حقوق الإنسان بين الصكوك الدولية والتشريعات المصرية 1من 2
1) الحق في الحرية والأمان الشخصى
أ- الاعتقال
إن حرية الإنسان وأمنه على ذاته هي مناط الكرامة الإنسانية التي توافرت العهود والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان على ضمان احترامها وحفظها باعتبارها أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي لابد من تأمينها للتمتع بغيرها من الحقوق، وهو ما يظهر من استقراء هذه العهود والإعلانات والمواثيق التي تواترت على تقرير الحق في الحرية والأمان الشخصي حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 9 منه على أنه " لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً".
كما يضمن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية توفير هذا الحق بشكل مفصل ومحكم حيث نص في مادته التاسعة على:
"1- لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون، وطبقاً للإجراء المقرر فيه.
2- يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه.
3- يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.
4- لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.
5- لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.
وكفل الدستور المصري ضمان توفير هذه الحرية في المادة (41) منه والتي نص فيها على : "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لايجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي."
ووضعت المادة (71) من الدستور ضمانات وحقوقاً للأفراد في حال القبض عليهم أو اعتقالهم فنصت على أنه " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فوراً ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظمه القانون ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته الشخصية، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة، وإلا وجب الإفراج حتماً".
وعلى الرغم من أن بعض المواثيق والعهود الدولية أقرت حق الدول في تقييد ممارسة بعض الحقوق والحريات غير الأساسية _ والتي ليس من بينها الحق في الحرية والحياة الخاصة والآمنة¬- في حالة الطوارئ والأزمات إلا أن الأعراف الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان استقرت على وضع عدد من القيود والمبادئ التي تحكم سلوك الدول في حالات الخطر والطوارئ؛ ومنها:
- يجب أن تهدف التدابير الاستثنائية أو الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول في حالات الطوارئ إلى تخفيض أو إلغاء الأوضاع الخطرة التي تهدد حياة الأمة.
- يجب أن تفشل الإجراءات المتبعة في الأوقات العادية في مواجهة الأوضاع الخطرة.
- أن تكون هناك تدابير طوارئ أخرى ذات أثر أقل على حقوق الإنسان وقادرة على حل المشكلة المعنية.
- لا ينبغي أن تمارس تدابير الطوارئ تمييزاً يقوم على الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل الاجتماعي.
وقد خالف المشرع المصري هذه التوجهات والمبادئ العامة عند سنه ووضعه لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة1958 الذي يتعارض بشكل واضح مع القيود الدستورية والقانونية الداخلية والالتزامات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بل ويتعارض مع آراء عدد من فقهاء القانون في مصر ومنهم د.أحمد فتحي سرور الذي يتولى سلطة التشريع (رئيس مجلس الشعب الحالي) في كتابه" الشرعية والإجراءات الجنائية" طبعة 1977 ص. 258؛ حيث قال "إن الدستور قد عني صراحة بمعالجة حالتين سمح فيهما استثناء للسلطة التنفيذية بأن تمارس بعض اختصاصات السلطة التشريعية وهي المادة (74) التي تمنح لرئيس الجمهورية سلطة اتخاذ كافة الإجراءات السريعة لمواجهة الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، والمادة (108) التي أجازت تفويض رئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بأغلبية ثلثي مجلس الشعب في إصدار قرارات لها قوة القانون ولو أراد المشرع الدستوري التحلل من بعض نصوص الدستور في حالة الطوارئ لحدد نطاق التحلل وضمانته على النحو الذي بينه في المادتين (74)،(108) سالفتي الذكر وإن القرار بقانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ قد خالف الدستور فيما جاء به من نصوص خولت رئيس الجمهورية إصدار أوامر مما تدخل في اختصاص السلطة التشريعية وهي الجرائم والعقوبات والإجراءات الجنائية".
وبصرف النظر عن المبدأ العام السابق بشأن عدم دستورية قانون الطوارئ، فإنه من المفيد استعراض نصوص ومواد القانون والضمانات التي يقدمها لحفظ وصون حقوق الأفراد ومدى التزام السلطات المختصة بضوابط العمل عند تنفيذه، وذلك على النحو التالي:
أولاً: اعتبرت المادة الأولى من القانون إعلان العمل بحالة الطوارئ من أعمال السيادة ومؤدى ذلك امتناع المطالبة قضائياً بإلغائها أو التعويض عنها، ولايجوز فحص مشروعيتها بطريق مباشر أو غير مباشر فيما يتعلق بإعلانها أو بشروط إعلانها أو التدابير الصادرة من سلطات الطوارئ مما يعني أنه لا تتوافر أي رقابة قضائية على إعلان العمل بحالة الطوارئ.
ثانياً: خولت المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 لسلطة الطوارئ اتخاذ عدة تدابير استثنائية، وأوردت في المادة الثالثة ستة تدابير على سبيل التمثيل لا الحصر، ومن ثم يكون لرئيس الجمهورية ولمن ينوب عنه سلطة تقديرية لا تقف عند حد هذه التدابير؛ ومنها:
- وضع قيود على حرية الشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن العام والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وسلطة الأمر بمراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات وكافة وسائل التعبير وضبطها ومصادرتها وتعطيلها.
وقد صدر أمر رئيس الجمهورية رقم (4) لسنة 1982 بتفويض وزير الداخلية في اتخاذ التدابير المنصوص عليها في البند من المادة الثالثة، وبالتالي أصبح من سلطة وزير الداخلية ومكنته أن يصادر تلك الحقوق الأساسية الخاصة بالحرية الشخصية، وحرمة المساكن، وحرية الإقامة والتنقل، وحرية الاجتماع، وحرمة حياة المواطنين الخاصة ومراسلاتهم وبرقياتهم ومحادثاتهم التليفونية، وحرية الرأي والنشر، وحرية البحث العلمي والأدبي والفني، وذلك دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وهو ما يسمح بالافتئات على حرية المواطنين. ومازال هذا التفويض الصادر لوزير الداخلية بصفته سارياً حتى الآن دون أن يخل ذلك بحق رئيس الجمهورية في استعمال تلك السلطات المخولة له أصلاً بموجب القانون، ورئيس الوزراء مفوض أيضاً في كافة اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في قانون حالة الطوارئ بموجب أمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1987.
كما أضاف قانون حالة الطوارئ في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة أنه " يجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في الفقرة السابقة على أن يعرض هذا القرار على مجلس الشعب في المواعيد وطبقاً للأحكام المنصوص عليها في المادة السابقة"
ويعد هذا التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية في توسيع دائرة السلطات المفوضة لسلطة الطوارئ تهديداً خطيراً لمبدأ سيادة القانون واعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية. كما أن ما ورد في المادة من ضرورة عرض الأمر على مجلس الشعب في المواعيد المنصوص عليها في المادة الثانية لا يحقق ضمانة في ظل انعدام أي رقابة برلمانية فعالة على الحكومة في الوقت الحاضر، كما أنه يجوز لرئيس الجمهورية توسيع دائرة التدابير المبينة أثناء انحلال المجلس.
ثالثاً: تضمن قانون الطوارئ نذراً قليلاً من الحقوق للمعتقلين عند إلقاء القبض عليهم أو في التظلم من قرار اعتقالهم ،حيث نصت المادة (3 مكرر) على أن "يبلغ فوراً كتابة كل من يقبض عليه أو يعتقل وفقاً للمادة السابقة بأسباب القبض عليه واعتقاله ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ويعامل المعتقل معاملة المحبوس احتياطياً". وللمعتقل وغيره من ذوي الشأن أن يتظلم من القبض أوالاعتقال إذا انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه ويكون التظلم بطلب يقدم بدون رسوم إلى محكمة أمن الدولة المشكلة وفقاً لأحكام هذا القانون".
وتفصل المحكمة في التظلم بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم التظلم وذلك بعد سماع أقوال المقبوض عليه أو المعتقل وإلا يتعين الإفراج عنه فوراً.
ولوزير الداخلية في حالة صدور قرار الإفراج أو في حالة عدم الفصل في الموعد المحدد المنصوص عليه في الفقرة السابقة أن يطعن على قرار الإفراج خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور القرار أو انقضاء الموعد المشار إليه.
فإذا طعن وزير الداخلية على القرار أحيل الطعن إلى دائرة أخرى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإحالة وإلا وجب الإفراج عن المعتقل فوراً ويكون قرار المحكمة في هذه الحالة واجب النفاذ.
وفي جميع الأحوال يكون لمن رفض تظلمه الحق في أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ رفض التظلم".
ومؤدى نص المادة الآنفة البيان أن من يقبض عليه أو يعتقل وفقاً لقانون الطوارئ تكون له الحقوق التالية:
1- يبلغ فوراً كتابة بأسباب القبض عليه أو اعتقاله. وإبلاغ من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض أو الاعتقال يعد إجراءاً جوهرياً من الإجراءات الجنائية التي تتصل بحقوق الإنسان وحريته وهي على هذا النحو يعد أمراً يتعلق بالنظام العام بل أنها تعلو عليه باعتبارها أمراً يمس حرية الإنسان. وقد وضع القانون هذا التبليغ الكتابي كضمانة من الضمانات لا يجوز إهدارها تحت أي ظرف من الظروف إذ أن الإخلال بهذه الضمانة يعد افتئاتاً على حرية المعتقل وعدواناً عليه يجب درؤه.
2- يرخص له في الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع.
3- أن يستعين بمحام ومقابلته على انفراد في السجن بشرط الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة 4- أن يعامل معاملة المحبوس احتياطياً. وقد نصت المادة (1 مكرر) من قرار رئيس الجمهورية رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون على أن: " يودع كل من حجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه في أحد السجون المبينة في هذا القانون أو أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية وتسري عليها جميع الأحكام الواردة في هذا القانون على أن يكون حق الدخول فيها للتفتيش للنائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.
وتبرز أهمية وجوب معاملة المعتقل معاملة المحبوس احتياطياً حسبما تضمنه قانون السجون آنف البيان واللائحة الداخلية للسجون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم (79) لسنة 1961 من استعراض المزايا المقررة للمحبوس احتياطياً والمتمثلة فيما يلي:
أ- يقيم المحبوسون احتياطياً في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين، ويجوز التصريح للمحبوس احتياطياً بالإقامة في غرف مؤثثة وذلك في حدود ما تسمح به أماكن المهمات بالسجن (م/ 14 من قانون السجون).
ب- للمحبوسين احتياطياً الحق في ارتداء ملابسهم الخاصة؛ وذلك ما لم تقرر إدارة السجن مراعاة للصحة والنظافة أو لصالح الأمن أن يرتدوا الملابس المقررة لغيرهم من المسجونين. (م/15 من قانون السجن).
جـ - يجوز للمحبوسين احتياطياً استحضار ما يلزمهم من الغذاء من خارج السجن أو شرائه من السجن بالثمن المحدد له، فإن لم يرغبوا في ذلك أو لم يستطيعوا صرف لهم الغذاء المقرر (م/16 من قانون السجن)
د- للمحبوسين احتياطياً الراغبين في مواصلة الدراسة الحق في تأدية الامتحانات الخاصة بها في مقار اللجان (م 13 من قانون السجون).
هـ - لايجوز تشغيل المحبوسين احتياطياً إلا إذا رغبوا في ذلك (م /24 من قانون السجون) ويزاولون مهنهم أو حرفهم لحسابهم (م/ 3 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
و- للمحبوسين احتياطياً الحق في التراسل في أي وقت، ولذويهم أن يزوروهم مرة واحدة كل أسبوع في أي يوم من أيام الأسبوع عدا أيام الجمع والعطلات الرسمية (م/60 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
ويلاحظ أن هذا القانون ظل سارياً طوال الفترة من عام 1952 وحتى العام الحالي 2005 ولمدة تربو على 52 عاماً باستثناء الفترة من 1964 إلى عام 1967 ومن أول عام 1980 إلى أكتوبر 1981، والمفترض فيه أنه سن لمعالجة أزمات أو حروب خطيرة تهدد بقاء الدولة ذاتها ولفترة زمنية محددة أي أنه يسن لمواجهة أوضاع استثنائية عاجلة لا يمكن مواجهتها أو التقليل من خطورتها في الظروف العادية وباستخدام النظام القانوني العادي.
ب- الاحتجاز خارج إطار القانون:
يعد الاحتجاز غير القانوني اعتداءً خطيراً على حقوق الإنسان يفوق في خطورته التعرض للاعتقال ليس من ناحية غياب سند قانوني لهذا الاحتجاز وحسب، بل لأنه يهدر كافة حقوق المحتجز الإنسانية نظراً لعدم توافر أي من ضمانات الحماية القانونية للمحتجز الذي يتم احتجازه في ظروف بالغة القسوة. ومن ثم حرصت المواثيق والعهود والإعلانات الدولية على ضمان حق كل فرد في ألا يتم حرمانه من حريته تعسفاً، فنصت المادة ( 9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه " ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا ولايجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه"، كما قررت حق كل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني في الحصول على تعويض.
مع ملاحظة أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تبنت مفهوماً شاملاً للتوقيف التعسفي الوارد في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فرأت أنه يجب أن يطبـق تطبيقاً عاماً ولا ينبغـي اعتبـاره مرادفـا ل "المنافي للقانون"، بل يجب تفسيره بشكل أعم يشمل عناصر "عدم اللياقة والإجحاف والافتقار إلى إمكانية التنبؤ بالشيء". وضربت لذلك مثلاً بحالة المحتجزين الذين يُحتفظ بهم في المحتشدات بعد صدور الأمر بالإفراج عنهم من قبل سلطة سياسية أو سلطة أخرى والأشخاص الذين اعتقلوا دون أن توجه إليهم تهمة جنائية.
وإقراراً لهذا الحق نصت الـمادة 41 من الدستور المصري علي أن: " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض علي أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه إجراءات التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون".
انتهاك الحق في السلامة الجسدية والنفسية(التعذيب) :
إن التعذيب بما ينطوي عليه من إهدار للكرامة الإنسانية يقوض كافة حقوق الإنسان وحرياته ويجعل الحديث عن مباشرة أية حقوق خلواً من المعنى فأعمال التعذيب كما وصفها القرار 2000/43 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تشكل محاولة إجرامية لتدمير الإنسان بدنياً وذهنياً الأمر الذي لا يمكن تبريره في ظل أي ظرف من الظروف ولا باسم أي أيديولوجية أو مصلحة عليا..]و إن[ المجتمع الذي يسمح بالتعذيب لا يمكن أبداً أن يدعي احترام حقوق الإنسان.
ومن ثم كانت جهود هيئات ومؤسسات المجتمع الدولي لضمان حماية جميع الأفراد من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتصدي لجريمة التعذيب فنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة" وهو ما تم التأكيد عليه ثانية في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى المادة السابعة منه في حين تم تصنيف جريمة التعذيب ضمن الجرائم ضد الإنسانية في اتفاقية منع تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في عام 1968 إلى أن اعتمدت الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1975 إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
كما توافرت جهود المنظمات الدولية على إرساء آليات لمكافحة التعذيب فوضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961 مبادئ تنظم معاملة المقبوض عليهم، وطلبت إلى الدول إصدار القوانين التي تحرم انتهاك هذه المبادئ، ثم اعتمدت في عام 1979 مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون متضمنة تحريم قيام هؤلاء الموظفين بأي عمل من أعمال التعذيب أو التحريض عليه أو التغاضي عنه، وصولاً إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر1984 والبروتوكول الاختياري للاتفاقية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 2002.
وتعتمد الاتفاقية تعريفاً شاملاً للتعذيب يمتد لكافة عناصره المادية والمعنوية حيث قررت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب على أن التعذيب هو " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه فى أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التميز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية"
و توجب "اتفاقية مناهضة التعذيب" على كل دولة طرف فيها أن تجرم بموجب قانونها الجنائي أي عمل من أعمال التعذيب، وأن تقرر له العقوبة المناسبة للطبيعة الخطر لهذه الأعمال ( م4)، كما تقضي المادة (2) من الاتفاقية بأن "تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب"، وتحظر الاتفاقية التذرع بأية ظروف استثنائية أو بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو سلطة عامة كمبرر للتعذيب، كما تنص المادة (11) من هذه الاتفاقية على أن "تُبقي كل دولة قيد الاستعراض المنظم... الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن".
ولضمان عدم اللجوء للتعذيب لانتزاع الاعترافات تنص الاتفاقية على ضمان الدول الأطراف فيها إهدار أية اقوال تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات".
وتطلب الاتفاقية من الدول الأطراف فيها التحقيق السريع والنزيه في أية شكاوى بادعاءات التعرض للتعذيب يقدمها الأفراد، وأن تضمن في نظمها القانونية إنصاف من تعرض لعمل من أعمال التعذيب بشكل عادل ومناسب.
بينما تنص المادة الأولى من البروتوكول الاختياري للاتفاقية على أن هدفه...."إنشاء آلية للزيارات المنتظمة تقوم بها هيئات دولية ووطنية مستقلة إلى الأماكن التي يُحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك من أجل منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهين بقبول أي دولة للبروتوكول عن طريق المصادقة عليه أو الانضمام إليه فإنها تصبح ملزمة بالسماح للجنة الفرعية المعنية بمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة و التي ينص البروتوكول على إنشائها بزيارة أي مكان خاضع لولايتها القضائية.
وعلى المستوى الوطني التزمت مصر بهذه العهود والاتفاقيات الدولية بموجب تصديقها علي العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية عام 1982، وعلي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب بموجب القرار الجمهوري رقم 154 لسنة 1986 ، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 25/7/1986، وكفل الدستور والتشريع الجنائى الحق فى السلامة الجسدية والنفسية والعقلية فى مواجهة الإجراءات الجنائية فنصت المادة ( 42) منه " كل مواطن يقبض علية أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد ، تجب معاملته بما يحفظ علية كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاءه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون وكل قول يصدر من مواطن تحت وطأة شي مما تقدم أو التهديد بشي منه يهدر ولا يعول عليه ". واعتبرت المادة (57) من الدستور التعذيب جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية عنها بالتقادم و قررت تعويض من وقع عليه التعذيب تعويضاً عادلاً ، وكذلك نصت المواد 126،127،129،282 من قانون العقوبات المصري على العقوبات التى توقع على أي موظف أو مستخدم عمومي أو أى شخص مكلف بخدمة عامة ارتكب جريمة التعذيب أو استعمال القسوة ضد المتهمين أو المحكوم عليهم أو غيرهم من آحاد الناس.
فقد نصت المادة (126) من قانون العقوبات على أن " كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر . وإذا مات المجني علية يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً " ، كما تنص المادة (282) عقوبات على أنه " يحكم فى جميع الأحوال بالإشعال الشاقة المؤقتة على من قبض علي شخص بدون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبة بالتعذيبات البدنية".
كما أضاف القانون رقم (6) لسنة 1998 قد المادتين 375 مكرر أ، و375 مكرر أ (1) اللتين تنصان على تجريم وعقاب كافة أعمال انتهاك السلامة الجسدية والمعنوية وبالنسبة لكافة الافراد للموظفين العامين وغيرهم حيث نصت المادة ( 375 مكرر أ) على أنه مع عدم الاخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف، أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه، أو التهديد بالافتراء عليه أو علي أي منهم بما يثنيه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة، وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذى به بدنيا أو معنويا أو هتك عرضه أو سلب ماله أو تحصيل منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه علي القيام بأمر لا يلزمه به القانون أو لحمله علي الامتناع عن عمل مشروع، أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو مقاومة تنفيذ الإرهاب أو الاجراءات القضائية أو القانونية واجبة التنفيذ، متي كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره أو بسلامة إرادته.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فأكثر، أو وقع باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل سلاح أو آلة حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة كهربية أو مادة حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أي مادة أخرى ضارة.
وتكون العقوبة مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنين إذا وقع الفعل أو التهديد علي أنثى، أو علي من يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية كاملة".
حقوق السجناء
تتجه السياسة العقابية والأمنية في رؤيتها لمعاملة المسجونين إلى التعديل الجذري بما يهدف إلى إثناء المجرم عن المضي في إجرامه وإعادة تأهيل المسجونين بغرض إعادة إدماجهم في المجتمع وردهم إليه أعضاء صالحين.
ومن هنا تطورت نظم العديد من السجون من وسيلة للزجر والردع دون أي مراعاة لأحوال السجين الصحية والنفسية والاجتماعية إلى معاملة المسجونين بما يلائم النظرة الجديدة إلى المسجون باعتباره آدمياً يجب الحفاظ على كرامته وحقوقه، وذلك بالاهتمام بأوضاع المسجونين، ووضع المبادئ والقواعد التي تكفل معاملتهم معاملة إنسانية، ورعايتهم أثناء سجنهم وبعد الإفراج عنهم، ورعاية أسرهم حتى لا يتعرضوا للانحراف.
فأصبح الغرض الذي تهدف إليه معاملة الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة أو تدبير سالب للحرية أن تعيد تأهيلهم اجتماعياً وأن تنمي عندهم الشعور بالمسئولية وأن تخلق لديهم الإرادة والإمكانية التي تتيح لهم عقب الإفراج عنهم سلوك حياة يحترمون فيها القانون ويشبعون فيها احتياجاتهم.
وقد أسهمت جملة من المتغيرات ظهور هذه الرؤية الجديدة على رأسها إقرار عدد من الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية التي أصبحت بتصديق غالبية الدول عليها جزءاً من تشريعاتها الداخلية، وبقيام هذه الدول بتعديل تشريعاتها الخاصة بالمعاملة العقابية داخل السجون بما يتماشى ويتوافق مع القواعد المنصوص عليها في هذه العهود والإعلانات والاتفاقيات؛ ومنها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
فقد أكدت المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.
وتقريراً للحق في المساواة بالتمتع بالمعاملة الكريمة لمجرد الوصف الإنساني بغض النظر عن وقع الفرد تحت طائلة الاتهام أو العقاب، أكدت المادة (7) من الإعلان أيضاً على أن الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز،، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
كما اتجه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى تقنين أسس معاملة المحرومين من حريتهم في المادة (10) منه والتي تنص على أن: "1- يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني .2- (أ) يفصل الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين، إلا في ظروف استثنائية، ويكونون محل معاملة على حدة تتفق مع كونهم أشخاصا غير مدانين،(ب) يفصل المتهمون الأحداث عن البالغين. ويحالون بالسرعة الممكنة إلى القضاء للفصل في قضاياهم. 3- يجب أن يراعى نظام السجون معاملة المسجونين معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي. ويفصل المذنبون الأحداث عن البالغين ويعاملون معاملة تتفق مع سنهم ومركزهم القانوني."
ونظراً لما شاب ممارسات بعض الدول من انتهاكها الواضح لحقوق المسجونين اتجهت الشرعة الدولية إلى وضع وتقنين معاملة المسجونين داخل السجون، وتبنت في هذا الشأن قراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقمي: 663 ج (د – 24) والمؤرخ في 31 يوليو 1957، و 2076 ( د- 62) المؤرخ في13 مايو 1977 اللذين يتضمنان القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، واعتبرتهما الشرعة الدولية بمثابة الشروط الدنيا التي تعترف بصلاحها الأمم المتحدة للحكم على سلامة الأجهزة العقابية والسجون في العالم.
ويتناول الجزء الأول من هذه القواعد الضوابط المتعلقة بالإدارة العامة للمؤسسات الجزائية والتي يتعين تطبيقها على جميع فئات المسجونين، سواء كان حبسهم جنائياً أو مدنياً، وسواء كانوا متهمين أو مدانين، بما في ذلك أولئك الذين تطبق بحقهم "تدابير أمنية" أو تدابير إصلاحية أمر بها القاضي. وتتناول هذه القواعد بدءاً من القاعدة (9) إلى القاعدة (14) منها شروط إقامة السجين في أماكن الاحتجاز، حيث تحرم إقامة أكثر من شخص واحد في الغرف الفردية ليلاً، كما تركزعلى وجوب اختيار من يشغل الغرف الجماعية من المسجونين اختياراً واعياً على أساس الأهلية والتجانس مع فرض رقابة منظمة أثناء الليل تتفق وطبيعة السجن كما توصي هذه القواعد بوجوب توافر الاشتراطات الصحية وخاصة التهوية والحد الأدنى للاتساع والإضاءة والتدفئة وسعة النوافذ بحيث يستطيع المسجونون القراءة والعمل في الضوء الطبيعي وأن تكون الإضاءة الصناعية كافية ليتمكن المسجون من القراءة والعمل دون إضرار بإبصاره بالإضافة إلى إلزام المسجونين بمراعاة النظافة الشخصية مع تزويدهم بالمياه والأدوات اللازمة والمراحيض الكافية للمحافظة على صحتهم ونظافتهم. وتوجب القاعدة (20) على إدارة السجن توفير وجبة طعام ذات قيمة غذائية لكل سجين تكون كافية للحفاظ على صحته وقواه على أن تكون جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم، وتوفير الماء الصالح للشرب للسجين كلما احتاج إليه.
وتحدد القواعد بدءاً من القاعدة (22) إلى القاعدة (26) نوعية وجودة الخدمات الطبية والصحية التي يتوجب على إدارة السجون توفيرها للسجناء، ومنها توفير أطباء مؤهلين ومتخصصين للكشف الدوري والمنتظم على السجناء وكلما دعت الضرورة لذلك بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي يمكن أن يصيب السجناء، واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجهم وتوفير المعدات والأدوات الصحية والأدوية والمنتجات الصيدلانية اللازمة والكافية للسجناء المرضى ونقل السجناء الذين يتطلبون عناية خاصة إلى سجون متخصصة أو مستشفيات مدنية متخصصة في علاج أمراضهم، وفرضت القاعدة (26) على أطباء السجون عدة واجبات منها: معاينة كمية ونوعية وطريقة غعداد الغذاء المقدم للسجناء، ومراقبة مدى اتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن ولدى السجناء، وحالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية في السجن، ونوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم، ومدى التقيد بالقواعد المتعلقة بالتربية البدنية والرياضية حين يكون منظمو هذه الأنشطة غير متخصصين. وأوجبت هذه القواعد على الأطباء إعداد التقارير التي تتضمن اتخاذ التدابير اللازمة والتوصيات الواجب تنفيذها في كافة الواجبات المكلفين بها وتقديم هذه التقارير إلى مديري السجون لوضع نتائجها موضع التنفيذ أو رفعها إلى سلطة أعلى في حالة رفض مديري السجون التوصيات المقترحة أو في حالة ما إذا كانت التوصيات المقترحة خارج اختصاصات هؤلاء المديرين.
وفي مجال أسس وآليات تحقيق الانضباط والعقاب داخل السجون أوجبت القواعد من القاعدة (27) إلى القاعدة (34) على إدارة السجون عدم استخدام أدوات للعقاب أو للتأديب ضد السجناء تتسبب في زيادة العناء المتمثل في تجريد الشخص من تقرير مصيره وحرمانه من حريته، أو استخدام أي سجين في عمل على ينطوي على صفة تأديبية، وعدم جواز معاقبة السجين بالحبس الانفرادي أو بتخفيض الطعام المقدم له أو بأي عقوبة أخرى يحتمل أن تلحق الأذى بصحة السجين الجسدية أو العقلية مثل العقوبة الجسدية أو العقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة وأية عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة، وأكدت القاعدة (35) على ضرورة قيام إدارات السجون بتزويد السجناء بالمعلومات المكتوبة أو الشفهية حول الأنظمة المطبقة على فئته من السجناء، حقوقه وواجباته على السواء، ومن تكييف نفسه وفقاً لحياة السجن بالإضافة لكفالة حقوق السجناء في التقدم بطلبات أو شكاوى إلى مدير السجن أو إلى الموظف المفوض بتمثيله أو إلى مفتشي السجون أو إلى السلطة القضائية أو إلى غيرهما من السلطات دون أن يخضع الطلب أو الشكوى للرقابة من حيث الجوهر، ولكن على أن يتم عبر الطرق المقررة وضرورة استجابة إدارة السجون لطلبات وشكاوى السجناء دون إبطاء.
وشددت القواعد من (37) إلى (42) على إدارة السجون ضرورة القيام بتوفير كافة السبل اللازمة لمداومة اتصال السجين بالعالم الخارجي سواء من خلال: الاتصال بأسرته أو بأصدقائه على فترات منتظمة وتلقيه زياراتهم، أو مواصلة الاطلاع بانتظام على مجرى الأحداث عن طريق الصحف اليومية والاستماع إلى محطات الإذاعة والتلفزيون، وتزويد كل سجن بمكتبة مخصصة لمختلف فئات السجناء، وتوفير مكان لممارسة الشعائر الدينية، والسماح للسجناء بحيازة كتب الشعائر والتربية الدينية وفرضت القاعدة (45) على إدارات السجون عدم تعريض السجناء أثناء نقلهم للسجن لأنظار الجمهور، وحظر نقل السجناء في ظروف سيئة من حيث التهوية والإضاءة وبأية وسيلة تفرض عليهم عناءً جسدياً لا ضرورة له وضرورة المساواة بين السجناء في وسائل النقل.
وأكدت القواعد (76) و(77) و(78) على إدارات السجون في دول العالم ضرورة تحديدها وقتاً كافياً للسجناء للتعليم، ومواصلة تعليمهم دون عناء، والسماح لهم بالقيام بأنشطة ترويحية وثقافية واجتماعية كجزء من علاج السجناء وإعادة تأهيلهم، والسماح للإدارات والهيئات الحكومية والخاصة والأهلية بإمكانية دخول السجن والالتقاء بالسجناء لمساعدتهم في بحث سبل تدبير موارد وتأمين أسباب العيش لهم داخل السجن وخارجه بعد إطلاق سراحهم.
وشددت القواعد من (84) إلى (93) على إدارات السجون الالتزام بتطبيق عدد من المعايير والضمانات بحق الموقوفين والمحتجزين في عهدة الشرطة أو السجن ولم يتم محاكمتهم والحكم عليهم ، ومنها إطلاق صفة "متهم" على هؤلاء الأشخاص، ومعاملته على أنهم أبرياء ووضع نظام معاملة خاص بهم مثل فصلهم عن السجناء المحكوم عليهم وارتداء ملابس خاصة والترخيص لهم بالاستعانة بأطبائهم المتخصصين، وكفالة وسائل الاتصال اللازمة لهم بالعالم الخارجي عموماً وأسرتهم بصفة خاصة، ووضعهم في غرف نوم فردية يتوفر بها وسائل الراحة من سير مستقل وفراش وأغطية كافية، وأن تكون فترة إقامة هؤلاء الأفراد بالسجون معقولة ومؤقتة وبحيث لا تتحول إلى نوع من العقوبة المقررة للسجناء المحكوم عليهم.
ونبهت القواعد من (79) إلى (81) على إدارات السجون ضرورة توجيهها عناية خاصة لكل سجين أثناء تنفيذ العقوبة، ووضع برنامج خاص بكل سجين لتأهيله للعودة للمجتمع كفرد صالح وتزويده بما يلزمه من سكن وملابس وتدبير فرصة عمل له بعد الإفراج عنه مما يحول دون عودته للجريمة ومن ثم للسجن مرة أخرى، والتنسيق مع الجهات المعنية لضمان تقديم الرعاية اللاحقة للسجين ولأسرته بعد الإفراج عنه.
أفرد المشرع الوطني عدداً من النصوص التشريعية التي توفر قدراً من الحماية ضد انتهاكات حقوق السجناء والمحتجزين، ومنها ما نصت عليه المادة (40) من قانون الإجراءات الجنائية من أنه " لايجوز القبض على إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً". كما تضمن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن السجون القواعد العامة في المعاملة العقابية للمسجونين، وفصلت اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 في أوجه الرعاية الصحية والاجتماعية والإنسانية والنفسية التي ينبغي أو يتعين تقديمها للسجناء وحقوق وواجبات السجناء تجاه إدارة السجون واختصاصات أطباء موظفي السجون، وتنظيم قواعد الإفراج النهائي والشرط الصحي عن السجناء، ونظم وبرامج الرعاية اللاحقة بعد الإفراج عنهم.
وحدد قرار وزير الداخلية الصادر في 7 مارس 1998، والذي نشر في الجريدة الرسمية العدد 76 في 2 أبريل 1998 مقررات أغذية المسجونين العاديين والسجينات سواء الحوامل أو المرضعات، ومقررات أغذية مرضى القلب وتصلب الشرايين ومرضى السكر ومرضى القصور الكلوي ومقررات اغذية الأطفال الرضع.
وعلى الرغم من تقنين المعاملة العقابية للسجناء في التشريع المصري إلا إن ثمة معوقات ومشكلات عدة تعترض التطبيق السليم والنزيه لتلك الضوابط إما لقصور الإمكانات العلاجية أو إجراءات الضبط والربط من جانب المؤسسات القائمة، أو لتعسف القائمين على هذه المؤسسات في استخدام السلطات الممنوحة لهم في القانون واللائحة التنفيذية بشكل يهدر حق جانب كبير من السجناء في المساواة في المعاملة العقابية والرعاية داخل السجون
انتهاك حرية الرأي والتعبير:
تعتبر حرية الرأي والتعبير من الحقوق الفردية الشديدة الالتصاق بالإنسان وبطبيعته ويقصد بها في ظل المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تناولتها " فتح المجال واسعاً أمام الإنسان لالتماس مختلف ضروب المعرفة، والإحاطة بأسرارها سواء للاستفادة الشخصية منها في تكوين رأيه الذي يؤمن به أو تمهيداً لنقل الاستفادة بها إلى غيره من الأشخاص بشتى الطرق والوسائل المكتوبة والشفهية".
وتشتمل حرية الرأي والتعبيرعلى حق القول أو حق الكلمة أي: الحق في إبداء الرأي ونقد الخطأ أو تصويبه أو الرد عليه بما يرد للصواب كرامته ويستبقيه في الحياة، وبهذا المعنى تعد حرية التعبير من أهم الركائز في حياة الإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يعيش في واقع لا يستطيع أن يعبر فيه عن رأيه، ويدافع عنه ويدعو إليه.
ويمثل حق النقد جوهر حرية الرأي ذلك أن حق النقد ليس إلا رأياً يبديه الناقد حول أمر متصل بالمصلحة العامة إذ أن حرية الرأي عملة ذات وجهين: أحدهما التعبير عن الذات والآخر التعبير لصالح المجتمع، فهي بالنسبة للمجتمع وسيلة إصلاح وتقدم، وحق النقد هو هذا الشق الأخير الخاص بالمجتمع الساعي للإصلاح والتقدم، حيث تثمر حرية الرأي اقتناعاً مبنياً على دقة النظر، وحرية الاختيار، فإذا ما أتيحت فرص الإعلان عن الرأي والتبشير به والدفاع عنه فإن ذلك سيوفر مناخاً حوارياً تتقابل فيه الآراء، وتتصارع فيه الحجج، فينكشف من المعطيات والطرق بذلك ما كان مستوراً بالغفلة، أو محجوباً بسبب الجهل، والثابت أن الحركات الفكرية الكبرى في التاريخ والتي أسهمت إسهاماً عظيماً في خلق التقدم ودفع مسيرته لم تكن إلا وليدة استعمال حرية الرأي في أوسع وأشمل صورها.
وقد تضمنت العديد من النصوص والمواثيق الدولية وجوب احترام حرية الرأي والتعبير بكافة أشكالها، وقررت ضمانات ممارستها حيث نصت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء ون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود. في حين توسعت المادة (27) من الإعلان بضمان حق المشاركة الحرة في الحياة الثقافية باعتباره المجال العام لممارسة حرية الرأي والتعبير حيث تنص على أن: " لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفى الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي وفى الفوائد التي تنجم عنه. 2- لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه". وإزاء قيام عدد من الدول ذات أنظمة الحكم الشمولية بإهدار حقوق شعوبها في الرأي والتعبير بزعم إعطاء الاولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ارتأى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلزام الدول الأطراف فيه بتضمين التشريعات الداخلية الضمانات والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق والمقرر في المادة (19) من الإعلان والتي تنص على أن: " لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها
.3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
كما أكدت منظمة اليونسكو هذا المعنى في إعلان المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب في مؤتمرها ودورتها العشرين في 22 نوفمبر 1978.
ولم يقف الأمر تأكيداً وتثبيتاً لحرية الرأي والتعبير عند حد إصدار الوثائق والمواثيق الدولية وإنما صار الحق في حرية الرأي والتعبير واحداً من الحقوق الدستورية التي حرصت الدساتير المختلفة على النص عليها صراحة بتأكيدها على الحق في حرية الرأي والتعبير والمعرفة وتدفق المعلومات؛ ومنها الدستور المصري الذي حظيت فيه حرية الرأي والتعبير فيه بنصوص عديدة تؤكدها وتصونها يصل عددها إلى 13 مادة منها ما يقع في باب الحريات والحقوق والواجبات العامة (المواد أرقام: 27، 48 ، 49 ، 50 ، 57) أو في باب مستقل عن سلطة الصحافة (المواد من 206 إلى 211) فضلاً عن النصوص الواردة في الباب الرابع من الدستور والتي تؤكد سيادة القانون واستقلال القضاء.
كما تمنح التشريعات المختلفة ضمانات لحرية الرأي والتعبير وما يتفرع عنهما من الحق في تلقي المعلومات والبحث عنها وفحصها ونقلها عبر الحدود مثل: قانون تنظيم الصحافة رقم 96 الصادر عام 1996، ومواثيق الشرف الصحفي، ومنها: ميثاق الشرف الصحفي الصادر في عام 1983، أو الميثاق الحالي الذي أعدته نقابة الصحفيين وأصدره المجلس الأعلى للصحافة في 26/3/ 1998.
وفي مقابل ما سبق حرصت بعض المواثيق والإعلانات الدولية وكذا الستور المصري والتشريعات الوطنية على تنظيم هذه الحرية بما يقابلها من واجبات إزاء المجتمع او الآخرين بحيث لا تتضمن مساساً بحقوقهم أو عدواناً على حرياتهم ومراعاة قيم المجتمع والنظام العام لذا كان فرض مسئولية لاحقة يحددها القانون أمراً جائزاً ومقبولاً، ويحدد القانون صراحة متى يكون ذلك ضرورياً من أجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الأخلاق أو الآداب العامة، وهو ما يعبر عنه دوماً " بالحرية المسئولة " وقد حفلت محكمة النقض بتحديد ماهية التوازن بين الحرية والمسئولية وحدود الممارسة بين الحل والتحريم في مجال الحقوق والحريات الخاصة بالرأي والتعبير، وذلك بحكم دورها في الرقابة القضائية على ممارسة هذه الحقوق والحريات سواء في مجال التشريع أو التطبيق.
حق المشاركة في الاقتراع وإدارة الشئون العامة:
أضحى حق الاقتراع والمشاركة في إدارة الشئون العامة من الحقوق الأساسية المستقرة في النظم السياسية المعاصرة عموماً، والنظم الديمقراطية بصفة خاصة، لذا حرص العديد من الدول النامية التي تمر بعملية التحول الديمقراطي على البدء بتفعيل هذا الحق نظراً لما يمنحه من قوة دفع ذاتى لتنفيذ باقي متطلبات هذه العملية، إضافة إلى أثره في طمأنة دول العالم الأخرى على جدية التزامها بالديمقراطية وعلى أمنها وسلامتها ومن ثم على استثمارات هذه الدول فيها نظراً لاستقرار السياسات وترسخ دور المؤسسات في هذه الدولة.
وقد سعت الشرعة الدولية لتقنين هذه الحقوق المؤسسة للتطور الديمقراطى ونظم الحكم الرشيد فى عدد من الإعلانات والعهود والاتفاقيات؛ وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة (21) منه على أنه :"1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. 2- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده .3- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت."
يضاف لما سبق العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذى أفرد المادة (25) منه لتقنين ذات الحقوق المنصوص عليها فى الإعلان العالمى لحقوق الانسان ،وبنفس الكلمات والضوابط التي صيغت في الإعلان.
ويمكن على ضوء المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التأكيد على عدد من الملاحظات الخاصة بمباشرة المواطنين لحق الاقتراع وإدارة الشئون العامة، ومنها:
1- إن المادة (25) من العهد تُقر وتحمي حق كل مواطن في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، وحقه في أن يَنتخب أو يُنتخب، وحقه في أن تتاح له فرصة تقلد الوظائف العامة. ويطلب العهد إلى الدول، بغض النظر عن ماهية دستورها أو نوع الحكم القائم، أن تعتمد ما قد يلزم من التدابير التشريعية والتدابير الأخرى لضمان توفير إمكانية فعلية تسمح للمواطنين بالتمتع بالحقوق التي يحميها. وتعتبر المادة (25) أساس الحكم الديمقراطي القائم على موافقة الشعب والذي يراعي المبادئ المكرسة في العهد.
2- إن مفهوم إدارة الشؤون العامة المشار إليه في الفقرة (أ) من ذات المادة هو مفهوم واسع يتعلق بممارسة السلطة السياسية، وعلى وجه الخصوص، السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية؛ وهو يشمل شتى أوجه الإدارة العامة كما يخص تحديد وتنفيذ السياسة العامة التي ستتبع على الأصعدة الدولية والوطنية والإقليمية والمحلية. ويجب أن تحدد دساتير الدول وقوانينها كيفية توزيع السلطات، والوسائل التي ستتاح للمواطنين الأفراد كي يمارسوا حقهم المحمي في المادة (25) في المشاركة في الشؤون العامة.
3 - يشارك المواطنون مباشرة في إدارة الشؤون العامة عندما يمارسون السلطة بوصفهم أعضاء الهيئات التشريعية أو بشغل مناصب تنفيذية. وتؤيد الفقرة (ب) الحق في المشاركة المباشرة. ويشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة بصفة مباشرة، أيضا، عندما يختارون دستورهم أو يعدلونه، أو يبتون في مسائل عامة عن طريق الاستفتاءات الشعبية أو غيرها من الإجراءات الانتخابية التي تجري طبقا للفقرة (ب). ويجوز للمواطنين أن يشاركوا مباشرة بانضمامهم إلى المجالس الشعبية المخولة بسلطة اتخاذ القرارات في المسائل المحلية أو في شؤون جماعة معينة، وبانتسابهم إلى هيئات تنشأ بالتشاور مع الحكومة لتمثيل المواطنين. ويجب، حيثما أقرت المساهمة المباشرة للمواطنين، ألا يتم التمييز بين المواطنين بناء على الأسس المذكورة في الفقرة1 من المادة (2) وألا تفرض عليهم قيود غير معقولة.
4- تشكل حرية التعبير وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات شروطا أساسية أيضاً لممارسة حق الانتخاب بصورة فعالة، لذا يجب حمايتها تماما. وينبغي أن تتخذ تدابير إيجابية للتغلب على صعوبات معينة من قبيل الأمية، والعوائق اللغوية، والفقر، أو ما يعيق حرية التنقل مما يحول دون تمكن الأشخاص المؤهلين للانتخاب من ممارسة حقوقهم بصورة فعلية. ويجب أن توفر المعلومات والمواد اللازمة للاقتراع بلغات الأقليات. كما ينبغي أن تعتمد أساليب معينة، مثل استخدام الصور الفوتوجرافية والرموز لضمان أن الناخبين الأميين حصلوا على ما يلزم من المعلومات لتمكينهم من الاختيار.
5- تُكفل للمتمتعين بحق الانتخاب حرية اختيار المرشحين بإعمال حق الترشيح والاستفادة من فرص تقلد المناصب إعمالا فعالا. وينبغي أن تكون أي قيود تفرض على حق ترشيح النفس للانتخاب، مثل تعيين حد أدنى للسن، قيود مبررة قائمة على معايير موضوعية ومعقولة ويجب ألا يستثنى أي شخص مؤهل، غير من تنطبق عليه هذه القيود، من ترشيح نفسه للانتخاب لأسباب غير مقبولة أو لأسباب تمييزية من قبيل مستوى التعليم، أو مكان الإقامة، أو النسب، أو بسبب انتمائه السياسي. ويجب عدم إخضاع أي شخص لأي شكل كان من أشكال التمييز أو التحيز لمجرد قيامه بترشيح نفسه.
6- ويجب أن تكون الانتخابات نزيهة وحرة وأن تجري دوريا في إطار قوانين تضمن ممارسة حقوق الانتخاب ممارسة فعلية. ويجب أن يتمتع المؤهلون للانتخاب بحرية الإدلاء بصوتهم لمن يختارون من بين المرشحين للانتخاب ولصالح أو ضد أي اقتراح يطرح للاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء العام، وأن يتمتعوا بحرية مناصرة الحكومة أو معارضتها دون إخضاعهم لنفوذ مفرط أو قسر من أي نوع كان مما قد يشوب أو يكبت حرية الناخب في التعبير عن رأيه وإرادته. ويجب أن يمكن الناخبون من تكوين رأيهم بصورة مستقلة دون التعرض للعنف أو التهديد باستخدام العنف، أو الإكراه، أو الإغراء، أو محاولات التدخل بالتلاعب مهما كان نوعها. وقد تكون بعض القيود المعقولة التي تستهدف الحد من تكاليف الحملات الانتخابية مبررة إن كانت ضرورية لضمان حرية الاختيار التامة للناخبين أو للتأكد من أن العملية الديمقراطية لا يشوبها إفراط في الإنفاق لصالح أي من المرشحين أو الأحزاب. ويجب أن تراعى في النتائج التي تسفر عنها الانتخابات النزاهة وأن يتم تنفيذها.
7- ينبغي إنشاء سلطة انتخابية مستقلة للإشراف على عملية الانتخاب ولضمان إنصافها ونزاهتها وسيرها وفقا للقوانين المعمول بها بما يطابق أحكام العهد. وينبغي للدول أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان سرية الاقتراع أثناء الانتخابات، بما في ذلك الاقتراع الغيابي حيثما وجد. وذلك يعني وجوب حماية الناخبين من شتى أشكال القسر أو الإغراء التي تدفعهم إلى الكشف عن نواياهم الاقتراعية أو عمن استفاد من صوتهم، وحماية هؤلاء من أي تدخل غير قانوني أو تعسفي في عملية الاقتراع. ويعتبر كل ما يبطل هذه الحقوق منافيا لما ورد من أحكام في المادة 25 من العهد. ويجب أن تضمن، أيضا، سلامة صناديق الاقتراع، وأن تفرز الأصوات في حضور المرشحين أو وكلائهم. وينبغي أن تدقق جهات مستقلة في عملية الاقتراع وفرز الأصوات وتتاح إمكانية المراجعة القضائية أو غيرها من الإجراءات المشابهة لضمان ثقة الناخبين بأمانة الاقتراع وفرز الأصوات. ويجب أن توفر المساعدة المتاحة للمعوقين فاقدي البصر أوالأميين عن طريق جهات مستقلة. كما يجب السعي لإطلاع الناخبين على هذه الضمانات على أكمل وجه.
8- على الرغم من أن العهد لا يفرض اتباع أي نظام انتخابي خاص، يجب الحرص على أن تراعى في أي نظام يؤخذ به في دولة من الدول الأطراف الحقوق المحمية بموجب المادة (25) من العهد، وأن تضمن وتنفذ حرية الناخبين في التعبير عن رأيهم وإرادتهم . وينبغي أن يطبق المبدأ الآخذ بالصوت الواحد للشخص الواحد، وأن يساوى بين أصوات جميع الناخبين. ويجب ألا يفضي تعيين الحدود الانتخابية وأسلوب الاقتراع إلى تكوين فكرة مشوهة عن توزيع الناخبين أو إلى التمييز ضد أي فئة من الفئات، كما يجب ألا يؤدي ذلك إلى إبطال حق المواطنين في اختيار ممثليهم بحرية أو تقييد هذا الحق بصورة غير معقولة.
9- من الضروري لضمان التمتع التام بالحقوق المحمية بموجب المادة 25، أن يتمكن المواطنون والمرشحون والممثلون المنتخبون من تبادل المعلومات والآراء بكل حرية حول مسائل تتعلق بالشؤون العامة والسياسية. وذلك يفترض وجود صحافة حرة قادرة على التعليق على القضايا العامة دون رقابة أو تقييد، وعلى إطلاع الرأي العام. ويتطلب ذلك التمتع تمتعا تاما بالحقوق المضمونة بموجب المواد (19) و(21) و(22) من العهد، ومراعاة هذه الحقوق على أتم وجه، بما فيها حق الفرد في ممارسة نشاط سياسي بمفرده أو بانتسابه إلى حزب سياسي أو غيره من المنظمات، وحرية مناقشة الشؤون العامة، وحق تنظيم مظاهرات واجتماعات سلمية، وحق الانتقاد والمعارضة، وحق نشر المقالات السياسية، وحق تنظيم حملة انتخابية والدعاية لمبادئ سياسية.
ويعتبر الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك الحق في تشكيل منظمات تعنى بالشؤون السياسية والعامة والالتحاق بهذه المنظمات، إضافة أساسية للحقوق المحمية بموجب المادة (25)، فالأحزاب السياسية والانضمام إلى عضوية الأحزاب تلعب دورا هاما في إدارة الشؤون العامة والعملية الانتخابية. فيجب على الدول أن تضمن في إدارتها الداخلية مراعاة الأحزاب السياسية لأحكام المادة (25) الواجبة التطبيق بغية تمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم المعترف بها في إطار هذه المادة.
(6) الحق في حرية التنظيم وتكوين الجمعيات:
الأصل في الاجتماع البشري أن يكون قائماً على الطوعية والتقاء الإرادات الحرة لتحقيق النفع العام ضماناً لعدم استبداد أي قوة بقيامها بالحد من حرية الإنسان والتدخل في تشكيل نمط حياته وتقرير مصيره.
ومن ثم اتجهت المنظومة القانونية لحقوق الإنسان لتقرير الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليه - والذي يعد أحد المتطلبات الأساسية لقيام حياة ديمقراطية سليمة - كأحد حقوق الإنسان الأساسية، فنصت المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: " 1- لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق".
ويرتبط هذا الحق بشكل وثيق بحق المشاركة في إدارة الشئون العامة على النحو الذي أوضحته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 25 المعتمد في الدورة 57 لسنة 1996، حين قررت اعتبار الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك الحق في تشكيل منظمات تعنى بالشؤون السياسية والعامة والالتحاق بهذه المنظمات، إضافة أساسية للحقوق المحمية بموجب المادة( 25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية والتي تختص بالحق في المشاركة في إدارة شئون المجتمع، وأن المواطنين يشتركون في إدارة الشؤون العامة بممارسة النفوذ من خلال المناقشات العامة والحوار مع ممثليهم، أو من خلال قدرتهم على تنظيم أنفسهم. وتتعزز هذه المشاركة بضمان حرية التعبير، والاجتماع، وتكوين الجمعيات.
وقد تواترت الدساتير المصرية منذ دستور 1923 على كفالة حق التنظيم انتهاء إلى دستور 1971 الذي أقر الحق في التنظيم في المادة (55) منه والتي تنص على أن: " للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكري". وتذهب الفقرة الأولي من المادة (56) من الدستور إلي أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية"، ويتضح من المادة (55) أن الدستور قد كفل حق التنظيم إلا أنه أحال للمشرع مهمة تنظيم هذا الحق الدستوري.
وقد أتت القوانين المتتالية بدءاً من القانون 49 لسنة 1945 بشأن الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية مروراً بالقانون رقم 384 لسنة 1956 والقانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة والقانون رقم 153 لسنة 1999 وانتهاء بالقانون رقم 84 لسنة 2002 لتخضع النشاط الأهلي للسلطة التنفيذية في كل كبيرة وصغيرة من خلال ربط الجمعيات الأهلية ببيروقراطية الجهاز الحكومي ذات السمعة المعروفة في خنق المبادرات الجماهيرية حيث تخضع هذه الجمعيات لإشراف سلطة واحدة هي إدارة الجمعيات داخل وزارة الشئون الاجتماعية.
ودون التطرق لمثالب القانون رقم 84 لسنة 2002 الذي كان محل انتقادات واسعة يمكن الإشارة بصدد الشكاوى التي تلقاها المجلس إلى أن هذا القانون قد أقر نظام الأذن المسبق (الترخيص) في تكوين الجمعيات حيث اشترط القانون لممارسة الحق في تكوين الجمعيات الحصول على موافقة وزارة الشئون الاجتماعية بعد تقديم طلب قيد ملخص النظام الأساسي للجمعية على النموذج المعد لذلك بواسطة الجهة الإدارية (إدارة الجمعيات بالوزارة ) (م 5 و 6 ) ولهذه الجهة رفض طلب القيد خلال ستين يوماً بقرار يخطر به ممثل جماعة المؤسسين.
كما نصت المادة (8) من القانون على أن للجهة الإدارية الاعتراض على ما ترى فيه مخالفة للقانون في النظام الأساسي للجمعية أو فيما يتعلق بالمؤسسين.
وبذلك لا يستطيع الفرد ممارسة حريته التي كفلها له الدستور إلا بعد أن يستأذن الإدارة التي أن شاءت منحت وإن أبت منعت، ولم يأخذ القانون بنظام الإخطارالأكثر اتساقاً مع الرؤية الديمقراطية في تنظيم الحريات حيث يتصرف الفرد بحريته ثم يسأل بعدها عن نتائج سلوكه.
(8) الحق في التمتع بالجنسية المصرية:
يعتبر العديد من المواثيق والعهود الدولية حق تمتع الأفراد بجنسية ما من الحقوق اللصيقة بوجودهم من الميلاد حتى الممات، وشددت هذه المواثيق والعهود على توفير كافة الدول وكفالتها هذا الحق لجميع الأفراد المتواجدين على أرضها دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين أو العرق أو اللغة، وأكدت على أن هذا الحق وثيق الصلة بحق آخر هو الاعتراف بالشخصية القانونية.
ومن أبرز هذه المواثيق والعهود الدولية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد في المادة (6) منه على أن "لكل إنسان في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية"، وشدد في المادة (15) على أن "1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. 2- لا يجوز، تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته." ، وأقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الحق، وضمنه في المادتين (16) و (24) منه، حيث نصت المادة (16) على أن " لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية. " ،وأكدت المادة (24) على ضرورة تمتع كل طفل بهذا الحق – وذلك في إطار أوسع لحماية حقوق الطفل وإضفاء ضمانة دولية لممارستها- من خلال النص على "1- يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا. 2- يتوجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويعطى اسما يعرف به. 3- لكل طفل حق في اكتساب جنسية."
في حين اتجهت اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها مصر في 6/7/1990 وصدقت عليها في 2/9/1990 إلى التأكيد على قيام الدول المنضمة إليها بتنفيذ الالتزامات الواردة في المادة 7 من الاتفاقية في شأن حق الطفل في اكتساب جنسية عموماً وفي حال اعتبار الطفل عديم الجنسية، بصفة خاصة حيث نصت المادة السابقة في هذا الشأن على:
" 1- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما. 2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك."
وعلى الرغم من أن المشرع المصري قد أفاض في كفالة العديد من الحريات والحقوق، وسبق في بعض الأحيان المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فإنه في مسألة منح الجنسية لم يحدد إطاراً من الإجراءات والضوابط الواضحة بما يجعلها مستقرة في التطبيق. ويظهر هذا التناقض في المادة (53) من الدستور المصري التي قنن فيها المشرع وأصبغ نوعاً من الحماية القانونية على اللاجئين السياسيين – والتي لم تكن معروفة في الممارسة العملية في كثير من الدول آنذاك – حيث نصت المادة (53) منه على أن "تمنح الدولة حق الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور." في حين أنه اتجه عند تقنينه لأسس وقواعد منح الجنسية المصرية للأجانب عموماً والأطفال بصفة خاصة في القانون الصادر عام 1975 لعدم الأخذ بالتوجهات الدولية الجديدة في شأن منح الجنسية، والتي ارتضتها الحكومة المصرية بتوقيعها على الاتفاقيات المتضمنة لهذه الحقوق والتصديق عليها مما أضفى عليها قوة الإلزام والنفاذ المضمونة للتشريعات الداخلية، ومنها المساواة بين الأفراد بغض النظر عن جنسهم ذكراً كان أم أنثى (م2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و م (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، فضلاً عن إخلال القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية بالمبادئ الدستورية التي قررها دستور1971 في بابه الثالث المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة، وفي مجال المساواة بين المواطنين على وجه الخصوص، حيث تؤكد المادة (40) على أن: " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة."
وقد خالف المشرع المبدأ الدستوري السابق في قانون الجنسية رقم (26) لسنة 1975 إذ اعتمد في الفترة من عام 1975 إلى 14 يوليو 2004 في ثبوت الجنسية الأصلية للأبناء على حق الدم من جهة الأب، وبذلك يكتسب الفرد الجنسية بقوة القانون بمجرد ميلاده لأب يحمل الجنسية المصرية. أما من يولد لأم مصرية فإنه لا يكتسب الجنسية المصرية الأصلية إلا إذا ولد في مصر وكان الأب مجهول الجنسية أو معدومها أو لم يثبت نسبه لأب قانوناً.
وإزاء ذلك الوضع اتجه الفقه ، والمجلس القومي للمرأة، والمجالس القومية المتخصصة، ورجال الصحافة، والمؤسسات والجمعيات الأهلية التي ترعى حقوق المرأة والطفل في مصر إلى بحث هذه المشكلة، وتقييم مسلك المشرع المصري الذي أفصح عنه تشريع الجنسية من حيث عدم المساواة بين دور الأب والأم في نقل الجنسية المصرية للأبناء. وانتهى الجميع إلى ضرورة تعديل نص المادة الثانية من القانون، والتي تنص على "أن يكون مصرياً كل من ولد لأب مصري" ليصبح كما يلي: " يكون مصرياً كل من ولد لأب مصري وأم مصرية". وقد استجابت القيادة السياسية لهذا المطلب ووجهت الحكومة بالتقدم للسلطة التشريعية بمشروع قانون لتعديل أحكام ومواد قانون الجنسية.
وفي 14 يوليو 2004، وافق مجلس الشعب على تعديل أحكام قانون الجنسية رقم (26) لسنة1975، وتعديل نص المادة (2) من القانون بالنص التالي: " يكون مصرياً: 1- من ولد لأب مصري، أو لأم مصرية. 2- من ولد في مصر من أبوين مجهولين. ويعتبر اللقيط في مصر مولوداً فيها ما لم يثبت العكس"، كما نصت المادة الثالثة على أن:"يكون لمن ولد لأم مصرية وأب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون أن يعلن وزير الداخلية برغبته في التمتع بالجنسية المصرية، ويعتبر مصرياً بصدور قرار بذلك من الوزير، أو بانقضاء مدة سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب منه بالرفض. ويترتب على التمتع بالجنسية المصرية تطبيقاً لحكم الفقرة السابقة تمتع الأولاد القصر بهذه الجنسية باتباع ذات الإجراءات السابقة. فإذا توفي من ولد لأم مصرية و أب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون يكون لأولاده حق التمتع بالجنسية وفقاً لأحكام الفقرتين السابقتين، وفي جميع الأحوال يكون إعلان الرغبة في التمتع بالجنسية المصرية بالنسبة للقاصر من نائبه القانوني، أو من الأم، أو متولي التربية في حالة عدم وجود أيهما."
وعقب إصدار هذا القانون والعمل به في 15 يوليو 2004، توجهت المئات من الأمهات المصريات المتزوجات من غير المصريين إلى وزارة الداخلية لطلب التمتع بالجنسية المصرية لأبنائهن، ووافق وزير الداخلية على غالبية هذه الطلبات، إلا أن هناك نذراً من هذه الطلبات لم يتم الاستجابة لها مما دفع بأصحابها إلى تقديم شكاواهم إليه بهذا الخصوص والتي يتضررون فيها من عدم تطبيق القانون بتعديلاته الجديدة عليهم
انتهاك حق حرية السفر
يعتبر الحراك البشري على مستوى الجماعات والأفراد سبباً أصيلاً من أسباب تكون المجتمعات ونمو الحضارات، ومن ثم كان التنقل والسفر سمة من السمات الملازمة للإنسان في مختلف مراحل تطوره الاجتماعي، فلما استقرت المدنية وتأسست الدول وخططت بينها الحدود تحولت هذه السمة من سلوك فطري إلى حق أصيل منظم وفقاً للمصالح المرسلة التي تعد مثابة كل تشريع.
وفي العصر الحديث أصبح حق التنقل والسفر من الحقوق التي تكفلها جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية؛ حيث أكدت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة" بالإضافة إلى أن "لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفى العودة إلى بلده" كما أوجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الدول احترام حق وحرية السفر ومغادرة البلاد بما فيها دولة الفرد التي ينتمي إليها، وهو ما قرره البند الثاني من المادة (12) من العهد حيث نص على أنه " لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده" غير أن البند 3 من ذات المادة وضع استثناءً على الوضع والإطار العام السابق وهو جواز تدخل الدول لتقييد هذا الحق إذا كانت هناك ضرورة لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. واشترط ذات البند على الدول ضرورة استصدار قانون يخول الجهات القضائية تقييد حق وحرية السفر والتنقل، إذ نص على أنه "لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد."
والملاحظ أن الدستور المصري قد ساير الإطار العام الذي وضعه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن حق السفر والهجرة إلى الخارج حيث نص في المادة (52) منه على أن " للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد "
أما التشريعات المنظمة لحرية وحق التنقل والسفر فقد اتخذت موقفاً متناقضاً ومتعارضاً مع الإطار الدستوري العام والسابق بيانه وهو ما تظهره قراءة قانون الهجرة رقم 111 لسنة 1983 وقرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين، إذ أن قانون الهجرة جاء خالياً من أي قيود على حق المصريين في مغادرة البلاد في حين تعارض قرار وزير الداخلية بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر مع القانون الخاص بالهجرة، هو ما يتضح من عرض الخطوط العامة لهذا القرار.
فيوجب قرار وزير الداخلية أن يكون الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر نفاذاً لأحكام المحاكم وأوامرها الواجبة النفاذ وللنائب العام، غير أنه خول أيضاً جهات إدارية غير قضائية حق إدراج الأشخاص الطبيعيين على قوائم الممنوعين من السفر وبدون حكم قضائي وبلا سند من القانون، وهذه الجهات هي: المدعي العام الاشتراكي، ومساعد وزير العدل للكسب غير المشروع، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ومدير إدارة المخابرات الحربية، ومدير إدارة الشئون الشخصية والخدمة الاجتماعية، ومساعد أول وزير الداخلية لقطاع مباحث أمن الدولة، ومدير مصلحة الأمن العام بعد موافقة وزير الداخلية.
ولم يشترط القرار أن تكون قرارات تلك الجهات غير القضائية مسببة لمراقبة مدى مشروعيتها برغم أنه رخص لها بأن تكون أوامرها الصادرة بالإدراج والمنع من السفر سارية لمدة ثلاث سنوات، ويجوز لتلك الجهات تجديدها قبل انقضائها. كما لم يضع القرار حداً أقصى للمدد التي يجوز لتلك الجهات إدراج الأشخاص الطبيعيين وحرمانهم من حقهم الطبيعي في السفر، بل نصت المادة(6) من هذا القرار على أن " يستمر الإدراج بعد انقضائها إذا طلبت الجهة التي طلبت الإدراج ذلك" ومفاد ذلك أنه يجوز أن يكون هذا الإدراج والمنع لمدد غير محددة ودون حد أقصى، وبالتالي فإن الشخص الطبيعي يظل تحت رحمة تلك الجهات بموجب قرار إداري ودون حد أقصى ولمدة غير معينة.
كما أن التظلم من قرارات تلك الجهات بالإدراج على قوائم الممنوعين من السفر يكون أمام لجنة يغلب على تشكيلها الطابع الإداري، فضلاً عن أن القرار لم ينص على أي ضمانات خاصة للأفراد أمام تلك اللجنة سواء بكفالة حق الدفاع، أو علنية جلساتها أو قرارها.
علاوة على ما سبق فإن بعض معاوني النيابة لجأ في بعض الأحيان إلى عدم إصدار أوامر بالحفظ في جانب كبير من القضايا الجنائية والسياسية والمالية التي يقوم بتحقيقها، فتظل التحقيقات فيها مفتوحة لمدة غير محددة، وبالتالي يحرم الأشخاص المنسوب إليهم اتهام في القضايا التي تباشر فيها النيابة تحقيقاً من السفر ومغادرة البلاد، ويخضع المتهمون في تلك القضايا لإجراءات معقدة للحصول على تصريح أو إذن بالسفر للخارج للعلاج أو في منح علمية برغم انتهاء التحقيقات فيها وإخلاء سبيلهم بموجب قرارات قضائية. كما أنهم يتعرضون عند العودة للمضايقة الأمنية نظراً لوضعهم على قوائم ترقب الوصول بسبب بقاء التحقيقات مفتوحة دون أن يصدر قرار من الجهة المختصة بالتصرف فيها سواء بالحفظ أو الإحالة إلى المحاكمة.
10) الحق في التقاضي والمحاكمة العادلة
حرصت المنظومة القانونية لحقوق الإنسان على تأمين إقامة العدل بين الأفراد كإطار عام لحماية كافة الحقوق الإنسانية فقد جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه : " ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم …..) ومن ناحية أخرى فإن عندما اتهام شخص بارتكاب جريمة، أو ضلوعه في ارتكابها، فإن هذا الشخص يواجه الدولة بكامل عدتها وعتادها ويتعرض لخطر الحرمان من الحرية أو أو غيره من العقوبات التي تمس حقوقه لذلك قررت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حق الأفراد في وسائل انتصاف فعالة من أي انتهاك لحقوقهم المشروعة وضمان عدم فرض اية التزامات أو توقيع أي جزاء ينال من حرياتهم أوممتلكاتهم أو غير ذلك مما يتمتعون به من حقوق وامتياوات مقررة إلا في إطار تطبيق عادل للقانون على أساس من المساواة بين الأفراد.
وقد قررت المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية لكل الأفراد الحق في التقاضي بما يشمله ذلك من المساوة في الوصول للمحاكم والحق في الفصل بين منازعتهم في محاكمة عادلة. فنصت المادة (8) من الاعلان العالمى لحقوق الانسان على أن ( لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلى من أية اعمال تنتهك الحقوق الأساسية التى يمنحها إياه الدستور أوالقانون) وأكدت المادة (10) من الإعلان نفسه على هذا المبدأ فنص على أن ( لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق فى أن تنظر قضيته محكمه مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل فى حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه اليه.
كما نصت المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على مجموعة من الحقوق الفردية كالمساواة أمام القضاء، وحق كل فرد في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحكم القانون كما قررت عدداً من المبادئ التي تكفل تحقيق العدالة مثل قرينة البراءة فنصت على أنه من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا. كما نصت هذه المادة على حد أدنى لضمانات المحاكمة العادلة من قبيل حق المتهم في المحاكمة دون تأخير وعلنية المحاكمة وضرورة حضور المتهم أثناء الفصل في الدعوى وحق المتهم في تمكينه من الدفاع عن نفسه سواء شخصياً أم من خلال محام ومنحه الوقت المناسب والكافي لذلك وحقه في طلب استدعاء الشهود ومناقشتهم وحق المتهم في التظلم من الحكم أمام محكمة أعلى.
وقد أكد الدستور المصري على هذه المقومات في المواد من 66 -70 و المواد من 166- 169 منه ومن أهم الضمانات التي كفلها الدستور التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار اداري من رقابة القضاء.
وجاءت قوانين الإجراءات الجنائية في المواد ( 139، 368، 236، 237، 286، 302، 375، 398، 401، 402، 410، 417، 395، 341، 342) والقانون57 لسنة 1959 الخاص بحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. بالإضافة للقانون46 لسنة 1972 الخاص بالسلطة القضائية، لتتمم مقومات المحاكمة العادلة التي أكد عليها العهد، وقررها الدستور المصري.
أ- الاعتقال
إن حرية الإنسان وأمنه على ذاته هي مناط الكرامة الإنسانية التي توافرت العهود والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان على ضمان احترامها وحفظها باعتبارها أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي لابد من تأمينها للتمتع بغيرها من الحقوق، وهو ما يظهر من استقراء هذه العهود والإعلانات والمواثيق التي تواترت على تقرير الحق في الحرية والأمان الشخصي حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 9 منه على أنه " لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً".
كما يضمن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية توفير هذا الحق بشكل مفصل ومحكم حيث نص في مادته التاسعة على:
"1- لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون، وطبقاً للإجراء المقرر فيه.
2- يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه.
3- يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.
4- لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.
5- لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.
وكفل الدستور المصري ضمان توفير هذه الحرية في المادة (41) منه والتي نص فيها على : "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لايجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي."
ووضعت المادة (71) من الدستور ضمانات وحقوقاً للأفراد في حال القبض عليهم أو اعتقالهم فنصت على أنه " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فوراً ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظمه القانون ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته الشخصية، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة، وإلا وجب الإفراج حتماً".
وعلى الرغم من أن بعض المواثيق والعهود الدولية أقرت حق الدول في تقييد ممارسة بعض الحقوق والحريات غير الأساسية _ والتي ليس من بينها الحق في الحرية والحياة الخاصة والآمنة¬- في حالة الطوارئ والأزمات إلا أن الأعراف الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان استقرت على وضع عدد من القيود والمبادئ التي تحكم سلوك الدول في حالات الخطر والطوارئ؛ ومنها:
- يجب أن تهدف التدابير الاستثنائية أو الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول في حالات الطوارئ إلى تخفيض أو إلغاء الأوضاع الخطرة التي تهدد حياة الأمة.
- يجب أن تفشل الإجراءات المتبعة في الأوقات العادية في مواجهة الأوضاع الخطرة.
- أن تكون هناك تدابير طوارئ أخرى ذات أثر أقل على حقوق الإنسان وقادرة على حل المشكلة المعنية.
- لا ينبغي أن تمارس تدابير الطوارئ تمييزاً يقوم على الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل الاجتماعي.
وقد خالف المشرع المصري هذه التوجهات والمبادئ العامة عند سنه ووضعه لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة1958 الذي يتعارض بشكل واضح مع القيود الدستورية والقانونية الداخلية والالتزامات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بل ويتعارض مع آراء عدد من فقهاء القانون في مصر ومنهم د.أحمد فتحي سرور الذي يتولى سلطة التشريع (رئيس مجلس الشعب الحالي) في كتابه" الشرعية والإجراءات الجنائية" طبعة 1977 ص. 258؛ حيث قال "إن الدستور قد عني صراحة بمعالجة حالتين سمح فيهما استثناء للسلطة التنفيذية بأن تمارس بعض اختصاصات السلطة التشريعية وهي المادة (74) التي تمنح لرئيس الجمهورية سلطة اتخاذ كافة الإجراءات السريعة لمواجهة الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، والمادة (108) التي أجازت تفويض رئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بأغلبية ثلثي مجلس الشعب في إصدار قرارات لها قوة القانون ولو أراد المشرع الدستوري التحلل من بعض نصوص الدستور في حالة الطوارئ لحدد نطاق التحلل وضمانته على النحو الذي بينه في المادتين (74)،(108) سالفتي الذكر وإن القرار بقانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ قد خالف الدستور فيما جاء به من نصوص خولت رئيس الجمهورية إصدار أوامر مما تدخل في اختصاص السلطة التشريعية وهي الجرائم والعقوبات والإجراءات الجنائية".
وبصرف النظر عن المبدأ العام السابق بشأن عدم دستورية قانون الطوارئ، فإنه من المفيد استعراض نصوص ومواد القانون والضمانات التي يقدمها لحفظ وصون حقوق الأفراد ومدى التزام السلطات المختصة بضوابط العمل عند تنفيذه، وذلك على النحو التالي:
أولاً: اعتبرت المادة الأولى من القانون إعلان العمل بحالة الطوارئ من أعمال السيادة ومؤدى ذلك امتناع المطالبة قضائياً بإلغائها أو التعويض عنها، ولايجوز فحص مشروعيتها بطريق مباشر أو غير مباشر فيما يتعلق بإعلانها أو بشروط إعلانها أو التدابير الصادرة من سلطات الطوارئ مما يعني أنه لا تتوافر أي رقابة قضائية على إعلان العمل بحالة الطوارئ.
ثانياً: خولت المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 لسلطة الطوارئ اتخاذ عدة تدابير استثنائية، وأوردت في المادة الثالثة ستة تدابير على سبيل التمثيل لا الحصر، ومن ثم يكون لرئيس الجمهورية ولمن ينوب عنه سلطة تقديرية لا تقف عند حد هذه التدابير؛ ومنها:
- وضع قيود على حرية الشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن العام والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وسلطة الأمر بمراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات وكافة وسائل التعبير وضبطها ومصادرتها وتعطيلها.
وقد صدر أمر رئيس الجمهورية رقم (4) لسنة 1982 بتفويض وزير الداخلية في اتخاذ التدابير المنصوص عليها في البند من المادة الثالثة، وبالتالي أصبح من سلطة وزير الداخلية ومكنته أن يصادر تلك الحقوق الأساسية الخاصة بالحرية الشخصية، وحرمة المساكن، وحرية الإقامة والتنقل، وحرية الاجتماع، وحرمة حياة المواطنين الخاصة ومراسلاتهم وبرقياتهم ومحادثاتهم التليفونية، وحرية الرأي والنشر، وحرية البحث العلمي والأدبي والفني، وذلك دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وهو ما يسمح بالافتئات على حرية المواطنين. ومازال هذا التفويض الصادر لوزير الداخلية بصفته سارياً حتى الآن دون أن يخل ذلك بحق رئيس الجمهورية في استعمال تلك السلطات المخولة له أصلاً بموجب القانون، ورئيس الوزراء مفوض أيضاً في كافة اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في قانون حالة الطوارئ بموجب أمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1987.
كما أضاف قانون حالة الطوارئ في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة أنه " يجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في الفقرة السابقة على أن يعرض هذا القرار على مجلس الشعب في المواعيد وطبقاً للأحكام المنصوص عليها في المادة السابقة"
ويعد هذا التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية في توسيع دائرة السلطات المفوضة لسلطة الطوارئ تهديداً خطيراً لمبدأ سيادة القانون واعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية. كما أن ما ورد في المادة من ضرورة عرض الأمر على مجلس الشعب في المواعيد المنصوص عليها في المادة الثانية لا يحقق ضمانة في ظل انعدام أي رقابة برلمانية فعالة على الحكومة في الوقت الحاضر، كما أنه يجوز لرئيس الجمهورية توسيع دائرة التدابير المبينة أثناء انحلال المجلس.
ثالثاً: تضمن قانون الطوارئ نذراً قليلاً من الحقوق للمعتقلين عند إلقاء القبض عليهم أو في التظلم من قرار اعتقالهم ،حيث نصت المادة (3 مكرر) على أن "يبلغ فوراً كتابة كل من يقبض عليه أو يعتقل وفقاً للمادة السابقة بأسباب القبض عليه واعتقاله ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ويعامل المعتقل معاملة المحبوس احتياطياً". وللمعتقل وغيره من ذوي الشأن أن يتظلم من القبض أوالاعتقال إذا انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه ويكون التظلم بطلب يقدم بدون رسوم إلى محكمة أمن الدولة المشكلة وفقاً لأحكام هذا القانون".
وتفصل المحكمة في التظلم بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم التظلم وذلك بعد سماع أقوال المقبوض عليه أو المعتقل وإلا يتعين الإفراج عنه فوراً.
ولوزير الداخلية في حالة صدور قرار الإفراج أو في حالة عدم الفصل في الموعد المحدد المنصوص عليه في الفقرة السابقة أن يطعن على قرار الإفراج خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور القرار أو انقضاء الموعد المشار إليه.
فإذا طعن وزير الداخلية على القرار أحيل الطعن إلى دائرة أخرى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإحالة وإلا وجب الإفراج عن المعتقل فوراً ويكون قرار المحكمة في هذه الحالة واجب النفاذ.
وفي جميع الأحوال يكون لمن رفض تظلمه الحق في أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ رفض التظلم".
ومؤدى نص المادة الآنفة البيان أن من يقبض عليه أو يعتقل وفقاً لقانون الطوارئ تكون له الحقوق التالية:
1- يبلغ فوراً كتابة بأسباب القبض عليه أو اعتقاله. وإبلاغ من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض أو الاعتقال يعد إجراءاً جوهرياً من الإجراءات الجنائية التي تتصل بحقوق الإنسان وحريته وهي على هذا النحو يعد أمراً يتعلق بالنظام العام بل أنها تعلو عليه باعتبارها أمراً يمس حرية الإنسان. وقد وضع القانون هذا التبليغ الكتابي كضمانة من الضمانات لا يجوز إهدارها تحت أي ظرف من الظروف إذ أن الإخلال بهذه الضمانة يعد افتئاتاً على حرية المعتقل وعدواناً عليه يجب درؤه.
2- يرخص له في الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع.
3- أن يستعين بمحام ومقابلته على انفراد في السجن بشرط الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة 4- أن يعامل معاملة المحبوس احتياطياً. وقد نصت المادة (1 مكرر) من قرار رئيس الجمهورية رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون على أن: " يودع كل من حجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه في أحد السجون المبينة في هذا القانون أو أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية وتسري عليها جميع الأحكام الواردة في هذا القانون على أن يكون حق الدخول فيها للتفتيش للنائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.
وتبرز أهمية وجوب معاملة المعتقل معاملة المحبوس احتياطياً حسبما تضمنه قانون السجون آنف البيان واللائحة الداخلية للسجون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم (79) لسنة 1961 من استعراض المزايا المقررة للمحبوس احتياطياً والمتمثلة فيما يلي:
أ- يقيم المحبوسون احتياطياً في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين، ويجوز التصريح للمحبوس احتياطياً بالإقامة في غرف مؤثثة وذلك في حدود ما تسمح به أماكن المهمات بالسجن (م/ 14 من قانون السجون).
ب- للمحبوسين احتياطياً الحق في ارتداء ملابسهم الخاصة؛ وذلك ما لم تقرر إدارة السجن مراعاة للصحة والنظافة أو لصالح الأمن أن يرتدوا الملابس المقررة لغيرهم من المسجونين. (م/15 من قانون السجن).
جـ - يجوز للمحبوسين احتياطياً استحضار ما يلزمهم من الغذاء من خارج السجن أو شرائه من السجن بالثمن المحدد له، فإن لم يرغبوا في ذلك أو لم يستطيعوا صرف لهم الغذاء المقرر (م/16 من قانون السجن)
د- للمحبوسين احتياطياً الراغبين في مواصلة الدراسة الحق في تأدية الامتحانات الخاصة بها في مقار اللجان (م 13 من قانون السجون).
هـ - لايجوز تشغيل المحبوسين احتياطياً إلا إذا رغبوا في ذلك (م /24 من قانون السجون) ويزاولون مهنهم أو حرفهم لحسابهم (م/ 3 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
و- للمحبوسين احتياطياً الحق في التراسل في أي وقت، ولذويهم أن يزوروهم مرة واحدة كل أسبوع في أي يوم من أيام الأسبوع عدا أيام الجمع والعطلات الرسمية (م/60 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
ويلاحظ أن هذا القانون ظل سارياً طوال الفترة من عام 1952 وحتى العام الحالي 2005 ولمدة تربو على 52 عاماً باستثناء الفترة من 1964 إلى عام 1967 ومن أول عام 1980 إلى أكتوبر 1981، والمفترض فيه أنه سن لمعالجة أزمات أو حروب خطيرة تهدد بقاء الدولة ذاتها ولفترة زمنية محددة أي أنه يسن لمواجهة أوضاع استثنائية عاجلة لا يمكن مواجهتها أو التقليل من خطورتها في الظروف العادية وباستخدام النظام القانوني العادي.
ب- الاحتجاز خارج إطار القانون:
يعد الاحتجاز غير القانوني اعتداءً خطيراً على حقوق الإنسان يفوق في خطورته التعرض للاعتقال ليس من ناحية غياب سند قانوني لهذا الاحتجاز وحسب، بل لأنه يهدر كافة حقوق المحتجز الإنسانية نظراً لعدم توافر أي من ضمانات الحماية القانونية للمحتجز الذي يتم احتجازه في ظروف بالغة القسوة. ومن ثم حرصت المواثيق والعهود والإعلانات الدولية على ضمان حق كل فرد في ألا يتم حرمانه من حريته تعسفاً، فنصت المادة ( 9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه " ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا ولايجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه"، كما قررت حق كل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني في الحصول على تعويض.
مع ملاحظة أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تبنت مفهوماً شاملاً للتوقيف التعسفي الوارد في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فرأت أنه يجب أن يطبـق تطبيقاً عاماً ولا ينبغـي اعتبـاره مرادفـا ل "المنافي للقانون"، بل يجب تفسيره بشكل أعم يشمل عناصر "عدم اللياقة والإجحاف والافتقار إلى إمكانية التنبؤ بالشيء". وضربت لذلك مثلاً بحالة المحتجزين الذين يُحتفظ بهم في المحتشدات بعد صدور الأمر بالإفراج عنهم من قبل سلطة سياسية أو سلطة أخرى والأشخاص الذين اعتقلوا دون أن توجه إليهم تهمة جنائية.
وإقراراً لهذا الحق نصت الـمادة 41 من الدستور المصري علي أن: " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض علي أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه إجراءات التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون".
انتهاك الحق في السلامة الجسدية والنفسية(التعذيب) :
إن التعذيب بما ينطوي عليه من إهدار للكرامة الإنسانية يقوض كافة حقوق الإنسان وحرياته ويجعل الحديث عن مباشرة أية حقوق خلواً من المعنى فأعمال التعذيب كما وصفها القرار 2000/43 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تشكل محاولة إجرامية لتدمير الإنسان بدنياً وذهنياً الأمر الذي لا يمكن تبريره في ظل أي ظرف من الظروف ولا باسم أي أيديولوجية أو مصلحة عليا..]و إن[ المجتمع الذي يسمح بالتعذيب لا يمكن أبداً أن يدعي احترام حقوق الإنسان.
ومن ثم كانت جهود هيئات ومؤسسات المجتمع الدولي لضمان حماية جميع الأفراد من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتصدي لجريمة التعذيب فنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة" وهو ما تم التأكيد عليه ثانية في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى المادة السابعة منه في حين تم تصنيف جريمة التعذيب ضمن الجرائم ضد الإنسانية في اتفاقية منع تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في عام 1968 إلى أن اعتمدت الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1975 إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
كما توافرت جهود المنظمات الدولية على إرساء آليات لمكافحة التعذيب فوضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961 مبادئ تنظم معاملة المقبوض عليهم، وطلبت إلى الدول إصدار القوانين التي تحرم انتهاك هذه المبادئ، ثم اعتمدت في عام 1979 مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون متضمنة تحريم قيام هؤلاء الموظفين بأي عمل من أعمال التعذيب أو التحريض عليه أو التغاضي عنه، وصولاً إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر1984 والبروتوكول الاختياري للاتفاقية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 2002.
وتعتمد الاتفاقية تعريفاً شاملاً للتعذيب يمتد لكافة عناصره المادية والمعنوية حيث قررت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب على أن التعذيب هو " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه فى أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التميز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية"
و توجب "اتفاقية مناهضة التعذيب" على كل دولة طرف فيها أن تجرم بموجب قانونها الجنائي أي عمل من أعمال التعذيب، وأن تقرر له العقوبة المناسبة للطبيعة الخطر لهذه الأعمال ( م4)، كما تقضي المادة (2) من الاتفاقية بأن "تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب"، وتحظر الاتفاقية التذرع بأية ظروف استثنائية أو بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو سلطة عامة كمبرر للتعذيب، كما تنص المادة (11) من هذه الاتفاقية على أن "تُبقي كل دولة قيد الاستعراض المنظم... الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن".
ولضمان عدم اللجوء للتعذيب لانتزاع الاعترافات تنص الاتفاقية على ضمان الدول الأطراف فيها إهدار أية اقوال تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات".
وتطلب الاتفاقية من الدول الأطراف فيها التحقيق السريع والنزيه في أية شكاوى بادعاءات التعرض للتعذيب يقدمها الأفراد، وأن تضمن في نظمها القانونية إنصاف من تعرض لعمل من أعمال التعذيب بشكل عادل ومناسب.
بينما تنص المادة الأولى من البروتوكول الاختياري للاتفاقية على أن هدفه...."إنشاء آلية للزيارات المنتظمة تقوم بها هيئات دولية ووطنية مستقلة إلى الأماكن التي يُحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك من أجل منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهين بقبول أي دولة للبروتوكول عن طريق المصادقة عليه أو الانضمام إليه فإنها تصبح ملزمة بالسماح للجنة الفرعية المعنية بمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة و التي ينص البروتوكول على إنشائها بزيارة أي مكان خاضع لولايتها القضائية.
وعلى المستوى الوطني التزمت مصر بهذه العهود والاتفاقيات الدولية بموجب تصديقها علي العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية عام 1982، وعلي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب بموجب القرار الجمهوري رقم 154 لسنة 1986 ، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 25/7/1986، وكفل الدستور والتشريع الجنائى الحق فى السلامة الجسدية والنفسية والعقلية فى مواجهة الإجراءات الجنائية فنصت المادة ( 42) منه " كل مواطن يقبض علية أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد ، تجب معاملته بما يحفظ علية كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاءه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون وكل قول يصدر من مواطن تحت وطأة شي مما تقدم أو التهديد بشي منه يهدر ولا يعول عليه ". واعتبرت المادة (57) من الدستور التعذيب جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية عنها بالتقادم و قررت تعويض من وقع عليه التعذيب تعويضاً عادلاً ، وكذلك نصت المواد 126،127،129،282 من قانون العقوبات المصري على العقوبات التى توقع على أي موظف أو مستخدم عمومي أو أى شخص مكلف بخدمة عامة ارتكب جريمة التعذيب أو استعمال القسوة ضد المتهمين أو المحكوم عليهم أو غيرهم من آحاد الناس.
فقد نصت المادة (126) من قانون العقوبات على أن " كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر . وإذا مات المجني علية يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً " ، كما تنص المادة (282) عقوبات على أنه " يحكم فى جميع الأحوال بالإشعال الشاقة المؤقتة على من قبض علي شخص بدون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبة بالتعذيبات البدنية".
كما أضاف القانون رقم (6) لسنة 1998 قد المادتين 375 مكرر أ، و375 مكرر أ (1) اللتين تنصان على تجريم وعقاب كافة أعمال انتهاك السلامة الجسدية والمعنوية وبالنسبة لكافة الافراد للموظفين العامين وغيرهم حيث نصت المادة ( 375 مكرر أ) على أنه مع عدم الاخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف، أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه، أو التهديد بالافتراء عليه أو علي أي منهم بما يثنيه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة، وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذى به بدنيا أو معنويا أو هتك عرضه أو سلب ماله أو تحصيل منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه علي القيام بأمر لا يلزمه به القانون أو لحمله علي الامتناع عن عمل مشروع، أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو مقاومة تنفيذ الإرهاب أو الاجراءات القضائية أو القانونية واجبة التنفيذ، متي كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره أو بسلامة إرادته.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فأكثر، أو وقع باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل سلاح أو آلة حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة كهربية أو مادة حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أي مادة أخرى ضارة.
وتكون العقوبة مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنين إذا وقع الفعل أو التهديد علي أنثى، أو علي من يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية كاملة".
حقوق السجناء
تتجه السياسة العقابية والأمنية في رؤيتها لمعاملة المسجونين إلى التعديل الجذري بما يهدف إلى إثناء المجرم عن المضي في إجرامه وإعادة تأهيل المسجونين بغرض إعادة إدماجهم في المجتمع وردهم إليه أعضاء صالحين.
ومن هنا تطورت نظم العديد من السجون من وسيلة للزجر والردع دون أي مراعاة لأحوال السجين الصحية والنفسية والاجتماعية إلى معاملة المسجونين بما يلائم النظرة الجديدة إلى المسجون باعتباره آدمياً يجب الحفاظ على كرامته وحقوقه، وذلك بالاهتمام بأوضاع المسجونين، ووضع المبادئ والقواعد التي تكفل معاملتهم معاملة إنسانية، ورعايتهم أثناء سجنهم وبعد الإفراج عنهم، ورعاية أسرهم حتى لا يتعرضوا للانحراف.
فأصبح الغرض الذي تهدف إليه معاملة الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة أو تدبير سالب للحرية أن تعيد تأهيلهم اجتماعياً وأن تنمي عندهم الشعور بالمسئولية وأن تخلق لديهم الإرادة والإمكانية التي تتيح لهم عقب الإفراج عنهم سلوك حياة يحترمون فيها القانون ويشبعون فيها احتياجاتهم.
وقد أسهمت جملة من المتغيرات ظهور هذه الرؤية الجديدة على رأسها إقرار عدد من الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية التي أصبحت بتصديق غالبية الدول عليها جزءاً من تشريعاتها الداخلية، وبقيام هذه الدول بتعديل تشريعاتها الخاصة بالمعاملة العقابية داخل السجون بما يتماشى ويتوافق مع القواعد المنصوص عليها في هذه العهود والإعلانات والاتفاقيات؛ ومنها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
فقد أكدت المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.
وتقريراً للحق في المساواة بالتمتع بالمعاملة الكريمة لمجرد الوصف الإنساني بغض النظر عن وقع الفرد تحت طائلة الاتهام أو العقاب، أكدت المادة (7) من الإعلان أيضاً على أن الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز،، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
كما اتجه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى تقنين أسس معاملة المحرومين من حريتهم في المادة (10) منه والتي تنص على أن: "1- يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني .2- (أ) يفصل الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين، إلا في ظروف استثنائية، ويكونون محل معاملة على حدة تتفق مع كونهم أشخاصا غير مدانين،(ب) يفصل المتهمون الأحداث عن البالغين. ويحالون بالسرعة الممكنة إلى القضاء للفصل في قضاياهم. 3- يجب أن يراعى نظام السجون معاملة المسجونين معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي. ويفصل المذنبون الأحداث عن البالغين ويعاملون معاملة تتفق مع سنهم ومركزهم القانوني."
ونظراً لما شاب ممارسات بعض الدول من انتهاكها الواضح لحقوق المسجونين اتجهت الشرعة الدولية إلى وضع وتقنين معاملة المسجونين داخل السجون، وتبنت في هذا الشأن قراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقمي: 663 ج (د – 24) والمؤرخ في 31 يوليو 1957، و 2076 ( د- 62) المؤرخ في13 مايو 1977 اللذين يتضمنان القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، واعتبرتهما الشرعة الدولية بمثابة الشروط الدنيا التي تعترف بصلاحها الأمم المتحدة للحكم على سلامة الأجهزة العقابية والسجون في العالم.
ويتناول الجزء الأول من هذه القواعد الضوابط المتعلقة بالإدارة العامة للمؤسسات الجزائية والتي يتعين تطبيقها على جميع فئات المسجونين، سواء كان حبسهم جنائياً أو مدنياً، وسواء كانوا متهمين أو مدانين، بما في ذلك أولئك الذين تطبق بحقهم "تدابير أمنية" أو تدابير إصلاحية أمر بها القاضي. وتتناول هذه القواعد بدءاً من القاعدة (9) إلى القاعدة (14) منها شروط إقامة السجين في أماكن الاحتجاز، حيث تحرم إقامة أكثر من شخص واحد في الغرف الفردية ليلاً، كما تركزعلى وجوب اختيار من يشغل الغرف الجماعية من المسجونين اختياراً واعياً على أساس الأهلية والتجانس مع فرض رقابة منظمة أثناء الليل تتفق وطبيعة السجن كما توصي هذه القواعد بوجوب توافر الاشتراطات الصحية وخاصة التهوية والحد الأدنى للاتساع والإضاءة والتدفئة وسعة النوافذ بحيث يستطيع المسجونون القراءة والعمل في الضوء الطبيعي وأن تكون الإضاءة الصناعية كافية ليتمكن المسجون من القراءة والعمل دون إضرار بإبصاره بالإضافة إلى إلزام المسجونين بمراعاة النظافة الشخصية مع تزويدهم بالمياه والأدوات اللازمة والمراحيض الكافية للمحافظة على صحتهم ونظافتهم. وتوجب القاعدة (20) على إدارة السجن توفير وجبة طعام ذات قيمة غذائية لكل سجين تكون كافية للحفاظ على صحته وقواه على أن تكون جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم، وتوفير الماء الصالح للشرب للسجين كلما احتاج إليه.
وتحدد القواعد بدءاً من القاعدة (22) إلى القاعدة (26) نوعية وجودة الخدمات الطبية والصحية التي يتوجب على إدارة السجون توفيرها للسجناء، ومنها توفير أطباء مؤهلين ومتخصصين للكشف الدوري والمنتظم على السجناء وكلما دعت الضرورة لذلك بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي يمكن أن يصيب السجناء، واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجهم وتوفير المعدات والأدوات الصحية والأدوية والمنتجات الصيدلانية اللازمة والكافية للسجناء المرضى ونقل السجناء الذين يتطلبون عناية خاصة إلى سجون متخصصة أو مستشفيات مدنية متخصصة في علاج أمراضهم، وفرضت القاعدة (26) على أطباء السجون عدة واجبات منها: معاينة كمية ونوعية وطريقة غعداد الغذاء المقدم للسجناء، ومراقبة مدى اتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن ولدى السجناء، وحالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية في السجن، ونوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم، ومدى التقيد بالقواعد المتعلقة بالتربية البدنية والرياضية حين يكون منظمو هذه الأنشطة غير متخصصين. وأوجبت هذه القواعد على الأطباء إعداد التقارير التي تتضمن اتخاذ التدابير اللازمة والتوصيات الواجب تنفيذها في كافة الواجبات المكلفين بها وتقديم هذه التقارير إلى مديري السجون لوضع نتائجها موضع التنفيذ أو رفعها إلى سلطة أعلى في حالة رفض مديري السجون التوصيات المقترحة أو في حالة ما إذا كانت التوصيات المقترحة خارج اختصاصات هؤلاء المديرين.
وفي مجال أسس وآليات تحقيق الانضباط والعقاب داخل السجون أوجبت القواعد من القاعدة (27) إلى القاعدة (34) على إدارة السجون عدم استخدام أدوات للعقاب أو للتأديب ضد السجناء تتسبب في زيادة العناء المتمثل في تجريد الشخص من تقرير مصيره وحرمانه من حريته، أو استخدام أي سجين في عمل على ينطوي على صفة تأديبية، وعدم جواز معاقبة السجين بالحبس الانفرادي أو بتخفيض الطعام المقدم له أو بأي عقوبة أخرى يحتمل أن تلحق الأذى بصحة السجين الجسدية أو العقلية مثل العقوبة الجسدية أو العقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة وأية عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة، وأكدت القاعدة (35) على ضرورة قيام إدارات السجون بتزويد السجناء بالمعلومات المكتوبة أو الشفهية حول الأنظمة المطبقة على فئته من السجناء، حقوقه وواجباته على السواء، ومن تكييف نفسه وفقاً لحياة السجن بالإضافة لكفالة حقوق السجناء في التقدم بطلبات أو شكاوى إلى مدير السجن أو إلى الموظف المفوض بتمثيله أو إلى مفتشي السجون أو إلى السلطة القضائية أو إلى غيرهما من السلطات دون أن يخضع الطلب أو الشكوى للرقابة من حيث الجوهر، ولكن على أن يتم عبر الطرق المقررة وضرورة استجابة إدارة السجون لطلبات وشكاوى السجناء دون إبطاء.
وشددت القواعد من (37) إلى (42) على إدارة السجون ضرورة القيام بتوفير كافة السبل اللازمة لمداومة اتصال السجين بالعالم الخارجي سواء من خلال: الاتصال بأسرته أو بأصدقائه على فترات منتظمة وتلقيه زياراتهم، أو مواصلة الاطلاع بانتظام على مجرى الأحداث عن طريق الصحف اليومية والاستماع إلى محطات الإذاعة والتلفزيون، وتزويد كل سجن بمكتبة مخصصة لمختلف فئات السجناء، وتوفير مكان لممارسة الشعائر الدينية، والسماح للسجناء بحيازة كتب الشعائر والتربية الدينية وفرضت القاعدة (45) على إدارات السجون عدم تعريض السجناء أثناء نقلهم للسجن لأنظار الجمهور، وحظر نقل السجناء في ظروف سيئة من حيث التهوية والإضاءة وبأية وسيلة تفرض عليهم عناءً جسدياً لا ضرورة له وضرورة المساواة بين السجناء في وسائل النقل.
وأكدت القواعد (76) و(77) و(78) على إدارات السجون في دول العالم ضرورة تحديدها وقتاً كافياً للسجناء للتعليم، ومواصلة تعليمهم دون عناء، والسماح لهم بالقيام بأنشطة ترويحية وثقافية واجتماعية كجزء من علاج السجناء وإعادة تأهيلهم، والسماح للإدارات والهيئات الحكومية والخاصة والأهلية بإمكانية دخول السجن والالتقاء بالسجناء لمساعدتهم في بحث سبل تدبير موارد وتأمين أسباب العيش لهم داخل السجن وخارجه بعد إطلاق سراحهم.
وشددت القواعد من (84) إلى (93) على إدارات السجون الالتزام بتطبيق عدد من المعايير والضمانات بحق الموقوفين والمحتجزين في عهدة الشرطة أو السجن ولم يتم محاكمتهم والحكم عليهم ، ومنها إطلاق صفة "متهم" على هؤلاء الأشخاص، ومعاملته على أنهم أبرياء ووضع نظام معاملة خاص بهم مثل فصلهم عن السجناء المحكوم عليهم وارتداء ملابس خاصة والترخيص لهم بالاستعانة بأطبائهم المتخصصين، وكفالة وسائل الاتصال اللازمة لهم بالعالم الخارجي عموماً وأسرتهم بصفة خاصة، ووضعهم في غرف نوم فردية يتوفر بها وسائل الراحة من سير مستقل وفراش وأغطية كافية، وأن تكون فترة إقامة هؤلاء الأفراد بالسجون معقولة ومؤقتة وبحيث لا تتحول إلى نوع من العقوبة المقررة للسجناء المحكوم عليهم.
ونبهت القواعد من (79) إلى (81) على إدارات السجون ضرورة توجيهها عناية خاصة لكل سجين أثناء تنفيذ العقوبة، ووضع برنامج خاص بكل سجين لتأهيله للعودة للمجتمع كفرد صالح وتزويده بما يلزمه من سكن وملابس وتدبير فرصة عمل له بعد الإفراج عنه مما يحول دون عودته للجريمة ومن ثم للسجن مرة أخرى، والتنسيق مع الجهات المعنية لضمان تقديم الرعاية اللاحقة للسجين ولأسرته بعد الإفراج عنه.
أفرد المشرع الوطني عدداً من النصوص التشريعية التي توفر قدراً من الحماية ضد انتهاكات حقوق السجناء والمحتجزين، ومنها ما نصت عليه المادة (40) من قانون الإجراءات الجنائية من أنه " لايجوز القبض على إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً". كما تضمن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن السجون القواعد العامة في المعاملة العقابية للمسجونين، وفصلت اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 في أوجه الرعاية الصحية والاجتماعية والإنسانية والنفسية التي ينبغي أو يتعين تقديمها للسجناء وحقوق وواجبات السجناء تجاه إدارة السجون واختصاصات أطباء موظفي السجون، وتنظيم قواعد الإفراج النهائي والشرط الصحي عن السجناء، ونظم وبرامج الرعاية اللاحقة بعد الإفراج عنهم.
وحدد قرار وزير الداخلية الصادر في 7 مارس 1998، والذي نشر في الجريدة الرسمية العدد 76 في 2 أبريل 1998 مقررات أغذية المسجونين العاديين والسجينات سواء الحوامل أو المرضعات، ومقررات أغذية مرضى القلب وتصلب الشرايين ومرضى السكر ومرضى القصور الكلوي ومقررات اغذية الأطفال الرضع.
وعلى الرغم من تقنين المعاملة العقابية للسجناء في التشريع المصري إلا إن ثمة معوقات ومشكلات عدة تعترض التطبيق السليم والنزيه لتلك الضوابط إما لقصور الإمكانات العلاجية أو إجراءات الضبط والربط من جانب المؤسسات القائمة، أو لتعسف القائمين على هذه المؤسسات في استخدام السلطات الممنوحة لهم في القانون واللائحة التنفيذية بشكل يهدر حق جانب كبير من السجناء في المساواة في المعاملة العقابية والرعاية داخل السجون
انتهاك حرية الرأي والتعبير:
تعتبر حرية الرأي والتعبير من الحقوق الفردية الشديدة الالتصاق بالإنسان وبطبيعته ويقصد بها في ظل المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تناولتها " فتح المجال واسعاً أمام الإنسان لالتماس مختلف ضروب المعرفة، والإحاطة بأسرارها سواء للاستفادة الشخصية منها في تكوين رأيه الذي يؤمن به أو تمهيداً لنقل الاستفادة بها إلى غيره من الأشخاص بشتى الطرق والوسائل المكتوبة والشفهية".
وتشتمل حرية الرأي والتعبيرعلى حق القول أو حق الكلمة أي: الحق في إبداء الرأي ونقد الخطأ أو تصويبه أو الرد عليه بما يرد للصواب كرامته ويستبقيه في الحياة، وبهذا المعنى تعد حرية التعبير من أهم الركائز في حياة الإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يعيش في واقع لا يستطيع أن يعبر فيه عن رأيه، ويدافع عنه ويدعو إليه.
ويمثل حق النقد جوهر حرية الرأي ذلك أن حق النقد ليس إلا رأياً يبديه الناقد حول أمر متصل بالمصلحة العامة إذ أن حرية الرأي عملة ذات وجهين: أحدهما التعبير عن الذات والآخر التعبير لصالح المجتمع، فهي بالنسبة للمجتمع وسيلة إصلاح وتقدم، وحق النقد هو هذا الشق الأخير الخاص بالمجتمع الساعي للإصلاح والتقدم، حيث تثمر حرية الرأي اقتناعاً مبنياً على دقة النظر، وحرية الاختيار، فإذا ما أتيحت فرص الإعلان عن الرأي والتبشير به والدفاع عنه فإن ذلك سيوفر مناخاً حوارياً تتقابل فيه الآراء، وتتصارع فيه الحجج، فينكشف من المعطيات والطرق بذلك ما كان مستوراً بالغفلة، أو محجوباً بسبب الجهل، والثابت أن الحركات الفكرية الكبرى في التاريخ والتي أسهمت إسهاماً عظيماً في خلق التقدم ودفع مسيرته لم تكن إلا وليدة استعمال حرية الرأي في أوسع وأشمل صورها.
وقد تضمنت العديد من النصوص والمواثيق الدولية وجوب احترام حرية الرأي والتعبير بكافة أشكالها، وقررت ضمانات ممارستها حيث نصت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء ون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود. في حين توسعت المادة (27) من الإعلان بضمان حق المشاركة الحرة في الحياة الثقافية باعتباره المجال العام لممارسة حرية الرأي والتعبير حيث تنص على أن: " لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفى الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي وفى الفوائد التي تنجم عنه. 2- لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه". وإزاء قيام عدد من الدول ذات أنظمة الحكم الشمولية بإهدار حقوق شعوبها في الرأي والتعبير بزعم إعطاء الاولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ارتأى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلزام الدول الأطراف فيه بتضمين التشريعات الداخلية الضمانات والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق والمقرر في المادة (19) من الإعلان والتي تنص على أن: " لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها
.3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
كما أكدت منظمة اليونسكو هذا المعنى في إعلان المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب في مؤتمرها ودورتها العشرين في 22 نوفمبر 1978.
ولم يقف الأمر تأكيداً وتثبيتاً لحرية الرأي والتعبير عند حد إصدار الوثائق والمواثيق الدولية وإنما صار الحق في حرية الرأي والتعبير واحداً من الحقوق الدستورية التي حرصت الدساتير المختلفة على النص عليها صراحة بتأكيدها على الحق في حرية الرأي والتعبير والمعرفة وتدفق المعلومات؛ ومنها الدستور المصري الذي حظيت فيه حرية الرأي والتعبير فيه بنصوص عديدة تؤكدها وتصونها يصل عددها إلى 13 مادة منها ما يقع في باب الحريات والحقوق والواجبات العامة (المواد أرقام: 27، 48 ، 49 ، 50 ، 57) أو في باب مستقل عن سلطة الصحافة (المواد من 206 إلى 211) فضلاً عن النصوص الواردة في الباب الرابع من الدستور والتي تؤكد سيادة القانون واستقلال القضاء.
كما تمنح التشريعات المختلفة ضمانات لحرية الرأي والتعبير وما يتفرع عنهما من الحق في تلقي المعلومات والبحث عنها وفحصها ونقلها عبر الحدود مثل: قانون تنظيم الصحافة رقم 96 الصادر عام 1996، ومواثيق الشرف الصحفي، ومنها: ميثاق الشرف الصحفي الصادر في عام 1983، أو الميثاق الحالي الذي أعدته نقابة الصحفيين وأصدره المجلس الأعلى للصحافة في 26/3/ 1998.
وفي مقابل ما سبق حرصت بعض المواثيق والإعلانات الدولية وكذا الستور المصري والتشريعات الوطنية على تنظيم هذه الحرية بما يقابلها من واجبات إزاء المجتمع او الآخرين بحيث لا تتضمن مساساً بحقوقهم أو عدواناً على حرياتهم ومراعاة قيم المجتمع والنظام العام لذا كان فرض مسئولية لاحقة يحددها القانون أمراً جائزاً ومقبولاً، ويحدد القانون صراحة متى يكون ذلك ضرورياً من أجل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الأخلاق أو الآداب العامة، وهو ما يعبر عنه دوماً " بالحرية المسئولة " وقد حفلت محكمة النقض بتحديد ماهية التوازن بين الحرية والمسئولية وحدود الممارسة بين الحل والتحريم في مجال الحقوق والحريات الخاصة بالرأي والتعبير، وذلك بحكم دورها في الرقابة القضائية على ممارسة هذه الحقوق والحريات سواء في مجال التشريع أو التطبيق.
حق المشاركة في الاقتراع وإدارة الشئون العامة:
أضحى حق الاقتراع والمشاركة في إدارة الشئون العامة من الحقوق الأساسية المستقرة في النظم السياسية المعاصرة عموماً، والنظم الديمقراطية بصفة خاصة، لذا حرص العديد من الدول النامية التي تمر بعملية التحول الديمقراطي على البدء بتفعيل هذا الحق نظراً لما يمنحه من قوة دفع ذاتى لتنفيذ باقي متطلبات هذه العملية، إضافة إلى أثره في طمأنة دول العالم الأخرى على جدية التزامها بالديمقراطية وعلى أمنها وسلامتها ومن ثم على استثمارات هذه الدول فيها نظراً لاستقرار السياسات وترسخ دور المؤسسات في هذه الدولة.
وقد سعت الشرعة الدولية لتقنين هذه الحقوق المؤسسة للتطور الديمقراطى ونظم الحكم الرشيد فى عدد من الإعلانات والعهود والاتفاقيات؛ وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة (21) منه على أنه :"1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. 2- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده .3- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت."
يضاف لما سبق العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذى أفرد المادة (25) منه لتقنين ذات الحقوق المنصوص عليها فى الإعلان العالمى لحقوق الانسان ،وبنفس الكلمات والضوابط التي صيغت في الإعلان.
ويمكن على ضوء المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التأكيد على عدد من الملاحظات الخاصة بمباشرة المواطنين لحق الاقتراع وإدارة الشئون العامة، ومنها:
1- إن المادة (25) من العهد تُقر وتحمي حق كل مواطن في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، وحقه في أن يَنتخب أو يُنتخب، وحقه في أن تتاح له فرصة تقلد الوظائف العامة. ويطلب العهد إلى الدول، بغض النظر عن ماهية دستورها أو نوع الحكم القائم، أن تعتمد ما قد يلزم من التدابير التشريعية والتدابير الأخرى لضمان توفير إمكانية فعلية تسمح للمواطنين بالتمتع بالحقوق التي يحميها. وتعتبر المادة (25) أساس الحكم الديمقراطي القائم على موافقة الشعب والذي يراعي المبادئ المكرسة في العهد.
2- إن مفهوم إدارة الشؤون العامة المشار إليه في الفقرة (أ) من ذات المادة هو مفهوم واسع يتعلق بممارسة السلطة السياسية، وعلى وجه الخصوص، السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية؛ وهو يشمل شتى أوجه الإدارة العامة كما يخص تحديد وتنفيذ السياسة العامة التي ستتبع على الأصعدة الدولية والوطنية والإقليمية والمحلية. ويجب أن تحدد دساتير الدول وقوانينها كيفية توزيع السلطات، والوسائل التي ستتاح للمواطنين الأفراد كي يمارسوا حقهم المحمي في المادة (25) في المشاركة في الشؤون العامة.
3 - يشارك المواطنون مباشرة في إدارة الشؤون العامة عندما يمارسون السلطة بوصفهم أعضاء الهيئات التشريعية أو بشغل مناصب تنفيذية. وتؤيد الفقرة (ب) الحق في المشاركة المباشرة. ويشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة بصفة مباشرة، أيضا، عندما يختارون دستورهم أو يعدلونه، أو يبتون في مسائل عامة عن طريق الاستفتاءات الشعبية أو غيرها من الإجراءات الانتخابية التي تجري طبقا للفقرة (ب). ويجوز للمواطنين أن يشاركوا مباشرة بانضمامهم إلى المجالس الشعبية المخولة بسلطة اتخاذ القرارات في المسائل المحلية أو في شؤون جماعة معينة، وبانتسابهم إلى هيئات تنشأ بالتشاور مع الحكومة لتمثيل المواطنين. ويجب، حيثما أقرت المساهمة المباشرة للمواطنين، ألا يتم التمييز بين المواطنين بناء على الأسس المذكورة في الفقرة1 من المادة (2) وألا تفرض عليهم قيود غير معقولة.
4- تشكل حرية التعبير وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات شروطا أساسية أيضاً لممارسة حق الانتخاب بصورة فعالة، لذا يجب حمايتها تماما. وينبغي أن تتخذ تدابير إيجابية للتغلب على صعوبات معينة من قبيل الأمية، والعوائق اللغوية، والفقر، أو ما يعيق حرية التنقل مما يحول دون تمكن الأشخاص المؤهلين للانتخاب من ممارسة حقوقهم بصورة فعلية. ويجب أن توفر المعلومات والمواد اللازمة للاقتراع بلغات الأقليات. كما ينبغي أن تعتمد أساليب معينة، مثل استخدام الصور الفوتوجرافية والرموز لضمان أن الناخبين الأميين حصلوا على ما يلزم من المعلومات لتمكينهم من الاختيار.
5- تُكفل للمتمتعين بحق الانتخاب حرية اختيار المرشحين بإعمال حق الترشيح والاستفادة من فرص تقلد المناصب إعمالا فعالا. وينبغي أن تكون أي قيود تفرض على حق ترشيح النفس للانتخاب، مثل تعيين حد أدنى للسن، قيود مبررة قائمة على معايير موضوعية ومعقولة ويجب ألا يستثنى أي شخص مؤهل، غير من تنطبق عليه هذه القيود، من ترشيح نفسه للانتخاب لأسباب غير مقبولة أو لأسباب تمييزية من قبيل مستوى التعليم، أو مكان الإقامة، أو النسب، أو بسبب انتمائه السياسي. ويجب عدم إخضاع أي شخص لأي شكل كان من أشكال التمييز أو التحيز لمجرد قيامه بترشيح نفسه.
6- ويجب أن تكون الانتخابات نزيهة وحرة وأن تجري دوريا في إطار قوانين تضمن ممارسة حقوق الانتخاب ممارسة فعلية. ويجب أن يتمتع المؤهلون للانتخاب بحرية الإدلاء بصوتهم لمن يختارون من بين المرشحين للانتخاب ولصالح أو ضد أي اقتراح يطرح للاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء العام، وأن يتمتعوا بحرية مناصرة الحكومة أو معارضتها دون إخضاعهم لنفوذ مفرط أو قسر من أي نوع كان مما قد يشوب أو يكبت حرية الناخب في التعبير عن رأيه وإرادته. ويجب أن يمكن الناخبون من تكوين رأيهم بصورة مستقلة دون التعرض للعنف أو التهديد باستخدام العنف، أو الإكراه، أو الإغراء، أو محاولات التدخل بالتلاعب مهما كان نوعها. وقد تكون بعض القيود المعقولة التي تستهدف الحد من تكاليف الحملات الانتخابية مبررة إن كانت ضرورية لضمان حرية الاختيار التامة للناخبين أو للتأكد من أن العملية الديمقراطية لا يشوبها إفراط في الإنفاق لصالح أي من المرشحين أو الأحزاب. ويجب أن تراعى في النتائج التي تسفر عنها الانتخابات النزاهة وأن يتم تنفيذها.
7- ينبغي إنشاء سلطة انتخابية مستقلة للإشراف على عملية الانتخاب ولضمان إنصافها ونزاهتها وسيرها وفقا للقوانين المعمول بها بما يطابق أحكام العهد. وينبغي للدول أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان سرية الاقتراع أثناء الانتخابات، بما في ذلك الاقتراع الغيابي حيثما وجد. وذلك يعني وجوب حماية الناخبين من شتى أشكال القسر أو الإغراء التي تدفعهم إلى الكشف عن نواياهم الاقتراعية أو عمن استفاد من صوتهم، وحماية هؤلاء من أي تدخل غير قانوني أو تعسفي في عملية الاقتراع. ويعتبر كل ما يبطل هذه الحقوق منافيا لما ورد من أحكام في المادة 25 من العهد. ويجب أن تضمن، أيضا، سلامة صناديق الاقتراع، وأن تفرز الأصوات في حضور المرشحين أو وكلائهم. وينبغي أن تدقق جهات مستقلة في عملية الاقتراع وفرز الأصوات وتتاح إمكانية المراجعة القضائية أو غيرها من الإجراءات المشابهة لضمان ثقة الناخبين بأمانة الاقتراع وفرز الأصوات. ويجب أن توفر المساعدة المتاحة للمعوقين فاقدي البصر أوالأميين عن طريق جهات مستقلة. كما يجب السعي لإطلاع الناخبين على هذه الضمانات على أكمل وجه.
8- على الرغم من أن العهد لا يفرض اتباع أي نظام انتخابي خاص، يجب الحرص على أن تراعى في أي نظام يؤخذ به في دولة من الدول الأطراف الحقوق المحمية بموجب المادة (25) من العهد، وأن تضمن وتنفذ حرية الناخبين في التعبير عن رأيهم وإرادتهم . وينبغي أن يطبق المبدأ الآخذ بالصوت الواحد للشخص الواحد، وأن يساوى بين أصوات جميع الناخبين. ويجب ألا يفضي تعيين الحدود الانتخابية وأسلوب الاقتراع إلى تكوين فكرة مشوهة عن توزيع الناخبين أو إلى التمييز ضد أي فئة من الفئات، كما يجب ألا يؤدي ذلك إلى إبطال حق المواطنين في اختيار ممثليهم بحرية أو تقييد هذا الحق بصورة غير معقولة.
9- من الضروري لضمان التمتع التام بالحقوق المحمية بموجب المادة 25، أن يتمكن المواطنون والمرشحون والممثلون المنتخبون من تبادل المعلومات والآراء بكل حرية حول مسائل تتعلق بالشؤون العامة والسياسية. وذلك يفترض وجود صحافة حرة قادرة على التعليق على القضايا العامة دون رقابة أو تقييد، وعلى إطلاع الرأي العام. ويتطلب ذلك التمتع تمتعا تاما بالحقوق المضمونة بموجب المواد (19) و(21) و(22) من العهد، ومراعاة هذه الحقوق على أتم وجه، بما فيها حق الفرد في ممارسة نشاط سياسي بمفرده أو بانتسابه إلى حزب سياسي أو غيره من المنظمات، وحرية مناقشة الشؤون العامة، وحق تنظيم مظاهرات واجتماعات سلمية، وحق الانتقاد والمعارضة، وحق نشر المقالات السياسية، وحق تنظيم حملة انتخابية والدعاية لمبادئ سياسية.
ويعتبر الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك الحق في تشكيل منظمات تعنى بالشؤون السياسية والعامة والالتحاق بهذه المنظمات، إضافة أساسية للحقوق المحمية بموجب المادة (25)، فالأحزاب السياسية والانضمام إلى عضوية الأحزاب تلعب دورا هاما في إدارة الشؤون العامة والعملية الانتخابية. فيجب على الدول أن تضمن في إدارتها الداخلية مراعاة الأحزاب السياسية لأحكام المادة (25) الواجبة التطبيق بغية تمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم المعترف بها في إطار هذه المادة.
(6) الحق في حرية التنظيم وتكوين الجمعيات:
الأصل في الاجتماع البشري أن يكون قائماً على الطوعية والتقاء الإرادات الحرة لتحقيق النفع العام ضماناً لعدم استبداد أي قوة بقيامها بالحد من حرية الإنسان والتدخل في تشكيل نمط حياته وتقرير مصيره.
ومن ثم اتجهت المنظومة القانونية لحقوق الإنسان لتقرير الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليه - والذي يعد أحد المتطلبات الأساسية لقيام حياة ديمقراطية سليمة - كأحد حقوق الإنسان الأساسية، فنصت المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: " 1- لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق".
ويرتبط هذا الحق بشكل وثيق بحق المشاركة في إدارة الشئون العامة على النحو الذي أوضحته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 25 المعتمد في الدورة 57 لسنة 1996، حين قررت اعتبار الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك الحق في تشكيل منظمات تعنى بالشؤون السياسية والعامة والالتحاق بهذه المنظمات، إضافة أساسية للحقوق المحمية بموجب المادة( 25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية والتي تختص بالحق في المشاركة في إدارة شئون المجتمع، وأن المواطنين يشتركون في إدارة الشؤون العامة بممارسة النفوذ من خلال المناقشات العامة والحوار مع ممثليهم، أو من خلال قدرتهم على تنظيم أنفسهم. وتتعزز هذه المشاركة بضمان حرية التعبير، والاجتماع، وتكوين الجمعيات.
وقد تواترت الدساتير المصرية منذ دستور 1923 على كفالة حق التنظيم انتهاء إلى دستور 1971 الذي أقر الحق في التنظيم في المادة (55) منه والتي تنص على أن: " للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكري". وتذهب الفقرة الأولي من المادة (56) من الدستور إلي أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية"، ويتضح من المادة (55) أن الدستور قد كفل حق التنظيم إلا أنه أحال للمشرع مهمة تنظيم هذا الحق الدستوري.
وقد أتت القوانين المتتالية بدءاً من القانون 49 لسنة 1945 بشأن الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية مروراً بالقانون رقم 384 لسنة 1956 والقانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة والقانون رقم 153 لسنة 1999 وانتهاء بالقانون رقم 84 لسنة 2002 لتخضع النشاط الأهلي للسلطة التنفيذية في كل كبيرة وصغيرة من خلال ربط الجمعيات الأهلية ببيروقراطية الجهاز الحكومي ذات السمعة المعروفة في خنق المبادرات الجماهيرية حيث تخضع هذه الجمعيات لإشراف سلطة واحدة هي إدارة الجمعيات داخل وزارة الشئون الاجتماعية.
ودون التطرق لمثالب القانون رقم 84 لسنة 2002 الذي كان محل انتقادات واسعة يمكن الإشارة بصدد الشكاوى التي تلقاها المجلس إلى أن هذا القانون قد أقر نظام الأذن المسبق (الترخيص) في تكوين الجمعيات حيث اشترط القانون لممارسة الحق في تكوين الجمعيات الحصول على موافقة وزارة الشئون الاجتماعية بعد تقديم طلب قيد ملخص النظام الأساسي للجمعية على النموذج المعد لذلك بواسطة الجهة الإدارية (إدارة الجمعيات بالوزارة ) (م 5 و 6 ) ولهذه الجهة رفض طلب القيد خلال ستين يوماً بقرار يخطر به ممثل جماعة المؤسسين.
كما نصت المادة (8) من القانون على أن للجهة الإدارية الاعتراض على ما ترى فيه مخالفة للقانون في النظام الأساسي للجمعية أو فيما يتعلق بالمؤسسين.
وبذلك لا يستطيع الفرد ممارسة حريته التي كفلها له الدستور إلا بعد أن يستأذن الإدارة التي أن شاءت منحت وإن أبت منعت، ولم يأخذ القانون بنظام الإخطارالأكثر اتساقاً مع الرؤية الديمقراطية في تنظيم الحريات حيث يتصرف الفرد بحريته ثم يسأل بعدها عن نتائج سلوكه.
(8) الحق في التمتع بالجنسية المصرية:
يعتبر العديد من المواثيق والعهود الدولية حق تمتع الأفراد بجنسية ما من الحقوق اللصيقة بوجودهم من الميلاد حتى الممات، وشددت هذه المواثيق والعهود على توفير كافة الدول وكفالتها هذا الحق لجميع الأفراد المتواجدين على أرضها دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين أو العرق أو اللغة، وأكدت على أن هذا الحق وثيق الصلة بحق آخر هو الاعتراف بالشخصية القانونية.
ومن أبرز هذه المواثيق والعهود الدولية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد في المادة (6) منه على أن "لكل إنسان في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية"، وشدد في المادة (15) على أن "1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. 2- لا يجوز، تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته." ، وأقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الحق، وضمنه في المادتين (16) و (24) منه، حيث نصت المادة (16) على أن " لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية. " ،وأكدت المادة (24) على ضرورة تمتع كل طفل بهذا الحق – وذلك في إطار أوسع لحماية حقوق الطفل وإضفاء ضمانة دولية لممارستها- من خلال النص على "1- يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصرا. 2- يتوجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويعطى اسما يعرف به. 3- لكل طفل حق في اكتساب جنسية."
في حين اتجهت اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها مصر في 6/7/1990 وصدقت عليها في 2/9/1990 إلى التأكيد على قيام الدول المنضمة إليها بتنفيذ الالتزامات الواردة في المادة 7 من الاتفاقية في شأن حق الطفل في اكتساب جنسية عموماً وفي حال اعتبار الطفل عديم الجنسية، بصفة خاصة حيث نصت المادة السابقة في هذا الشأن على:
" 1- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما. 2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك."
وعلى الرغم من أن المشرع المصري قد أفاض في كفالة العديد من الحريات والحقوق، وسبق في بعض الأحيان المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فإنه في مسألة منح الجنسية لم يحدد إطاراً من الإجراءات والضوابط الواضحة بما يجعلها مستقرة في التطبيق. ويظهر هذا التناقض في المادة (53) من الدستور المصري التي قنن فيها المشرع وأصبغ نوعاً من الحماية القانونية على اللاجئين السياسيين – والتي لم تكن معروفة في الممارسة العملية في كثير من الدول آنذاك – حيث نصت المادة (53) منه على أن "تمنح الدولة حق الالتجاء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور." في حين أنه اتجه عند تقنينه لأسس وقواعد منح الجنسية المصرية للأجانب عموماً والأطفال بصفة خاصة في القانون الصادر عام 1975 لعدم الأخذ بالتوجهات الدولية الجديدة في شأن منح الجنسية، والتي ارتضتها الحكومة المصرية بتوقيعها على الاتفاقيات المتضمنة لهذه الحقوق والتصديق عليها مما أضفى عليها قوة الإلزام والنفاذ المضمونة للتشريعات الداخلية، ومنها المساواة بين الأفراد بغض النظر عن جنسهم ذكراً كان أم أنثى (م2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و م (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، فضلاً عن إخلال القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية بالمبادئ الدستورية التي قررها دستور1971 في بابه الثالث المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة، وفي مجال المساواة بين المواطنين على وجه الخصوص، حيث تؤكد المادة (40) على أن: " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة."
وقد خالف المشرع المبدأ الدستوري السابق في قانون الجنسية رقم (26) لسنة 1975 إذ اعتمد في الفترة من عام 1975 إلى 14 يوليو 2004 في ثبوت الجنسية الأصلية للأبناء على حق الدم من جهة الأب، وبذلك يكتسب الفرد الجنسية بقوة القانون بمجرد ميلاده لأب يحمل الجنسية المصرية. أما من يولد لأم مصرية فإنه لا يكتسب الجنسية المصرية الأصلية إلا إذا ولد في مصر وكان الأب مجهول الجنسية أو معدومها أو لم يثبت نسبه لأب قانوناً.
وإزاء ذلك الوضع اتجه الفقه ، والمجلس القومي للمرأة، والمجالس القومية المتخصصة، ورجال الصحافة، والمؤسسات والجمعيات الأهلية التي ترعى حقوق المرأة والطفل في مصر إلى بحث هذه المشكلة، وتقييم مسلك المشرع المصري الذي أفصح عنه تشريع الجنسية من حيث عدم المساواة بين دور الأب والأم في نقل الجنسية المصرية للأبناء. وانتهى الجميع إلى ضرورة تعديل نص المادة الثانية من القانون، والتي تنص على "أن يكون مصرياً كل من ولد لأب مصري" ليصبح كما يلي: " يكون مصرياً كل من ولد لأب مصري وأم مصرية". وقد استجابت القيادة السياسية لهذا المطلب ووجهت الحكومة بالتقدم للسلطة التشريعية بمشروع قانون لتعديل أحكام ومواد قانون الجنسية.
وفي 14 يوليو 2004، وافق مجلس الشعب على تعديل أحكام قانون الجنسية رقم (26) لسنة1975، وتعديل نص المادة (2) من القانون بالنص التالي: " يكون مصرياً: 1- من ولد لأب مصري، أو لأم مصرية. 2- من ولد في مصر من أبوين مجهولين. ويعتبر اللقيط في مصر مولوداً فيها ما لم يثبت العكس"، كما نصت المادة الثالثة على أن:"يكون لمن ولد لأم مصرية وأب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون أن يعلن وزير الداخلية برغبته في التمتع بالجنسية المصرية، ويعتبر مصرياً بصدور قرار بذلك من الوزير، أو بانقضاء مدة سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب منه بالرفض. ويترتب على التمتع بالجنسية المصرية تطبيقاً لحكم الفقرة السابقة تمتع الأولاد القصر بهذه الجنسية باتباع ذات الإجراءات السابقة. فإذا توفي من ولد لأم مصرية و أب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون يكون لأولاده حق التمتع بالجنسية وفقاً لأحكام الفقرتين السابقتين، وفي جميع الأحوال يكون إعلان الرغبة في التمتع بالجنسية المصرية بالنسبة للقاصر من نائبه القانوني، أو من الأم، أو متولي التربية في حالة عدم وجود أيهما."
وعقب إصدار هذا القانون والعمل به في 15 يوليو 2004، توجهت المئات من الأمهات المصريات المتزوجات من غير المصريين إلى وزارة الداخلية لطلب التمتع بالجنسية المصرية لأبنائهن، ووافق وزير الداخلية على غالبية هذه الطلبات، إلا أن هناك نذراً من هذه الطلبات لم يتم الاستجابة لها مما دفع بأصحابها إلى تقديم شكاواهم إليه بهذا الخصوص والتي يتضررون فيها من عدم تطبيق القانون بتعديلاته الجديدة عليهم
انتهاك حق حرية السفر
يعتبر الحراك البشري على مستوى الجماعات والأفراد سبباً أصيلاً من أسباب تكون المجتمعات ونمو الحضارات، ومن ثم كان التنقل والسفر سمة من السمات الملازمة للإنسان في مختلف مراحل تطوره الاجتماعي، فلما استقرت المدنية وتأسست الدول وخططت بينها الحدود تحولت هذه السمة من سلوك فطري إلى حق أصيل منظم وفقاً للمصالح المرسلة التي تعد مثابة كل تشريع.
وفي العصر الحديث أصبح حق التنقل والسفر من الحقوق التي تكفلها جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية؛ حيث أكدت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة" بالإضافة إلى أن "لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفى العودة إلى بلده" كما أوجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الدول احترام حق وحرية السفر ومغادرة البلاد بما فيها دولة الفرد التي ينتمي إليها، وهو ما قرره البند الثاني من المادة (12) من العهد حيث نص على أنه " لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده" غير أن البند 3 من ذات المادة وضع استثناءً على الوضع والإطار العام السابق وهو جواز تدخل الدول لتقييد هذا الحق إذا كانت هناك ضرورة لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. واشترط ذات البند على الدول ضرورة استصدار قانون يخول الجهات القضائية تقييد حق وحرية السفر والتنقل، إذ نص على أنه "لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد."
والملاحظ أن الدستور المصري قد ساير الإطار العام الذي وضعه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن حق السفر والهجرة إلى الخارج حيث نص في المادة (52) منه على أن " للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد "
أما التشريعات المنظمة لحرية وحق التنقل والسفر فقد اتخذت موقفاً متناقضاً ومتعارضاً مع الإطار الدستوري العام والسابق بيانه وهو ما تظهره قراءة قانون الهجرة رقم 111 لسنة 1983 وقرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين، إذ أن قانون الهجرة جاء خالياً من أي قيود على حق المصريين في مغادرة البلاد في حين تعارض قرار وزير الداخلية بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر مع القانون الخاص بالهجرة، هو ما يتضح من عرض الخطوط العامة لهذا القرار.
فيوجب قرار وزير الداخلية أن يكون الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر نفاذاً لأحكام المحاكم وأوامرها الواجبة النفاذ وللنائب العام، غير أنه خول أيضاً جهات إدارية غير قضائية حق إدراج الأشخاص الطبيعيين على قوائم الممنوعين من السفر وبدون حكم قضائي وبلا سند من القانون، وهذه الجهات هي: المدعي العام الاشتراكي، ومساعد وزير العدل للكسب غير المشروع، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ومدير إدارة المخابرات الحربية، ومدير إدارة الشئون الشخصية والخدمة الاجتماعية، ومساعد أول وزير الداخلية لقطاع مباحث أمن الدولة، ومدير مصلحة الأمن العام بعد موافقة وزير الداخلية.
ولم يشترط القرار أن تكون قرارات تلك الجهات غير القضائية مسببة لمراقبة مدى مشروعيتها برغم أنه رخص لها بأن تكون أوامرها الصادرة بالإدراج والمنع من السفر سارية لمدة ثلاث سنوات، ويجوز لتلك الجهات تجديدها قبل انقضائها. كما لم يضع القرار حداً أقصى للمدد التي يجوز لتلك الجهات إدراج الأشخاص الطبيعيين وحرمانهم من حقهم الطبيعي في السفر، بل نصت المادة(6) من هذا القرار على أن " يستمر الإدراج بعد انقضائها إذا طلبت الجهة التي طلبت الإدراج ذلك" ومفاد ذلك أنه يجوز أن يكون هذا الإدراج والمنع لمدد غير محددة ودون حد أقصى، وبالتالي فإن الشخص الطبيعي يظل تحت رحمة تلك الجهات بموجب قرار إداري ودون حد أقصى ولمدة غير معينة.
كما أن التظلم من قرارات تلك الجهات بالإدراج على قوائم الممنوعين من السفر يكون أمام لجنة يغلب على تشكيلها الطابع الإداري، فضلاً عن أن القرار لم ينص على أي ضمانات خاصة للأفراد أمام تلك اللجنة سواء بكفالة حق الدفاع، أو علنية جلساتها أو قرارها.
علاوة على ما سبق فإن بعض معاوني النيابة لجأ في بعض الأحيان إلى عدم إصدار أوامر بالحفظ في جانب كبير من القضايا الجنائية والسياسية والمالية التي يقوم بتحقيقها، فتظل التحقيقات فيها مفتوحة لمدة غير محددة، وبالتالي يحرم الأشخاص المنسوب إليهم اتهام في القضايا التي تباشر فيها النيابة تحقيقاً من السفر ومغادرة البلاد، ويخضع المتهمون في تلك القضايا لإجراءات معقدة للحصول على تصريح أو إذن بالسفر للخارج للعلاج أو في منح علمية برغم انتهاء التحقيقات فيها وإخلاء سبيلهم بموجب قرارات قضائية. كما أنهم يتعرضون عند العودة للمضايقة الأمنية نظراً لوضعهم على قوائم ترقب الوصول بسبب بقاء التحقيقات مفتوحة دون أن يصدر قرار من الجهة المختصة بالتصرف فيها سواء بالحفظ أو الإحالة إلى المحاكمة.
10) الحق في التقاضي والمحاكمة العادلة
حرصت المنظومة القانونية لحقوق الإنسان على تأمين إقامة العدل بين الأفراد كإطار عام لحماية كافة الحقوق الإنسانية فقد جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه : " ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم …..) ومن ناحية أخرى فإن عندما اتهام شخص بارتكاب جريمة، أو ضلوعه في ارتكابها، فإن هذا الشخص يواجه الدولة بكامل عدتها وعتادها ويتعرض لخطر الحرمان من الحرية أو أو غيره من العقوبات التي تمس حقوقه لذلك قررت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حق الأفراد في وسائل انتصاف فعالة من أي انتهاك لحقوقهم المشروعة وضمان عدم فرض اية التزامات أو توقيع أي جزاء ينال من حرياتهم أوممتلكاتهم أو غير ذلك مما يتمتعون به من حقوق وامتياوات مقررة إلا في إطار تطبيق عادل للقانون على أساس من المساواة بين الأفراد.
وقد قررت المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية لكل الأفراد الحق في التقاضي بما يشمله ذلك من المساوة في الوصول للمحاكم والحق في الفصل بين منازعتهم في محاكمة عادلة. فنصت المادة (8) من الاعلان العالمى لحقوق الانسان على أن ( لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلى من أية اعمال تنتهك الحقوق الأساسية التى يمنحها إياه الدستور أوالقانون) وأكدت المادة (10) من الإعلان نفسه على هذا المبدأ فنص على أن ( لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق فى أن تنظر قضيته محكمه مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل فى حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه اليه.
كما نصت المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على مجموعة من الحقوق الفردية كالمساواة أمام القضاء، وحق كل فرد في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحكم القانون كما قررت عدداً من المبادئ التي تكفل تحقيق العدالة مثل قرينة البراءة فنصت على أنه من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا. كما نصت هذه المادة على حد أدنى لضمانات المحاكمة العادلة من قبيل حق المتهم في المحاكمة دون تأخير وعلنية المحاكمة وضرورة حضور المتهم أثناء الفصل في الدعوى وحق المتهم في تمكينه من الدفاع عن نفسه سواء شخصياً أم من خلال محام ومنحه الوقت المناسب والكافي لذلك وحقه في طلب استدعاء الشهود ومناقشتهم وحق المتهم في التظلم من الحكم أمام محكمة أعلى.
وقد أكد الدستور المصري على هذه المقومات في المواد من 66 -70 و المواد من 166- 169 منه ومن أهم الضمانات التي كفلها الدستور التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار اداري من رقابة القضاء.
وجاءت قوانين الإجراءات الجنائية في المواد ( 139، 368، 236، 237، 286، 302، 375، 398، 401، 402، 410، 417، 395، 341، 342) والقانون57 لسنة 1959 الخاص بحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. بالإضافة للقانون46 لسنة 1972 الخاص بالسلطة القضائية، لتتمم مقومات المحاكمة العادلة التي أكد عليها العهد، وقررها الدستور المصري.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home