الصحفيين المنقولين إلى أعمالهم عامي 1972 و1973 وقامت السلطة بزيادة الإعانة السنوية لصندوق المعاشات والإعانات منذ عام 1975 وأصدرت اللائحة الموحدة لأجور الصحفيين عام 1976.
تبنت السلطة مشروع نقابة المهندسين بلائحة المهندسين الاستشاريين الذي أعده مجلسها وصدر بقرار من وزير الري عام 1972 كما تبنت المشروع الجديد للنقابة الذي أعده المجلس وصدر بالقانون رقم 66 لسنة 1974 واستجابت السلطة عام 1976 لمطلب النقابة بإلغاء نظام التكليف وقامت في العام التالي بصرف


بدل تفرغ للمهندسين بافضافة إلى ذلك تضمن القانون رقم 66 لسنة 1974 زيادة موارد تمويل صندوقالمعاشات والإعانات كما استمرت الحكومة في صرف إعانتها السنوية للصندوق.
تدخل الدولة في الشئون الداخلية للجماعات المصلحية (النقابات العمالية والمهنية)
تأثر موقف النظام الحاكم من النقابات المهنية بوضع هذه النقابات قبل الثورة وموقفها خلال أزمة مارس 1954 وانعكس هذا في رؤية جمال عبدالناصر لهذه النقابات التي عبر عنها في اجتماع 27 نوفمبر سنة 1961 في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية حيث قال عبد الناصر " لمذا النقابة ومن أجل من ؟ هل النقابة يكون فيها المالك أو فيها العامل فقط خصوصاً بالنسبة للنقابات المهنية نقابة تحمي مصالح من؟ هذا موضوع في الحقيقة ما زال غامضاً.... النقابات عندنا تمثل الأحزاب وإذا كانت النقابات تمث الأحزاب نكون سائرين خطأ "
" التقابات للطبقة العاملة أو نقابات عمال بعد هذا هل تكون جمعيات .... إن مثل هذه العمليات تجعل الشعب ينقسم ويظل منقسما ... ما هي النقابة هذا هو الموضوع الأساس ... حتى نوحد المجتمع لا أن نقسم المجتمع النقابة التي فيها أصحاب رؤوس الأموال يستثمرون أموالهم لا تكون نقابة أبداً طالما بها شخص يستثمر امواله فهو ليس بعامل بل مستثمر فكيف نسميها نقابة أعتبر بالنسبة لمجتمعنا الاشتراكي كلنا طبقة عاملة .... بالنسبة لكل البلد لا تعمل نقابات مهنية فإنها يمكمن أن تكون جمعيات ... وبهذا نقضي على الرواسب التي تركتها لنا النظم الأجنبية عندما قسمونا إلى طوائف كان قصدهم أن يجعلونا أحزاباً"
ومن ثم سعت السلطة للسيطرة على النقابات المهنية بوسائل مختلفة منها دعم دور العسسكريين في النقابات المهنية حيث كانت بداية ظهور المهندسين العسكريين وتوليهم لمناصب بارزة في مجلس النقابة سنة 1953 فتولى البكباشي مهندس محمود يونس منصب الوكيل وانتخب نقيباً بالتزكية من 1954 – 1958 كما شغل الصاغ حلمي محمد السعيد منصب النقيب في الفترة من 1966 – 1968 وبداية من عام 1954 ارتفع عدد المهندسن العسكريين إلى 20% من إجمالي أعضاء المجلس (6 من 32 عضواً) واستمر الوضع إلى سنة 1975 حيث كان المهندين العسكريين ثلث أعضاء مجلس النقابة وكان وكيل النقابة من بينهم أما في سنة 1979 فكان كل أعضاء المكتب المنتخب من العسكريين باستثناء النقيب والأمين العام المساعد.
في البداية تضمن القانون حرمان عمال الحكومة من حق التنظيم النقابي لكن مع إدماج السلطة للنقابات أصبح معظم أعضاء النقابات العمالية من العاملين بالحكومة والقطاع العام
- لجأت السلطة السياسية إلى أسلوب آخر للسيطرة على النقابات من خلال تدخل وزارة العمل في أدق تفاصيل حياة التنظيم النقابي بمستوياته المختلفة وفقاً للقوانين النقابية المتعاقبة وإن تميزت الفترة من 1971 – 1980 بتخفيف حدة القيود الإدارية المفروضة على التنظيم النقابي في بعض الجوانب.
فقد سمح القانون رقم 35 لسنة 1976 بالطعن في حكم المحكمة الجزئية فيما يتعلق بالاعتراض على تكوين المنظمة النقابية كما استبدل هذا القانون حل المنظمة النقابية بحل مجلس إدارتها كما نصر على سريان احكام القوانين الخاصة بالاجتماعات العامة على أعضاء المنظمات النقابية وذلك إذا عقد الاجتماع بمقر التنظيم النقابي على خلاف القوانين العمالية السابقة وبالنسبة للتصنيف النقابي فقد أشرك القانون 35 لسنة 1976 الاتحاد العام للعمال لأول مرة في تحديد المهن المتماثلة والمترابطة والمشتركة في إنتاج واحد ونتيجة الانتقادات التي وجهتها منظمةالعمل الدولية للحكومة المصرية حذف المشرع سلطة وزير العمل في القانون 1 لعام 1981 نهائياً واكتفى بالاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
وقد تدخلت السلطة عن طريق الوزارة المختصة في الاستقلال المالي للنقابات العمالية وبدا ذلك في المادة 18 من القانون 319 لسنة 1952 وفي المواد 174 و 151 من القانون 91 لسنة 1959 وكذلك القانون 62 لسنة
ومن ناحية أخرى يتحكم الوزير المختص في إصدار اللائحة الداخلية للنقابات العمالية طبقاً للمادة 164 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959فقد نصت هذه على أن تسير في أعمالهات طبقاً لنظامها الأساسي والذي يشتمل على أدق تفاصيل عملها الداخلي وتصدر اللائحة النموذجية لهذا النظام الأساسي بقرار من وزيرالعمل فراحت وزارة العمل تتدخل بصورة مباشرة في تنظيم الشئون الداخلية للنقابات
وبالنسبة للشئون المالية فقد منحت القوانين العمالية المتعاقبة وزير العمل سلطة الاطلاع على سجلات ودفاتر النقابة المالية وايضا مراجعة الحساب الختامي
كما خول القانون وزارة العمل سلطات وصلاحيات واسعة على الحركة النقابية إذ صار من حقها وضع اللوائح النموذجية للنقابات العامة وتوزيع الإيراد السنوي وتحديد شروط العضوية في مجالس إدارات التشكيلات النقابية.
وتقضي المادة 61 من القانون رقم 35 لسنة 1976 بأن تلتزم كافة المنظمات النقابية بالنظام النموذجي الموضوع من الاتحاد العام لنقابات العمال وأن تتخذ هذا النظام أساساً لوضع لوائحا إن الاتحاد من خلال هذا النظام النموذجي يتدخل في حرية المنظمة النقابية في تحديد لوائحها فبنوده تتضمن أدق التفاصيل المتعلقة بتكوين النقابة بما يمثل قيداً شديداً على حرية التكوين النقابي.
وطبقاً للمادة 17 من قانون العمل لسنة 1981 يتولى الاتحاد العام للعمال وضع نظام نموذجي للمنظمات النقابية تتأسى به في وضع لوائحها التي تصدر بقرار من الوزير المختص ويجب أن يشمل النظام الأساسي للمنظمة النقابية :
اسمها ومقرها وممثلها القانوني وأغراضها وقواعد قبول العضاء وانسحابهم من عضوية المنظمة النقابية وشروط الحصول على المزايا والخدمات التي تقدمها المنظمة النقابية وإجراءات الحرمان منها كلياً أو جزئياص والتفاصيل المالية للمنظمة مثل رسم الانضمام والاشتراك ومصادر إيرادات المنظمة ومجالات صرفها أو

استثمارها واختصاصات الجمعية العمومية للمنظمة النقابية وإجراءات انعقادها وسير اعمالها زقزاعد وإجراءات وتشكيل مجالس إدارات المنظمات النقابية واختصاصاتها وكذلك هيئة المكتب وقواعد وإجراءات اختيار المندوبين لانقابيين باللجنة النقابية واختصاصاتهم وقواعد وإجراءات التأديب النقابي للأعضاء وشروط وإجراءات الحل الاختياري للمنظمة النقابية وما يترتب على ذلك من آثار وإجراء تعديل النظام الأساسي واعتماد هذا التعديل
ويتم وضع لائحة مالية تلتزم بها المنظمات النقابية وتصدر بقرار من الوزير المختص وتتضمن نسب الاشتراك على مستويات التنظيم النقابي المختلفة.
- كما منحت القوانين العمالية وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية في مجالس إدارة التنظيمات النقابية وكذلك فإن قواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية في الجمعيات العمومية للنقابات العامة وتمثيل النقابات العامة في اتحادات العمال تصدر بقرار من وزير العمل وقد حظرت القوانين العمالية على النقابة العامة توظيف أموالها في أعمال مالية أو تجارية او صناعية أو اقتناء أوراق مالية إلا بموافقة وزير العمل وكذلك قبول الهبات أو الوصايا او التنازل عن جزء من أموالها
تضمن القرارا الجمهوري بقانون رقم 2 لسنة 1977 الصادر في 3 فبراير 1977 فرض عقوبات مشددة على من يلجأ إلى استعمال حق الإضراب أو التشجيع على استعماله فالمادة 6 و المادة 7 من القانون تنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم عمداً متفقين في ذلك أو مبتغين تحقيق غرض مشترك إذا كان من شأن هذا افضراب تهديد الاقتصاد القومي" وتنص المادة الثامنة على أن يعاقب بالشغال الشاقة المؤبدة كل من دبر أو شارك في تجمهر او اعتصام من شأنه أن يعرض السلم العام للخطر.
- كما تدخلت السلطة من خلال الإبطال القضائي لقرارات مجلس النقابة والجمعية العمومية (م 51) والذي ظل قائما حتى عام 1970 حينما صدر القانون 76 لسنة 1970 والذي احتفظ بحق السلطة في الحل الإداري لمجلس النقابة (م 64) والإبطال القضائي لقرارات الجمعية العمومية (م 62).
وتتدخل وزارة العمل في صميم اختصاصات الحركة النقابية مما يفرض نوعاً من الوصاية الإدارية عليها وقد استحدثت السلطة السياسية أثناء فترة حكم السادات ألية الدمج بين منصب وزير العمل ورئيس الاتحاد العام للعمال لضمان مزيد من السيطرة على النقابات والحركة العمالية وكان أول من تقلد المنصبين عبداللطيف بلطية وقد اختاره الرئيس السادات لتولي وزارة العمل عقب حركة التصحيح 1971 ثم صلاح غريب (1971 – 1976) وسعد محمد أحمد (1976- 1984 ).
- ويمكن تتبع الصياغة التوحدية للنظام إلى عام 1953 متمثلة في هيئة التحرير 1953- 1958 ثم الاتحاد القومي 1958 – 1961 وتوجت بقيام الاتحاد الاشتراكي 1962- 1976 وقد تم تقنين تبعية التنظيم النقابي للتنظيم السياسي الواحد بالقانون رقم 8 لعام 1958 الذي قصر حق الترشيح لعضوية

مجالس إدارات النقابات بكافة أنواعها على العضاء العاملين بالاتحاد القومي ومن بعده الاتحاد الاشتراكي وبذلك خول القانون التنظيم السياسي الواحد التدخل في الانتخابات النقابية.
ومن ناحية أخرى قامت الصياغة التوحدية للاتحاد الاشتراكي على أساس أنه يمثل تحالف قوى الشعب العامل بما يعني انتفاء الصراع الطبقي والتاكيد على عدم وجود جماعات متنافسة داخل المجتمع وعليه فإن مسالة استقلال جماعات المصالح أمر غير وارد فالاتحاد الاشتراكي يمثل السلطة الشعبية التي تقوم بالعمل القيادي والتوجيهي وبالرقابة التي يمارسها باسم الشعب بينما تقوم التنظيمات القابية بتنفيذ السياسة التي يرسمها.
وقد ظهرت آراء ودعاوى في هذه الفترة تطالب بإلغاء النقابات بدعوى انتهاء دورها في النظام الاشتراكيومن ناحية أخرى روجت السلطة السياسة لفكرة تغير وظيفة النقابة في المجتمع الاشتراكي من الدفاع عن حقوق العمال إلى المساهمة في زيادة الإنتاج وزيادة فعالية النظام الاقتصادي ومساندة النظام انطلاقاً من مقولة أنه بدخول مرحلة التحولات الاجتماعية والاقتصادية فإن النظام يقف بالكامل للدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة الأمر الذي يجعل النضال المستقل للطبقة العاملة من أجل حقوقها أمر ا غير مرغوب بل وضار جداً وقد أكد دليل التنظيم النقابي عام 1964 على أن المجتمع الاشتراكي الذي تمت إقامته يغير دور التنظيمات النقابية من النضال ضد افدارة إلى التعاون معها بهدف حل المشاكل التي تواجه العاملين وزيادة الإنتاج.
الاتحاد القومي 1958- 1961
وقد ضم الاتحاد القومي اللجنة العامة للعمل والعمال بالإقليم المصري والتي تضم:
- الرابطة القومية للعمل والعمال
- الاتحاد العام للعمال ممثلاً في مجلس إدارته ومكتب العمل والعمال بسكررتارية الاتحخاد القومي ويمثله رئيس المكتب ويعمل كمقرر للجنة ويرأس اللجنة وزير الشئون الاجتماعية والعمل .
وقد تم تقنين تبعية التنظيمات النقابية للاتحاد القومي في القانون 8 لسنة 1958 حق الترشيح للأعضاء العاملين بالاتحاد القومي.
تميزت الفترة من 1961 – 1965 بمحاولة للبحث عن الأسلوب المثل لضمان توافق توجهات النقابات مع تطورات سياسات الجماعة الحاكمة وتم العثور على هذا الحل عندما عبأ التنظيم السياسي أنصاره في النقابات لضمان وصول عناصر من التنظيم الطليعي داخل التنظيم في مجالس إدارتها وفي تقرير الميثاق الذي جعل النقابات تابعة للاتحاد الاشتراكي حيث جاء فيه طبيعي أن يكون الاتحاد الاشتراكي إطاراً يجمع في داخله كل فئات الشعب وتنظيماته المختلفة وترتيباً على ذلك فإن التنظيمات النقابية يجب أن يكون تشكيلها في إطار هذا الاتحاد الاشتراكي العربي" وهكذا استعيض عن فكرة إلغاء النقابات بسيطرة



الاتحاد الاشتراكي عليها وتأثر عبد الناصر بموقف النقابات في أزمة مارس 1954.
- كما اتخذ التدخل في شئون النقابات المهنية شكل التهديد بالإلغاء
كانت فكرة إلغاء نقابة الصحفيين وتحويلها إلى ناد التي طرحت في العامين 1979 و 1980 لم تكن موجهة إلى نقابة الصحفيين فقط بل كانت تهديداص موجهاً إلى كل النقابات المهنية خاصة نقابة المحامين وكان أول من طرح هذه الفكرة د. صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب في أول يوليو 1979 لكن تصدي نقابة الصحفيين وإصدارها بياناص يرد عليه أدى لتراجع رئيس مجلس الشعب عن تصريحه كما أكد منصور حسن وزير الدولة لرئاسة الجمهورية أنه لا مساس بنقابة الصحفيين ولا بجدول أعضائها.
وفي افتتاح جلسة مجلس الوزراء الجديد في 19 مايو 1980 أعلن السادات أنه يجب أن لا تكون نقابةالصحفيين سوى ناد كنادي القضاة ولابد أن يقدم قانون بإعادة القيد في نقابة الصحفيين لأنه لا يمكن أن تضم الصحافة وهي السلطة الرابعة وهي سلطة من سلطات الدولة أعضاء يشتمون مصر لكن مواقف نقابتي المحامين والصحفيين بافضافة إلى دور منصور حسن وزير الدولة لرئاسة الجمهورية والثقافة والإعلام أدت لإقناع السادات بالتخلي عن فكرة تحويل نقابة الصحفيين إلى ناد أو إعادة القيد في جدولها.
ومن أشكال التدخل الأخرى تجاوب مجل نقابة الصحفيين مع توجيهات السادات بضرورة معاقبة لطفي الخولي عضو مجلس النقابة الذي كان في فرنسا عما نسب إليه من انتقادات لسياساته فقرر المجلس برئاسة صلاح جلال في جلسة 26 سبتمبر 1981 إحالة الخولي إلى لجنة تأديب طبقاً لقانون النقابة لمساءلته عما أذاعه ونشره في الصحف الجنبية والعربية وتجميد عضويته في مجلس النقابة حتى انتهاء التحقيق استناداً إلى المادة 56 من الدستور التي تنص على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون والنقابات ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية"
- وقد تم التدخل في أحيان قليلة باستخدام العنف ضد نشاط النقابة كما في حالة نقابة المحامين حيث استخدمت السلطة عملاءها لمنع عقد أو إتمام بعض الندوات التي نظمتها النقابة حول القوانين المقيدة للحرية عام 1980 حيث قام عملاء السلطة باقتحام دار النقابة لمنع إقامة الندوات حول القوانين المقيدة للحريات وهو ما حدث في الندوة التي كان مقرراً عقدها في 15 فبراير 1980 وكان مدعواً فيها مصطفى مرعي شيخ المحامين وأيضاً الندوة التي كان مقرراً إقامتها في 15 مارس 1980 وكان مدعواً للحديث فيها د. وحيد رأفت كما استخدمت السلطة عملاءها أيضاً لاقتحام دار النقابة في 26 يونيو 1981 أثناء انعقاد الجمعية العمومية التي ادعت السلطة يومها أن الجمعية العمومية سحبت الثقة من مجلس النقابة.
- وجود قيود على النشاط السياسي للتنظيم أو الجماعة
حيث تم تقييد النشاط السياسي للنقابات فبالنسبة لنقابة المحامين ظلت فقرة التقييد الواردة في المادة 109 من القانون 98 لسنة 1944 ونصها: "يحظر على الجمعية العمومية ومجلس النقابة أن يشتغلا بالسياسة كما

يحظر عليهما الاشتغال بالأمور الدينية" قائمة في المرحلة الانتقالية حيث لم يلغ هذا القانون إلا عام 1957لكن استمر تقييد النشاط السياسي للنقابات بأشكال أخرى فبالنسبة لنقابة المحامين ظلت فقرة التقييد الواردة في القانون 61 لسنة 1968 وهي " يجري نشاط النقابة في إطار الاتحاد الاشتراكي العربي" قائمة إلى أن ألغي الاتحاد الاشتراكي ونفس الأمر بالنسبة لنقابة الصحفيين أما نقابة المهندسين فإن القانون رقم 89 لسنة 1946 الذي كان يحظر عليها الاشتغال بالسياسة ظل قائماً حتى عام 1974 عندما صدر القانون رقم 66 خالياً من هذا الحظر.
وبالنسبة لنقابة الصحفيين ظل القانون رقم 10 لسنة 1941 بما تضمنه من حق السلطة في حل مجلس النقابة إذا تجاوز الأغراض المنصوص عليها في القانون قائماً حتى عام 1955 وحينما ألغي هذا القانون احتفظ القانون الجديد رقم 185 لسنة 1955 بحق الحل وأضاف إليه قيداً جديداً وهو حق الإبطال القضائي لقرارات مجلس النقابة والجمعية العمومية إذا تجاوزا الأهداف المنصوص عليها في القانون.
أما نقابة المهن الهندسية فقد ظل القانون 89 لسنة 1946 بما تضمنه في مادته 66 من أن " يحظر على الجمعية العمومية ومجلس النقابة والشعب الاشتغال بالسياسة أو الأمور الدينية "قائماً دون تغيير.
وحظر القانون طبقاً للمادة 174 منه على النقابات العمالية الاشتغال بالمسائل الدينية والسياسية إضافة للنص في القرة الأخيرة من م 3 على أنه "يجري نشاط النقابة في إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكي" أما بالنسبة لنقابة المهن الهندسية فقد ظل قانونها رقم 89 لسنة 1946 قائماً طوال الفترة الناصرية بما اشتمل عليه في المادة 66 منه من حظر على الجمعية العمومية ومجلس النقابة والشعب الاشتغال بالسياسة والأمور الدينية.
- واستمر تقييد تقييد النشاط السياسي للنقابات في فترة السادات حيث نصت المادة 110 من قانون المحاماة رقم 96 لسنة 1975 على " يحظر على الجمعية العمومية ومجلس النقابة أن يشتغلا بالسياسة أو بالأمور الدينية" ومع أن القانون رقم 61 لسنة 1968 صدر خالياً من هذه المادة فإنه تضمن فقرة حظر بديلة هي الفقرة الثانية من المادة الثانية التي تنص على أنه " يجري نشاط النقابة في إطار الاتحاد الاشتراكي العربي
درجة التدخل والتنظيم والإشراف على الانتخابات الخاصة بالجماعة المصلحية من جانب الدولة
واتخذ هذا التدخل صوراً عديدة أهمها اشتراط العضوية العاملة في التنظيم السياسي الواحد فيمن برشح لعضوية محالس النقابات منذ 1958 ومساندة مرشح معين في الحملة الانتخابية مثلما حدث في انتخابات نقابة المحامين في نوفمبر 1968 وتأجيل موعد إجراء الانتخابات النقابية خلافاً للموعد الذي ينص عليه القانون مثلما حدث لنقابتي الحفيين والمهندسين في أوائل الستينات واواخرها ومد مدة مجالس النقابات


عن طريق القانون بإصدار القانون 65 لسنة 1970 الذي يقضي بزيادة مدة الدورة النقابية لمجلس نقابة المحامين إلى أربع سنوات وتطبيق ذلك على المجلس القائم آنذاك.
فقد سعت السلطة السياسية في كافة المراحل للسيطرة على الحركةالعمالية وإدماجها وذلك من خلال اشتراط عضوية التنظيم السياسي الواحد للمرشحين للانتخابات النقابية بما يضمن عدم وصول عناصر معارضة إلى مجالس إدارات المنظمات النقابية وورد هذا القيد في القانون رقم 8 لعام 1958 الذي نص على قصر حق وظل هذا القيد سارياً في عهد الاتحاد الاشتراكي حتى عام 1975 إذ صدر القانون رقم 16 لسنة 1975 الذي ألغى شرط العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكي للترشيح لعضوية مجالس إدارات التنظيمات النقابية فقد نصت مادته الأولى على " أن للمواطنين من غير الأعضاء العاملين في الاتحاد الاشتراكي العربي الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب والمجالس الشعبية وجلس النقابات المهنية والعمالية ومجالس اتحاداتها ومجالس إدارة زحدات القطاع العام والشركات المساهمة ... وغيرها من التنظيمات الشعبية والجماهيرية" بيد أن التظيم النقابي لم يهنأ بذلك إلا ثلاث سنوات إذ بصدور القانون 33 لعام 1978 أصبح للمدعي العام الاشتراكي حق الاعتراض على المرشحين للتنظيمات النقابية فحل المدعي الاشتراكي محل الاتحاد الاشتراكي ومع استمرار حق اعتراض المدعي العام الاشتراكي على المرشحين للنقابات فإن هذا الاعتراض لم يكن ملزماً لمجالس النقابات التي تملك سلطة الإشراف على الانتخابات وهو ما يتضح من نص الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من قانون المدعي الاشتراكي حيث للمدعي أن يعترض بتقرير مسبب بناء على تحقيق مسبب بناء على تحقيق يجريه المدعي العام الاشتراكي ويبلغ التقرير إلى المرشح وإلى الجهة التي تتلقى طلبات الترشيح قبل موعد إجراء الانتخابات بخمسة عشر يوماً على الأقل وتحدد الجهة ذات الشأن قراراها في هذا الاعتراض وبالإضافة لهذا فإن قرار الاعتراض على الترشيح كان يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري باعتباره قراراً إدارياً لكن قانون حماية القيم من العيب رقم 95 لسنة 1980 الصادر في مايو 1980 جعل اعتراض المدعي العام الاشتراكي ملزماً ولا يجيز الطعن فيه إلا أمام محكمةالقيم التي يشترك في تشكيلها عناصر غير قضائية.
ومن ناحية أخرى نص القانون 33 لسنة 1978 في المادة الثالثة منه أنه لا يجوز أن برشح لعضوية المجالس المحلية أو الجمعيات التعاونية أو مجالس إدارات النقابات العمالية أو المهنية أو اتحاداتها أو الهيئات أو مجالس إدارة الشركات المساهمة أو المؤسسات الصحفية كل من يدعو إلى أو يشترك في الدعوة إلى مذاهب تنطوي على إنكار الشرائع السماوية أو تتنافى مع أحكامها مما تحظره المادتان 89 والمادة 174 من قانون العقوبات.
- تقييد سلطة النقابة على جدولها
ويظهر هذا في نقابة الصحفيين حيث استحدث القانون 185 اسنة 1955 مادة تعطي لوزارة الإرشاد القومي دوراً في عملية القيد بجداول النقابة وهي المادة 14 التي تنص على "ترسل لجنة القيد قبل كل انعقاد

لها بوقت كاف بياناً بأسماء طالتبي القيد إلى مجلس النقابة ووزارة الإرشاد القومي لإبداء الرأي فيها خلال أسبوع من تاريخ وصول البيان إليها فإذا لم تبد الجهتان المذكورتان رأيهما خلال المدة المذكورة جاز للجنة أن تبت في الطلب" فضلاً عن ذلك نص هذا القانون على إعادة القيد في الجدول وقصر العضوية على المحررين دون أصحاب الصحف.
أما في نقابة الصحفيين فإن القانون 156 لسنة 1960 بشأن تنظيم الصحافة أصبح العمل في الصحافة ومن ثم القيد في نقابة الصحفيين متوقفاً على موافقة التنظيم السياسي (الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي) وقد احتفظ القانون 76 لسنة 1970 بهذا القيد في مادته رقم 65.
وإثر صدور القرار الجمهوري بقانون رقم 156 لسنة 1960 بتنظيم الصحافة الذي تضمن تأميم الصحافة اتصل صلاح سالم نقيب الصحفيين بالمشرف العام على الاتحاد القومي كما الدين حسين الذي أكد له إن شرط موافقة الاتحاد القومي على العمل في الصحافة هو شرط لاحق للقبول في النقابة وليس سابقاً عليه إلا أن مدير عام مصلحة الاستعلامات سعد عفرة أرسل خطاباً لمجلس النقابة يتضمن ضرورة حصول طالبي القيد على ترخيص من الاتحاد القومي وإرفاقه بطلباتهم كشرط للبت في هذه الطلبات وقد أقر مجلس النقابة هذا الخطاب وقرر أن يعبر ممثل مصلحة الاستعلامات في لجنة القيد عن رأي الاتحاد القومي.

وقد طبق هذا الأسلوب على نقابة الصحفيين مرة أخرى من خلال القانون رقم 76 لسنة 1970 الذي يجعل العمل في الصحافة رهناً بموافقة الاتحاد الاشتراكي بمقتضى المادة 65 منه ما زال قائماً ومع إلغاء الاتحاد الاشتراكي حل المجلس الأعلى للصحافة محله في هذا الشأن طبقاً للمادة 44 من القانون 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة.
- التدخل من خلال مساندة مرشح ضد آخر في الحملة الانتخابية كما حدث في انتخابات نقابة المحامين في نوفمبر 1966 حيث ألقى الاتحاد الاشتراكي بثقله في الحملة الانتخابية إلى جانب أحمد الخواجة ضد المنافس الرئيسي له مصطفى البرادعي فمثلاً نشرت الصحف تصريحاً لأمين العاصمة في الاتحاد الاشتراكي قال فيه إن التنظيم السياسي وهو يخوض معركة نقيب المحامين اليوم بمرشح معين لم يشأ أن يباشر حقه في الاعتراض على بقية المرشحين للمنصب ثقة منه في ثورية واشتراكية المحامين كما أدلى فاروق غلاب أمين المهنيين في الاتحاد الاشتراكي بحديث إلى جريدة الجمهورية (25/11/1966) أثنى فيه على أحمد الخواجة وهاجم مصطفى البرادعي.
وتكرر هذا الأسلوب في نقابة الصحفيين في مارس 1981 حيث ألقت السلطة بثقلها في الحملة الانتخابية إلى جانب مرشحها صلاح جلال ضد المرشح الرئيسي المعارض كامل زهيري مما أدى لفوز صلاح جلال بأغلبية 631 صوتاص مقابل 339 صوتاًً حصل عليها كامل الزهيري و 233 صوتاً لجلال الدين الحمامصي


- الأسلوب الثالث تأجيل موعد الانتخابات خلافاً لما ينص عليه القانون فطبقاً لقانون نقابتي الصحفيين والمهن الهندسية كان مقرراً أن تجري انتخاباتهما السنوية في ديسمبر 1961 لكن في 16 نوفمبر 1961 صدر القرار الجمهوري بقانون رقم 174 لسنة 1961 ناصاً على أن " توقف إجراءات الانتخابات بالنسبة لمجالس إدارة النقابات المهنية وتشكيلاتها المختلفة وذلك لغاية31/12/ 1961 ويلغى ما يكون قد اتخذ من إجراءات في هذا الشان وتستمر المجالس والتشكيلات الحالية لهذه النقابات في مباشرة أعمالها " لكن الانتخابات لم تتأجل خلال شهر ديسمبر فقط كما في نص القرار الجمهوري نظراً للاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية) بل تأجلت أكثر من عامين بالنسبة لنقابة الصحفيين وأكثر من عام بالنسبة لنقابة المهن الهندسية فانتخابات نقابة الصحفيين التي كان مقرراً إجراؤها في ديسمبر 1961 لم تجر إلا في مايو 1964 وانتخابات نقابة المهن الهندسية لم تجر إلا في يناير 1963.
وهذا التأجيل الذي تقرر بالاتفاق بين أمانة المهنيين في الاتحاد الاشتراكي وبين مجلس النقابتين المذكورتين سببه الحقيقي رغبة السلطة في بقاء مجلس النقابتين أطول فترة ممكنة نظراً لشدة ولائهما لها حيث كان نقيب الصحفيين حسين فهمي ونقيب المهندسين أحمد على كمال ومما يؤكد هذا أن التأخير لم ينطبق على نقابة المحامين التي تمت انتخاباتها في أكتوبر 1962 فتأجلت 4 شهور فقط لأن نقيب المحامين وقتها كان مصطفى البرادعي
المرة الثانية التي تأجلت فيها الانتخابات النقابية خلافاً للقانون كان بالنسبة لانتخابات نقابتي الصحفيين و نقابة المهن الهندسية عامي 1969 و 1970 وفقاً لقرار أمانة المهنيين في الاتحاد الاشتراكي فللم تجر الانتخابات إلا في يونيو 1971 بالنسبة لنقابة الصحفيين لإبقاء مجلس النقابة آنذاك كامل الزهيري أطول فترة ممكنة وبالنسبة لنقابة المهن الهندسية تأجلت الانتخابات من ديسمبر 1970 إلى أجل غير مسمى ولم يتم إجراؤها إلا في يونيو 1971 والسبب في هذا أن نقيب المهندسن كان علي زين العابدين وزير النقل.
-ا لأسلوب الرابع للتدخل في الانتخابات النقابية هو مد مدة المجالس النقابية عن طريق القانون
فتمت إطالة مدة الدورة النقابية من عامين طبقاً للقانون 91 لعام 1959 والمعدل بالقانون 62 لعام 1964 غلى ثلاث سنوات طيقاً للقانون 35 لعام 1976 ثم أربع سنوات في القانون 1 لعام 1981 والسبب وراء إطالة مدة الدورة النقابية استمرار القيادات النقابية الموجودة بحكم قربها من صانعي القرار.
وفي نقابة المحامين رفع القانون 15 لسنة 1970 مدة الدورة النقابية لأربع سنوات بدلاً من ثلاث وطبق بأثر جعي برغم مخالفة هذا لمبدأ عدم رجعية القوانين وعدم جواز استمرار مجلس النقابة أكثر من المدة التي انتخب على أساسها فنص هذا القانون في المادة الخامسة منه على أن " يستمر للمدة المنصوص عليها في هذا القانون المجلس الحالي لنقابة المحامين " ولعل وجود أحمد الخواجة رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الأمة وعضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي نقيباً للمحامين يفسر هذا.


وبالنسبة للنقابات العمالية يلاحظ أنه لم تجر أية انتخابات في الفترة من 1964 – 1976
تسجيل الجماعة المصلحية والمعرفة التفصيلية بأنشطتها.
خولت القوانين العمالية وزارة العمل عدداً من الصلاحيات على التنظيم النقابي تدور حول:
- إيداع الوثائق الخاصة بإقامة المنظمة النقابية حيث نصت المادة 13 من القانون 319 لعام 1952 والمادة 165 من القانون 91 لسنة 1959 والمادة 63 من القانون 35 لعام 1976 على عدد من الأوراق التي تيتم إيداعها وزارة العمل وما تشمله هذه الوراق من بيانات عن أعضاء المنظمة النقابية وبمقتضى هذه المواد لا يجوز للنقابة العامة أن تباشر أعمالها إلا بعد إيداع الوراق المذكورة فضلاً عن إيداع كل تعديل يطرأ على نظامها الأساسي وقد أضاف القانون 1 لعام 1981 مادة تطالب بتقديم بيان بعدد اللجان النقابية التابعة للنقابة العامة وأسماءها ومحاضر تشكيلها وعدد النقابات العامة المنضمة للاتحاد العام لنقابات العمال وأسمائها ومحاضر تشكيلها.
وبالنسبة لعقد الاجتماعات نصت المادة 21 من القانون319 لعام 1952 على أنه يجب أن يسبق كل اجتماع للجمعيات العمومية للنقابات واتحاداتها إخطار يرسل إلى مدير مكتب العمل الواقع في دائرة اختصاصه مقر الاجتماع واستمر الوضع في ظل القوانين العمالية التالية
و قد حرص التنظيم السياسي الواحد على معرفة شئون الجماعات المصلحية فمثلاً كانت اللجنة التحضيرية لاتحاد عمال مصر تعقد اجتماعاتها دون تدخل من مكتب العمال بهيئة التحرير(1953 – 1958)و الذي كان يرأسه الضابط أحمد عبدالله طعيمة الذي أصر بعد أزمة مارس 1954 على أن يمثله مندوب خاص في جميع جلسات المؤتمر المر الذي رفضه أسعد راجح أمين عام المؤتمر الدائم لنقابات عمال مصر واستقال وحل محله محمد فتحي كامل وهكذا بدا أن مجلس قيادة الثورة قرر من البداية السيطرة على الحركة العمالية والتدخل في كافة شئونها خاصة بعد أحداث كفر الدوار بما لا يسمح لها باتخاذ أي موقف مستقل أو مناوئ مستقبلاً.
أساليب إدماج المنظمات النقابية
لجأت السلطة السياسية لبعض أساليب المنح والإغراء ممثلة في مشاركة الحركة العمالية في السلطة التشريعية أو شغل بعض أعضاء التنظيم النقابي لبعض المناصب القيادية في السلطة التشريعية كما تم استحداث النص في القانون 35 لسنة 1976 على مشاركة التنظيم النقابي في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشروعات القوانين خاصة المتصلة بشئون العمل والعمال لكن الممارسة الواقعية أثبتت مدى تواضع وعدم فاعلية هذه المشاركة.



أحجم الاتحاد العام لنقبات عمال مصر على الاعتراض بصورة رسمية على نظام المدعي الاشتراكي حتى عام 1983 أي بعد مرور 5 سنوات علىتطبيق النظام وبعد تغير القيادة السياسية ويفسر هذا بحرص الاتحاد العام للعمال على تجنب خدوث صدام مباشر بينه وبين القيادة السياسية
في الشهور القليلة بعد الثورة تم إلغاء بعض القوانين التي كانت نقابة المحامين قد اعترضت على إصدارها وصدرت بعض القوانين التي كانت النقابة قد طالبت لها قبل الثورة فصدر القانون 115 لسنة 1952 قاضياً بإلغاء بعض الحكام الخاصة بمجلس الدولة التي تضمنها القانون رقم 6 لسنة 1952 الذي سبق أن عارضته نقابة المحامين لمساسه باستقلال المجلس وإخضاعه لسيطرة وزارة العدل وصدر القانون 128 لسنة 1852 في 2 أغسطس 1952 بإلغاء المرسوم 64 لسنة 1952 الذي تضمن حصانة قرارات سلطة الأحكام العرفية ضد رقابة القضاء الإداري
لم تستجب السلطة لمطلب إصدار قانون جديد للمحاماة إلا عندما جاء أحمد الخواجة على قمة النقابة في نوفمبر 1966 حيث صدر قرار حمهوري بقانون رقم 61 لسنة 1968 متضمناً معظم ما طالب به مجلس النقابة برئاسة الخواجة خاصة ما تضمنه من منح النقابة حق القيام بدور سياسي له أبعاد متعددة وتحقيق مبدأ ان النقابة سيدة جدولها وإعطاء النقابة حق وضع لائحتها الداخلية دونما حاجة إلى موافقة أو إصدار جهة أخرى لها.
ومن أساليب المنع عدم الاستجابة لبعض المطالب النقابية والمهنية فبالنسبة لنقابة المحامين لم تتم الاستجابة لمطلبها بتعديل قانونها أو إصدار قانون جديد سوى عام 1957 ولم يستجب لمطلبها بتعديل قانونها أو إصدار قانون جديد سوى عام 1957 أي بعد انتهاء المرحلةى الانتقالية ولم يستجب لمطلب النقابة بأخذ رأيها بشأن مستقبل المحامين أمام المحاكم الشرعية.
بالنسبة لنقابة الصحفيين جاء القانون 185 لسنة 1955 غير محقق لمطالب أصحاب الصحف الأعضاء في مجلس النقابة حيث أخرجهم من عضويتها كما لم تستجب السلطة لمطلب زيادة دمغة صندوق المعاشات والإعانات.
وبالنسبة لنقابة المهن الهندية لم تستجب السلطة لمطلبها بصرف بدل تفرغ للمهندسين ومطلب إصدار قانون بمنح مجلس النقابة سلطة إبرام عقود العمل المشتركة.
وبالنسبة للنقابات جميعها لجأت السلطة إما إلى وقف صرف الإعانة السنوية لصناديق المعاشات والإعانات أو إلى تخفيضها
ومن أساليب المنع أيضاً عدم الاستجابة لبعض المطالب النقابية فلم تستجب السلطة لمشروع نقابة المحامين بتعديل قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 كما قامت السلطة بنقل عدد كبير من الصحفيين



إلى أعمال غير صحفية أعوام 1972 و 1973 و 1981 كما كان قرار رئيس الاتحاد الاشتراكي بتحديد حد اقصى 10 آلاف جنيه كنسبة 1 % من حصيلة الإعلانات لكل مؤسسة صحفية على خلاف ما طالبت به النقابة فضلاً عن تأخر المؤسسات الصحفية عن سداد جزء كبير من هذه النسبة وبالنسبة لنقابة المهندسين لم تتم الاستجابة لمطلب إصدار قانون جديد لها سوى عام 1974 ومطلب إلغاء نظام التكليف سوى عام 1976.
عدم الاستجابة لبعض المطالب النقابية والمهنية نقابة المحامين لم تتم الاستجابة لمطلب إصدار قانون جديد لها إلا عام 1968 وتوقفت الحكومة عن دفع إعانتها السنوية لصندوق معاشات وإعانات المحامين منذ عام 1957 ولم توفر له مصدر تمويلي بديل إلا عام 1963.
وبالنسبة لنقابة الصحفيين لم تستجب السلطة لمطلب إصدار قانون جديد لها سوى عام 1970 بالقانون رقم 76 لسنة 1970 كما أن هذا القانون جاء مختلفاً في بعض مواده عن المشروع الذي أعده مجلس النقابة خاصة حرص السلطة على جعل تحديد النسبة المئوية من حصيلة الإعلانات التي تؤؤل إلى صندوق المعاشات والإعانات متوقفة على قرار من رئيس الاتحاد الاشتراكي.
أما نقابة المهن الهندسية فلم تستجب السلطة للمطلب الخاص بتعديل قانون توجيه أعمال الهدم والبناء وتوقفت في الفترة من 1959 – 1963 عن صرف الإعانة السنوية لصندوق المعاشات والإعانات ولم تستجب لمطلب تعديل أو إلغاء نظام التكليف.
خاتمة:
يتضح من العرض السابق أن مفهوم توحدية الدولة في العديد من أبعاده على النظام السياسي المصري في الفترة من 1952- 1981 ليس كمجرد تعبير عن الطابع الشخصي للسياسة بقدر ما مثلت التوحدية أداة لحل إشكالية التناقض بين تحقيق الشرعية وتحقيق التراكم الرأسمالي المتطلب لعملية التنمية لكن الاختلاف الأساس الاجتماعي للنظام في الفترتين من 1952-1981و في الفترة من 1970- 1981 ومن ثم اتجاه الإنمائي هو ما أدى لاختلاف الطبيعة التوحدية للنظام فكان أقرب للتوحدية الشعبوية أو الإدماجية في الفترة الأولى وفي الفترة الثانية كان أقرب للتوحدية المحافظة وكان اتجاه النظام لسياسات المنح والاستمالة في الفترة الأولى أكبر من الفترة الثانية التي كان اتجاهه أكبر لسياسات المنع والترهيب وإن لم يختلف الأمر في حالة الأزمات التي واجهها النظام في 1954 و 1981 .
ومن ناحية أخرى فقد كانت ثمة اختلافات تعود إلى طبيعة التنظيمات المصلحية نفسها فكانت النقابات المهنية أكثر تطلعاً للتأثير على صنع القرار وأكثر ممانعة لسياسات المنع والترهيب لكن دور النقابات على أختلاف أنواعها ظل محكوماً بالإطار التوحدي حتى عندما برزت أشكال جديدة من التنظيمات المصلحية استفادت من مناخ الانفراج والتعددية وتمتعت بقدر كبير من الاستقلالية إزاء الدولة بل وسعت للمشاركة بفعالية في عملية صنع القرار في حين ظلت النقابات العمالية والمهنية أسيرة إطارها القانوني والتنظيمي.


المراجع:
معاجم وموسوعات:
الكيالي ،عبد الوهاب ،الموسوعة السياسية، الجزء الأول (بيروت: الدار العربية)
صليبا ،جميل ، المعجم الفلسفي الجزء الاول (بيروت: دار الكتاب اللبناني،1971).
المعجم الفلسفي المختصر، (موسكو: دار التقدم، 1986).
كتب
ابو حلاوة، كريم، اشكالية مفهوم المجتمع المدني،( دمشق: دار الاهالي ، 1998).
جاد رضوان وفاروق خليل، أحكام النقابات العمالية في التشريع المصري، (القاهرة:د.ن.،1988)
درويش، إبراهيم، النظام السياسي، ط 4 (القاهرة : دار النهضة العربية، 1978).
الخطيب، محمد فتح الله، دراسات في الحكومات المقارنة ، ط 4، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1978).
السيد، مصطفى كامل ، المجتمع والسياسة في مصر : دور جماعات المصالح في النظام السياسي المصري 1952 – 1981 (القاهرة دار دار المستقبل العربي ،1983) .
شفيق، أمينة ، الطبقة العاملة المصرية : النشأة، التطور النضالات، (القاهرة: حزب التجمع، .
المغربي، محمد زاهي ، قراءات في السياسية المقارنة، ( بنغازي: منشورات جامعة قار يونس، 1998) .
المنوفي ، كمال، أصول النظم السياسية المقارنة، ط 1 (الكويت: الربيعان للنشر والتوزيع،1987) .
مسعد، نيفين عبدالمنعم، العالمية والخصوصية في دراسة المنطقة العربي، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1991).
كتب مترجمة:
ألموند، جابرييل وباول، وينجهام، السياسة المقارنة ترجمة أحمد علي عناني، (القاهرة: مكتبة الوعي العربي،د.ت.)
بحوث ودوريات
د.بدرالدين ، إكرام ، التوحدية: دراسة للجماعات المصلحية في تطورها المعاصر، سلسلة بحوث سياسية، رقم 36 ( القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1990)
عامر حسن فياض، صيرورة التعددية السياسية في تاريخ العراق الحديث، مجلة دراسات عربية، بيروت، العدد 3/ 4 شباط 1994.
عباس ، محمود ، النقابات العمالية المصري: رؤية ثورية، سلسلة كراسات اشتراكية، القاهرة: 2002
محمد نور فرحات ، التعددية السياسية في العالم العربي : الواقع والتحديات، مجلة الوحدة، العدد 91 أبريل
رسائل علمية:
رومان، هويدا عدلي، الدور السياسي للحركة العمالية في مصر 1952-1981 ،رسالة ماجستير غير منشورة(القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،1990).
عبد المنعم، أحمد فارس ، جماعات المصالح والسلطة السياسة في مصر: دراسة حالة نقابات المحامين والصحفيين والمهندسين في الفترة من 1952-1981، رسالة دكتوراة غير منشورة، (القاهرة: كلية الاقتصاد ، 1984).
مراجع أخرى:
محمد جمال عرفة،نقابة الصحفيين.. مؤشر للحريات في مصر ، www.Islamonline.net

References:

Dictionaries and Encyclopedia
The oxford English Dictionary, Vol. XI, (Oxford: Clarendon Press, 1989
Bealey, Frank W., Blackwell Dictionary of Political Science (Oxford: Blackwell Publisher LTD, 1999)
International Encyclopedia of Social science vol. 7, The Macmillan Company and The Free Press, 1968
Encyclopedia Britannica
Miller, David, Blackwell Encyclopedia of Political Thought, (London: Blackwell Publishing LTD, 1994)
Books
Ball R. Allan, Modern Politics and Government, (London: The Macmillan Press LTD, 1977)
[1] Bianchi, R., Interest Group and Political development in Turkey, (N.Y.: Princeton University Press, 1984),
Duverger, Maurice, Party Politics and Pressure Groups (N.Y.: Crowell, 1972) .
Janiski, Alford, Hicks Shwartz, (Eds.), A Handbook of Political Sociology: State, Civil Societies and Globalization, (N.Y.: Cambridge University Press, 2003).
Julius Nyangoro and Timotyhey Shaw (Eds.,) Corporatism in Africa, (London: WestView Press, 1989).

Kuper, Adam And Jessica (Eds.), The Social science Encyclopedia, (London: Routledge. 1996).

Macridis, R., Modern Political Regimes: Patterns and Institutions, (Boston: Brandeis University, Little Brown &co., 1986).

Waterbury, John, and Gellner , Ernest , Patrons and clients in The Mediterranean Societies, (London: DukeWorth, 1977)
Young , c., The politics of cultural pluralism , wisconis the university of Wisconsin Press 1996
Wiarda Howard J., Corporatism and Comparative Politics: The other Great Isms,(N.Y. ME sharpe, Inc, 1977

Other Reverences:

Corporatism in: http://en.wikipedia.org/wiki/Corporatism

Wiarda, Howard J., Is Civil Society Exportable? The American Model and The Third World, None Profit sector research Fund Working Paper Series, Spring 2002. Available on
http://www.nonprofitresearch.org/usr_doc/Wiarda_Working_Paper.pdf












div align="

15 Comments:

Post a Comment

<< Home