سؤال لا يخلق من كثرة الرد: لماذا أنا مؤمن
في عصور الانحطاط يشيع تأسيس الإيمان على الخوارق والكرامات وفي عصرنا لاحظت أن أكثر المجتمعات الإسلامية انحطاطاً التي يتقاتل فيها أصحاب المذاهب المنتسبة إلى الدين وتراق فيها الدماء من أجل إعفاء لحية أو تقصير ثوب هي التي يشيع فيها هذا البلاء و أغلبنا لا زال يذكر قصة اللوحة الملفقة لغابة أينعت أشجارها متخذة شكل كلمة التوحيد في ألمانيا وتذكر القصة أنه لما ذاع أمر هذه الأشجار قامت السلطات الألمانية"الحاقدة" تسوير الغابة ومنع الدخول إليها أو تصويرها واستمرت هذه الخرافة مشتهرة إلى أن كشف صاحب اللوحة الملفقة تزويرها وكنت أعجب هل يحتاج الناس لإثبات صدق إيمانهم لهذه الترهات وهم يشهدون معجزات الله تعالى في خلقه يوميا صباح مساء في بديع خلقه بل " وفي أنفسهم أفلا يبصرون" لكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن البشرية كلما ارتقت في معارج الإدراك والفكر والروح كانت أكثر إذعاناً لأدلة العقل لذلك كانت معجزة القرآن الكريم لا في نظمه البديع الذي تحدى به الله تعالى به الجن والإنس وحسب بل وما انطوى عليه من منهج حياة بديع لا يتصور قيام حياة حقة للإنسان أو سعادته إلا به ففيه منهج وسنن لو لم تكن دينا لوجبت أن تكون ديناً.
بهذا الفهم أصبحت مؤمناً واخترت "أن أسلم لرب العالمين" وألتزم باتباع النهج الذي ارتضاه تعالى لنا لتحقيق سعادتنا فالله تعالى خلقنا أثراً لفيض رحمته ومحبته وامتن علينا بإنزال الدين لنا متضمناً شريعة "مبناها وأساسها على الحِكَمِ ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمة بين خلقه وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله أتم دلالة وأصدقها" كما قال ابن القيم رحمه الله.
فهي شريعة (أو بالمرادف اللغوي منهج ) إنسانية الغاية والمقصد فالله تعالى غني عن العالمين وما خطر لي مرة أن حكماً شرعيا يقسو علي إلا وجدت لدى التمحيص أنه في الحقيقة ليس حكماً شرعيا أو أنه مجتزأ من نظامه وسياقه وأن الشريعة نظام متكامل يستحيل فيه الظلم لكننا نحن الذين نجتزيء منها ما نلبسه أهواءنا وأمراضنا الاجتماعية ومهنا كان نداء سيد قطب رحمه الله خذوا الإسلام كله أو دعوه كله طبعا يقصد بالإسلام قبول كتأسيس نظامي للفرد والجماعة وإلا فكلنا خطاءون.
بهذا التصور الإيمان ليس دعوى ولا فكرة نظرية بل ابتلاء متجدد يواجه فيه الإنسان مسئوليته وأمانته بالاختيار بين سلوك طريق الباطل أو طريق الحق فيكون الاختيار شاهدا على حقيقة إيمانه وصدقه فالإيمان عمل متجدد وهو ما أوضحه نبينا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام عندما أمرنا أن نجدد إيمانن بقول لا إله إلا الله باعتبار أن الإنسان السوي يصدق عمله قوله.
الهوى وغيره من أمراض النفوس والعقول هي التي تجعل المسلمين يتفبتون من أحكام شريعتهم برغم أن التزامها نعمة لا يقدرها إلا ذو فطرة سليمة وعقل ناضج تعرفت بالأزهر بشاب حديث عهد بالإسلام فسألته ماذا أعجبك في الإسلام؟ قال: قبل إسلامي لم يكن لي منهج حياة أفعل ما شئت كيف شئت أنى شئت لكن الإسلامي رسم لي المنهج في كل سكنة وحركة.
إيماني بديني وثيق الارتباط بإيماني بإنسانيتي فكما ورد في الحديث الصحيح "خلق الله آدم على صورته" وأبتسم أمام عبث الإلحاد الطفولي و لا تضايقنى شبهات المفترين بل اجد فيها تذكيرا بنعمة الله تعالى علي وأن أجدد إيماني بإقراري بنعمه تعالى وحمده على منته بأن هدانا للإيمان.