بصائر المعرفة

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني تفضل بزيارة مدونتي الأخرى umranyat.blogspot.com

Tuesday, September 11, 2007

حول أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

أفاض فضيلة الأستاذ أحمد شوقي إبراهيم في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من حيث معناه وضوابطه ومجالاته بما لا يدع زيادة لمستزيد فموضوع "الإعجاز العلمي" موضوع مطروق تناوبته الأقلام بشكل مكثف منذ أواخر القرن الماضي بتأثير الهجمة الشرسة للبغي الأوربي (الاستعمار ) على العالم الإسلامي وما صاحبه من هجمة فكرية تستهدف عقائد هذه الشعوب المستضعفة.
واستهدفت هذه الحملة ابتداءًا النيل من صدق القرآن الكريم كتنزيل إلهي بدءًا من جهود المستشرقين الأوائل "مونتجمري وات" و"ماسينون" انتهاءًا بما أشيع عن وجود لفائف يمنية تحوي قرآنًا أخر بخلاف كتاب الله تعالى الموجود بين المسلمين.
وكان من أثر هذه الهجمة العسكرية افتتان بعض المنتسبين للإسلام بالتنظيم الاقتصادي والاجتماعي الذي يتبناه الغرب والنزعة المادية التي التي يؤمن بها باعتبار أن جبروت الآلة الحربية الغربية أثر للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي الغربي والنزعة المادية التي يؤمن بها فكانت دعوة السير أحمد خان في الهند لمهادنة الاحتلال البريططاني بدعوى كسب وده لإيقاف اضطهاد المسلمين هناك وفي مصر ترجم أحمد فتحي زغلول (قاضي دانشواي) "سر تقدم ا؟لإنجليز الساكسونيين" وصدره بمقدمة تنم عن الإعجاب بالغرب أو "الأمم المتمدنة".
وفي مواجهة هذه الهجمة سعى البعض لبيان عظمة الإسلام كعقيدة تنعكس في نمط للحياة يكفل السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة وركز آخرون جهودهم على جانب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ومنهم:
الأستاذ محمد فريد وجدي الذي وجه جهوده في جانبين:
* بيان كيف أن القرآن الكريم بث الثقافة العلمية بين أبنائه "فالحكمة القرآنية" بتعبيره تتلخص في إقامة سلطان العقل واللجوء إلى حكمه في كل خلاف ،وعدم متابعة الخيالات فيما ليس وراءه علم يسنده وتحريم التقليد للآباء في العلم،وعدم الأخذ بدون دليل كما أنها تقيم منهج العلم على النظر في الوجود والموجودات والتأمل في أحوال الكائنات لا على الظنون والأوهام كما أنها حددت أهداف العلم وقررت أخلاقياته عندما بينت أن طلب العلم فريضة على كل مسلم لمصلحته المادية ومصلحته الروحية " و الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلا.
* بيان حدود ونطاق العلم"الحديث" كما تطور في عصر النهضة الأوربية بحيث أصبح هو المبدا والغاية أو نسقاً تفسيرياً مستكفياً بذاته فركز على محدودية هذا الفهم وبيان وجود أبعاد أخرى للحياة تكمن وراء أبعادها الظاهرة كالنفس.
وهو وإن انطلق من الرؤية الإسلامية للعلم التي تراه يسع كل المعارف الصحيحة التي يحتاجها البشر فقد اتخذ منحى دفاعياً إزاء طغيان النزعة المادية:
ففي عهد الشبهات والشكوك والبحوث الجريئة والانقلابات المادية والفكرية تحتاج الإنسانية لعلم صحيح يتعلق بعقائدها كما تحتاج إلى علم بما تستصلح به معيشتها وتبني عليه اجتماعها وتستكمل به وسائلها... فالإسلام بطبيعته قد شرع ليكون ديناً يسع جميع التطورات البشرية الممكنة .. فهو لذلك قد أتى بدستور جميع هذه الأمور حتى لا تصطدم به في دور من أدوارها .. واليوم وقد عادت الأديان لتنحصر في المعابد في الغرب فإننا وقفنا في نقطة تصادم العلم والدين وأدركنا الخطر المحدق بالحقيقة التي انتدبنا للدفاع عنها فدفعنا الشعور بالضعف إلى النظر في مذخورنا نبحث فيه هل بقى لنا من وسائل الدفاع عنها شئ فهدانا الله ونحن تحت تأثير هذا الفزع الكبر إلى ذلك المعقل المنيع الذي تتحطم به أكبر القوى دونه ولا ينال المستعصم به خيال من أذى ألا وهو أية المحكمات والمتشابهات.."
وممن نهج هذا المنهج أيضاً الأستاذ الإمام محمد عبده خاصة بعد هجوم الماديين والمستشرقين امثال شبلي شميل ورينان على الإسلام ورميه بأنه دين مضاد للعلم والاجتهاد الفكري فرأى "أن من إعجاز القرآن يعجز الزمان عن إبطال شئ منه وأنه موافق لما تجدد من العلم الحق والتشريع العدل" وأن القرآن الكريم فيه إشارات إلى أصول العلوم ومن هذا قوله في تفسيره سورة الفيل "وقد بينت هذه السورة الكريمة أن ذلك الجدري أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش"
بل وضع بعض العلماء تفاسير تسعى لاستقصاء أوجه الإعجاز في كافة أي القرآن الكريم كتفسير الشيخ "الجواهري" الذي أثار الكثير من الجدل ومنعته السلطات السعودية.
ومع استشراء المذهب المادي خاصة في توجهه الماركسي كانت نظرات العلامة جمال الدين الفندي أكثر تفصيلاً وأحكم بناءًا بحكم الخلفية البحثية والتكوين الدراسي (الأكاديمي) له، فيذكر العلامة الفندي أن الهدف من كتاباته:" أن يقرأه المكابر أو المتشكك لعله يؤمن والمؤمن ليزداد إيماناً" فالحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مناظر لمحاولة علماء الكلام المنافحة عن الإسلام في قرون الإسلام الأولى فالإبداع في العلوم هو الغالب الآن لا في الفنون و سر النهضة هو الإبداع العلمي مقارناً بين نهضة المسلمين في عصر النهضة العلمية الإسلامية فأبدعوا في تشييد العمائر وتسيير السفن وبين حالهم عندما سبقهم غيرهم فاخترعوا المدفع وآلات البخار فكانت سبب نكبتهم" ويعود تخلف المسلمين إلى خلطهم بين العلم الطبيعي وما وراء الحس فالعلم المقصود هنا هو العلم الطبيعي الذي يهتم بدراسة خصائص الأشياء والاستفادة منها وليس على حقيقة الأشياء وجوهرها فهويتسم بقدر من الثبات النسبي.
وعليه فإن العلم مجرد وسيلة يجب أن ترشد بربطها بفلسفة العلم وغاياته التي يجب أن تتحدد بالدين الذي يملك وحده الإجابة على الأسئلة الكبرى عن علاقة الإنسان بعالم الغيب وعالم الشهادة في أبعادهما المتعددة:
فبين القرآن الكريم كيف كرم الله الإنسان بحمل الأمانة (العقل الذي يصنع العلم) وأمر بضرورة التدبر واستمداد الحكمة من تاريخ الأمم السابقة.
كما حدد أهداف العلم في إسعاد البشر وتحقيق التعارف بين قبائل وشعوب البشر ،وأرسي الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها العلماء من تواضع وأمانة وأقام حرية الفكر والاجتهاد على النحو الذي شهدته الحضارة الإسلامية.
على أن د.الفندي يؤكد أن العلم دليل للإيمان سواء ببرهنته على وجود الله تعالى بالأدلة المختلفة أو بعجز العلم الطبيعي عن تفسير الروح والحياة.
ويرى أن من إعجاز القرآن التحدي العلمي ذكر تفاصيل بعض نواميس الكون بصورة تتسع لتطور أفهام البشر وعلومهم من ناحية وإسهامه في تطوير نظرة الإنسان للكون من ناحية أخرى وبتضمنه أصول العلوم من ناحية ثالثة
ويضرب على هذا أمثالاً متعددة منها كيفية تكون السحاب كم ورد في الآيات:
"الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون" الروم 48.
"والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور" فاطر 9
"وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" الأعراف 57
فالجمع بين هذه الآيات يبين كيف قدم القرآن الكريم رؤية علمية دقيقة لتكون السحاب كما تضمنت الآية "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " أساس علم الجيولوجيا وأرست آيات المواريث علم الحساب وفي مجال المستقبليات أبطل القرآن الكريم خرافات التنجيم وخرافات الانفجار السكاني.
وعلى الرغم من أنه يرى ضرورة وضع ضوابط للتصدى لهذا لا المجال من قبيل ضرورة الجمع بين الآيات المتفرقة في الموضوع الواحد إلا أنه لم ينج أيضاً من نوع من التجوز في الاستدلال ومن ذلك قوله في سورة الكهف "فوجدها تغرب في عين حمئة" أي في المحيط الأطلسي.
ومع التطور الفكري والفتوحات العلمية منذ منتصف القرن العشرين جرى التوسع في موضوع الإعجاز العلمي حيث كان وضع المسلمين العلمي يزداد سوءًا بينما الغرب يتقدم علمياً وصناعيا فأخرج العديد من المخلصين الكثير من الكتب التي تتناول موضوع الإعجاز العلمي اتسم بعضها بالاعتدال ويحاول بعضها يحمل القرآن كل علوم السماء والأرض وفي هذا الصدد يمكن الإشارة لكتابات الأستاذ سيد نوفل في حين أخذت بعض الجهود الأخرى طابعاً مؤسسياً فأسست جمعيات ونشرت المنشورات للحديث عن الإعجاز العلمي سواء في القرآن الكريم أو السنة المشرفة.
وأثارت هذه الجهود الكثير من النقاش حول ملاءمتها وضوابطها وضرورة وضعها في موضعها الصحيح:
فالبعض يثير اعتراضات على كتابات من قبيل كتابات الشيخ محمد عبده ويرى أنها "تنطلق من موقف الدفاع عن الإسلام وكأنه في قفص الاتهام فأوقع نفسه في ورطة كان في غنىعنها .. تتمثل في إقحام القرآن في ميدان العلوم وأنه موافق لما تجدد منها" ويعجب كيف يكون عدم تناقض العلوم ممع القرآن ضرباً من ضروب إعجازه للبشر مع أن الصحيح أن القرآن ليس كتاب علم من علوم البشر التي تعتمد على الملاحظة والتجريب والاستنتاج.
كما أنها خوض لا يجوز في المبهمات.
كما يعترض البعض على تجوز القائلين المعاني المعروفة لأساليب اللغة العربية ومن ذلك تفسير قوله تعالى في سورة الكهف " فلبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا" بأن التسع هي الفارق بين السنين الشمسية والقمرية .
ويعترض فريق ثالث على تحكيم نظريات العلم في القرآن الكريم ويذهب هؤلاء إلى أن التفسير العلمي للقرآن الكريم هو "تفسير يتوخى أصحابه إخضاع عبارات القرآن الكريم للنظريات والاصطلاحات العلمية وبذل أقصى الجهد في استخراج مسائل العلوم منه"
والمبالغة في هذا الاتجاه قديمة فيرى السيوطي في الاتقان أن "كتاب الله العزيز اشتمل على كل شئ فأنواع العلوم ليس منها باب ولا مسألة هي أصل وإلا في القرىن ما يدل عليها زونقل عن ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره" جمع القرآن علوم الأولين والآخرين ..ثم قامت كل طائفة بفن من فنونه فاعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة على وحدانية الله وووجدوده وبقائه وقدمه وقدرته ..وأخذ قوم مما في أية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض " ثم قال بعد أن أورد عددًا من العلوم الشرعية واللغوية "واحتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والحدادة والبناء..."
ويقتضي النظر القويم لموضوع الإعجاز العلمي تحديد المقصود منه ووضعه في إطاره الصحيح:
فالمعجزة هي ما أعجز به الخصم عند التحدي ويقول السيوطي "اعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة" ويرى الشيخ محمد ابو زهرة أن المقصود بوجوه الإعجاز الأمور التي اشتمل عليها القرآن وهي تدل على أنه من عند الله وما كان في استطاعة الجن والإنس أن يأتوا بمثله حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته الخارقة لما عند العرب وصورة نظمه العجيب وإخباره بالمغيبات كما في سورة الروم وما أخبر به من أخبار القرون البائدة" ولما كان القرآن الكريم هو المرجع في بيان طبيعة هذا التحدي فإن الإعجاز القرآني هو بالأساس "إعجاز بلاغي في الألفاظ والحروف والأسلوب والتصريف في القول والمعاني والنظم وفواصل الكلم والإيجاز والإخبار عن الغيب" فالمعجزة هي أمر خارق للعادة أما الأيات التي يشار إليها في سياق الإعجاز العلمي فهي تتحدث عن قوانين طبيعية وسنن يجريها الله تعالى على خلقه فمقصد هذه الآيات هو بالأولى لفت الانتباه لعظمة الكون وعظمة خالقه فهي لتثبيت الإيمان من ناحية ولبيان عظمة الخالق ولحفز الهمم إلى النظر والبحث من ناحية أخرى.
فالحديث عن الإعجاز العلمي إذا فهم العلم باعتباره العلم الطبيعي هو أصل على فرع "فالقرآن كتاب هداية ولم يأت ليعلمنا الكيمياء والفيزياء لكن فيه آيات توحي في صياغتها بالدقة والإعجاز فعندما تحدث كشوف علمية نجد أن القرآن محكم للغاية في صياغته اللفظية و في تعبيراته بصدد هذه الاكتشافات"

أما إذا تم أخذ مفهوم العلم ليشمل السنن الاجتماعية فإن القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي أنزله (للإنسان) هو معجزة إلهية من حيث هدايته له وإقامته أساس الحياة على نحو لا تستقيم أمور هذا الإنسان إلا باتباعه "فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) وبهذا فإنت القرآن الكريم بحكم عالمية الرسالة يشتمل على جوانب إعجاز أخرى من هذا الجانب فكما يقرر الشيخ أبو زهرة "أن الله تعالى تحدى العرب ابتداء بالمنهج البياني للقرآن وهو الذي استرعى ألبابهم إذ لم يكونوا يعفون مدى ما في أحكام القرآن من تنظيم سليم للمجتمع فيه المصلحة الإنسانية العالية " ولكن القرآن فيه الشريعة الباقية الخالدة وهو يخاطب الأجيال كلها والأجناس كلها العرب والعجم والبيض والسود فليس فيه من الإعجاز ما هو خاص بالعرب فقط وإنما إعجازه يعم الجنس البشري كله لأنه يخاطب الناس جميعهم.فالأحكام الشرعية التي اشتمل عليها القرآن أبلغ دليل وأكبر تحدي يسوقه الله تعالى للبشر"
وربما كان هذا الفهم عاصم من الشطط في رؤية جوانب الإعجاز العلم لآيات القرآن وما يراه البعض من قصر جوانب الإعجاز العلمي على العلوم الطبيعية والخوض في المبهمات التي لم يفصلها القرآن وإخضاعها لمعلومة علمية من هنا او هناك و الخلط بين الحصاد المذهل لتطبيقات العلوم الطبيعية والفكر المرتبط بالمجتمعات التي أنتجت غالب هذه التطبيقات.
المراجع والمصادر:
السيوطي، الاتقان في علوم القرآن بتحقيق محمد ابوالفضل إبراهيم،ج 3 (القاهرة : الهيئة المصرية العام للكتاب، 1975).
محمد جمال الدين الفندي، الإسلام وقوانين الوجود(القاهرة: الهيئة العامة للكتاب 1982).
جمال الدين عطية(تقديم) ، سمنار سنن الله في الآفاق والأنفس (القاهرة :المعهد العالمي للفكر الإسلامي،1989).
عبد المجيد عبدالسلام المحتسب، اتجاهات التفسير في العصر الراهن (عمان :دار البيارق،1982).

0 Comments:

Post a Comment

<< Home