بصائر المعرفة

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني تفضل بزيارة مدونتي الأخرى umranyat.blogspot.com

Wednesday, April 30, 2008

محمد إقبال: الباحث عن طيبة

العلوم الاجتماعية بين العلمنة والأنسنة

تأويل ماركس لهيجل

ما وراء العلم

قراءة في مفهوم العقل في الفكر الإسلامي

Saturday, April 26, 2008

بطاقات التسجيل المتوازنة مترجم

تؤكد بطاقات التسجيل المتوازنة على اهمية قياس أداء الأعمال من منظور التنفيذ الاستراتيجي وليس الاعتماد فقط على النتائج المالية حيث يميل كبار المديرين لإيلاء اهتمام كبير بالأبعاد المالية للأداء دونما هتمام كاف بالقوى الدافعة وراء هذه النتائج إن المقاييس المالية هي مؤشرات مترجعة فهي مثلاً تنظر للوراء فهي مصممة لتغيير النتائج الماضية أما دوافع الأداء فهي على الجانب الآخر تحت تحكم الإدارة في الحاضر وتشجع منهجية بطاقات التسجيل المتوازنة النظر لهذه المؤشرات الرائدة أيضاً فبتحديد مقاييس العمليات الهامة و وتقييمها وتوصيل أداء المنشأة على أساس هذه المعايير للمستخدمين يمكن للمديرين ضمان أن كامل المنظمة تشارك بفعالية في عملية تنفيذ الاستراتيجية فهي أداة توحيد في تنفيذ الاستراتيجية. ولتحقيق تضبيط الاستراتيجية لابد للمنشأة من أن تدخل في عملية من خطوتين: فكما ذكرنا سلفاً فإن الخطوة الأولى هي أنه لابد للمديرين من أن يفهموا تفاصيل كيفية خلق القيمة في منشآتهم وبمجرد ان يقوموا بذلك يمكنهم تصميم نظام قياس يتأسس على هذا الفهم تركز الخطوة الأولى على المنظمة في بعدين من أبعاد عملية تنفيذ الاستراتيجية :الامتداد وسعة التفكير وتدفق السببية.
يشير مفهوم الامتداد وسعة التفكير إلى أن الشركات لابد لها من دراسة ما هو أبعد من مجرد النتائج المالية كنواتج لتنفيذ الاستراتيجية فعليها أن تركز أيضاً على دوافع الأداء المفتاحية ويشير مفهوم تدفق السببية إلى سلسلة من الروابط بين المحددات المالية وغير المالية لأداء المنشأة ويمنح ذلك المديرين منظوراً أعمق لماذا تأخذ نتائج مالية معينة المنحى الذي هي عليه، فهو يسمح لهم بربط المقاييس المالية بالمقاييس غير المالية للنجاح.
النقطة الثانية هي تصميم نظام القياس ويشمل هذا ربط القياسات بالمحددات المالية وغير المالية وتحدد بطاقات التسجيل المتوازنة أربعة مناظير أساسية تحدد تماً ومباشرة قياس وتحليل الاستراتيجية ة تشمل المنظور المالي ومنظور العميل (مثلاً ولاء العميل ورضاؤه) ومنظور العمليات الداخلية (مثلاً عمليات الجودة وعمليات زمن الدورة) وأخيراً منظور التعلم والنمو (مثلاً مهارات المستخدمين ) وهي المؤشرات الرائدة.
الخطوة الهامة التالية هي الاتصال فالإدارة العليا التي قامت بالتحليل السابق عليها توصيل نتائجها وقراراتها لمديري المستوى الأوسط ومديري الخطوط الأمامية الذين عليهم بدورهم توصيلها إلى المستخدمين الآخرين بهذه الطريقة يكون لديهم وعي ويمكنهم المشاركة بعملية تنفيذ الاستراتيجية ويساعد هذا أيضاً في تخصيص الموارد بطريقة ذكية ومتعقلة ويرشد قرارات المستخدمين ويقر نموذج بطاقات التسجيل المتوازن بأهمية الأصول المادية والمعنوية كلاهما معاً والمقاييس المالية وغير المالية فهو يركز على الصلات المعقدة بين عملاء المنشأة والعمليات والمستخدمين والتكنولوجيا ويفرد دوراً هاماً للموارد البشرية
مزايا بطاقات تسجيل الموارد البشرية
أنها تعزز التمييز ما تقوم به الموارد البشرية وما تستطيعه من ناحية و بين نواتجها من ناحية أخرى
حيث يجب على نظام قياس الموارد البشرية ان يميز بوضوح بين النواتج التي تؤثر على تنفيذ الاستراتيجية وافمكانات والأفعال التي لا تؤثرعليها فتنفيذ سياسة ليس ناتجا إلى أن يكون له تأثير إيجابي على معمار أو تصميم بنية الموارد البشرية ويخلق سلوك المستخدمين السليم الذي يدفع تنفيذ الاستراتيجية وإن نظام قياس الموارد البشرية السليم والملائم سيشجع مختصي الموارد البشرية على التفكير استراتيجياً و تشغيلياً في وقت واحد
أنها تمكن من ضبط النفقة وخلق القيمة
عادة ما يتوقع من الموارد البشرية أن تقوم بضبط نفقات المنشأة وفي الوقت نفسه يتوجب عليها أن تنجز أهدافها الاستراتيجية وتساعد بطاقات تسجيل الموارد البشرية في تحقيق التوازن بين هذين الهدفين وإيجاد حل توفيقي فهي تسمح لمسئولي الموارد البشرية بالتخلص من النفقات عندما يكون ذلك مناسباً ولكن في الوقت نفسه يدافعون عن الاستثمار في الأصول المعنوية والموارد البشرية ببيان المكاسب من ورائها بكلمات محددة ملموسة.
أنها تقيس المؤشرات الرائدة
فكما توجد مؤشرات رائد وأخرى لفترات سابقة في نظام قياس الداء المتوازن على المستوى الكلي
توجد نواتج و دوافع في سلسلة القيمة للموارد البشرية وبذلك يصبح من المهم مراقبة تضبيط قرارات ونظم الموارد البشرية التي تدفع نواتج الموارد البشرية ويقدم تقييم هذا التضبيط تغذية راجعة عن تقدم الموارد البشرية تجاه هذه النواتج ويضع الأساس لتاثير الموارد البشرية الاستراتيجي.
أنها تقيم إسهام الموارد البشرية في تنفيذ الاستراتيجية.
حيث تقدم مقاييس التأثير التراكمي لنواتج بطاقات الموارد البشرية إجابة على السؤال الخاص إسهام الموارد البشرية في أداء المنشأة فكل المقاييس لها منطق استراتيجي ذو مصداقية ويمكن أن يستخدم مديرو الصف الأول هذه المقاييس كحلول لمشكلات الأعمال.
انها تدع مهني الموارد البشرية يديرون بفعالية مسئولياتهم الاستراتيجية فبطاقات التجسيل تشجع مديرو الموارد البشرية على الرتكيز بالضبط على الكيفية التي تؤثر بها قراراتهم التنفيذ الناجح لاستراتيجية المنشاة وهذا راجع إلى الطبيعة النظامية للبطاقات فهي تقدم إطار عمل واضح للتفكير بشكل نظامي.
انها تشجع المرونة والتغيير
فالطبيعة الأساسية لبطاقات التسجيل بتأكيدها على السببية وخطوط التغذية الراجعة أنها تساعد على مناهضة نظم القياس صارمة التقعيد فعملية التقعيد والمعايرة أمر جيد للأشياء التي لا تميل لأن تكون ذات طابع حركي في حين أن أداء المنشأة هو ظاهرة حركية (ديناميكية) فكل قرار يحتاج أن يتخذ على أساس سيناريوهات الحاضر والمستقبل وأحد المشكلات الشائعة في نظم القياس أن المديرين لديهم مهارة الحصول على الأرقام الصحيحة بمجرد اعتيادهم على نظام قياس معين أما بطاقات تسجيل الموارد البشرية فهي تنمي المرونة والتغيير لأنها تركز على تنفيذ استراتيجية المنشأة والتي تتطلب التغيير بشكل دائم وفي ظل إطار العمل هذا تصبح المقاييس ببساطة مؤشرات على المنطق الأساس الذي يقبله المديرون باعتباره شرعياً فهو يساعدهم على النظر إلى الصورة الاكبر ونظراً لأنه لا توجد أعداد صحيحة يسهل على المديرين تغيير الاتجاه كلما بدت حاجة لذلك

الثقافة التنظيمية كمدخل أساس لدفع التغير التنظيمي

الثقافة التنظيمية كمدخل أساس لدفع التغير التنظيمي
مقال لأحد رواد البحث في الثقافة التنظيمية
Daniel Dension
يشير هذا الفصل إلى صورتين تبدوان متناقضتين للثقافة التنظيمية الأولى صورة متفائلة تفصلها الأدبيات المختلفة التي ترى الثقافة التنظيمية الملاط الذي يربط المنظمة ببعضها الجزء المحوري في عملية التغيير والثانية صورة متشائمة لا ترى للثقافة هذه الأهمية في عملية التغيير بل تتقلص الثقافة إلى مجرد تفسير هامشي لما حدث في المنظمة بالفعل عندما تعوزنا الكلمات لوصف حقيقة ما حدث ومن ثم تسعى هذه الدراسة لصياغة مفهوم الثقافة التنظيمية بصورة تجعله مفيداً للمديرين الذين يسعون لإيجاد رافعة أثناء عملية التغيير ويناقش خمسة دروس مستفادة بصدد جعل منظور الثقافة ملائماً أثناء عملية التغيير وبما يساعد لاحقاً في وضع مجموعة من الأولويات تنعكس في إطار عمل الثقافة المقترح.
ويتصل الدرس الأول بأخذ وجهة نظر "أصحاب المكان الأصليين" بجدية أي فهم معنى المواقف العملية من المنظور الداخلي للمنظمة وأعضائها وعلى الرغم من التأكيد المتكرر على هذا المعنى فعادة ما يتم تجاهل طبيعة "قبائل" المديرين الذين يعملون تحت ضغوط الوقت وتوجهه نحو تحقيق أعلى نواتج و ينشغل الباحثون باعتبارات إبستمولوجية (معرفية) للوصول لأفضل الطرق لدراسة الثقافة التنظيمية لذلك يقصر أغلب المفاهيم التي يتم تطويرها عن ملاءمة واقع هذه المنظمات لذلك إذا كان لبحوث الثقافة أن تقدم رافعة للتغير التنظيمي فلابد من تقديمها بشكل له معنى لأعضاء المنظمات وأن تلائم المفاهيم واستراتيجيات التحليل اهتمامات الإدارة داخل هذه المنظمات.
أما الدرس الثاني فهو إيجاد منظور نظمي كلي فمثلاً النماذج الحالية مثل نموذج سكين متحيزة للجانب الإدراكي وتفصل بين مستويات الثقافة التنظيمية لذلك لابد من تطوير مدخل يربط الافتراضات بالقيم بالسلوك بالتجليات الظاهرة للثقافة، وإيلاء هذه المظاهر ما تستحقه من اهتمام فبدء عملية الاستدلال بالمستوى المنظور للثقافة ثم العودة للافتراضات ينشئ رافعة للتغيير التنظيمي بشكل أفضل مما لو تم البدء بدراسة افتراضات الثقافة.
ويتصل الدرس الثالث بضرورة الإقرار بالتفرد وفي الوقت نفسه تقديم معالم وأسس للمقارنة فمعظم الأدبيات تشدد على تفرد المنظمة ولا ترتاح للمدخل المقارن في الدراسة وكمرشد للعمل الأمر الذي يعوق عمل الثقافة التنظيمية كرافعة للتغيير فالتأكيد على تفرد كل منظمة يقوض أهمية الثقافة من ناحية و لا يفيد المديرين من ناحية ثانية الذين يهتمون بمقارنة النتائج ومعدلات الأداء ولن تمتد أبصارهم أبعد من تركيزهم على أفضل الممارسات ما لم يتم التركيز على مقارنة الثقافات التنظيمية والأهم أن الأمر ليس بهذا الاستقطاب كما تشير بحوث سكين وهوفستيد المقارنة فهذه المقارنة ممكنة وعملية خاصة على مستوى القيم وهامة للتغيير التنظيمي.
ويقترح الدرس الرابع التركيز على تضمينات الثقافة التنظيمية للأداء فلابد لكي تكون الثقافة التنظيمية رافعة للتغيير من أن تؤطر مشكلات المديرين وأن تستجيب للاهتمامات المشروعة لهم بالقيمة الأداتية للتغير الثقافي أي باعتباره أداة لتحسين أداء المنظمة فلابد لدراسات الثقافة التنظيمية من أن تثير وعي المديرين بالشواهد على الصلة بين الثقافة والأداء ومساعدتهم على فهم الآثار السلبية والإيجابية للثقافة على الأعمال وأن يتم ذلك بلغة لها معنى بالنسبة لهم فترتبط بتغييرهم لسلوكهم.
ويشير الدرس الخامس إلى التركيز على الرموز والتناقضات والمعضلات فالثقافة التنظيمية ترتبط بإضفاء المعنى على المنظمة وتحقيق استمراريتها من خلال استراتيجيتها للتكيف في حين أن التغيير يقتضي تغييراً في نظام المعنى وفي نظام المنظمة للتكيف ومن هنا تبدو أهمية التركيز على الثقافة التنظيمية كنظام للمعنى يفسر استراتيجية التكيف التي تختارها المنظمة لمعالجة المعضلات التي تواجه المنظمة والتناقضات الناجمة عن المطالب المتعارضة فيها مثل التركيز على الجودة أم السرعة ، التوجه العالمي أم التركيز على الجوانب المحلية وبهذا يمكن فتفهم وجود تنافس بين الجماعات المختلفة على الأفكار والمعلومات لفرض رؤيتها ضمن نظام المعنى في المنظمة وهنا تضطلع الرموز بدور مهم في ثقافة المنظمة وهذا الفهم للثقافة مهم للتغيير باعتبار أنه دائماً ما يتطلب إيجاد طرق جديدة للتوفيق بين مصفوفات المنظمة القديمة كما أنه يساعد في فهم الجماعات والثقافات الفرعية ومصادر الصراع المحتملة حول القضايا التنظيمية.
وبالاستفادة من هذه الدروس تقدم الدراسة نموذجاً للثقافة التنظيمية يتكون من أربع سمات تنظيمية التكيف والمهمة والمشاركة الاتساق
سمة المشاركة وتتضمن أبعاد التمكين حيث يثور التساؤل هل تم تمكين الموظفين من خلال مسئوليات حقيقة ؟وهل تم خلق حس الملكية والمبادرة فيهم؟ وبعد توجه الفريق أي العمل بشكل تعاوني لتحقيق أهداف مشتركة وبعد تطوير القدرات حيث يثور التساؤل هل تستثمر في تطوير مهارات الموظفين لتظل قادراً على المنافسة وموجهة متطلبات قطاع الأعمال الذي تعمل فيه؟
أما سمة الاتساق ويقصد بهذه السمة اختبار ما إذا كان للمنظمة ثقافة قوية متماسكة وتتضمن هذه السمة الأبعاد الفرعية التالية: القيم الجوهرية وتثير التساؤل هل تمتلك المنظمة مجموعة مشتركة من القيم التي تخلق حساً قوياً بالهوية وهل توجد مجموعة من التوقعات بين أفراد المنظمة؟ وبعد الاتفاق الذي يشير إلى مدى امتلاك القادة المهارات اللازمة لتحقيق الاتفاق والتوافق بين الآراء المختلفة حول القضايا الحيوية؟ أما البعد الثالث لهذه السمة فهو التنسيق والتكامل أي هل تعمل وحدات المنظمة ووظائفها معاً بشكل جيد؟
أما سمة التكيف فتركز على قدرة المنظمة على التكيف بسرعة مع الإشارات الواردة من البيئة الخارجية بما في ذلك العملاء والسوق وتشمل هذه السمة أبعاد: خلق التغيير فهل نخاف التغيير أم نتعلم استقراء التغيرات في البيئة ونسعى لتحويل التغيرات إلى عمليات وإجراءات تتم في أوانها والبعد الثاني هو التعلم التنظيمي هل يمكنك ترجمة الإشارات الواردة من البيئة الخارجية إلى فرص لتشجيع التجديد واكتساب المعرفة؟ والبعد الثالث هو التركيز على العملاء فالمنظمات المتكيفة تكون مدفوعة في عملها بعملائها فهل المنظمة قادرة على فهم عملائها وإرضائهم وتقع احتياجاتهم المستقبلية؟
السمة الأخيرة هي سمة المهمة فالمنظمة الناجحة تملك حساً واضحاً بالهدف الذي يحدد توجهاتها المستقبلية طويلة الأجل وأهمية سمة المهمة تنبع من تحديدها ما إذا كانت المنظمة تعاني من قصر النظر أم مهتمة بتحديد الاستراتيجية وخطط العمل بشكل منظم وتتضمن هذه السمة ثلاثة أبعاد: بعد الرؤية وبعد الاستراتيجية وبعد الأهداف والغايات
وتركز سمات التكيف والمشاركة على التغير والمرونة في حين تشير سمات المهمة والاتساق إلى القدرة على تحقيق الاستقرار عبر الزمن ومن ناحية أخرى فإن سمتي التكيف والمهمة تتصل بقدرة المنظمة على التكيف مع التغيرات من البيئة الخارجية في حين تؤكد سمتا المشاركة والاتساق على التكامل الداخلي للنظم والهياكل والعمليات.
ويتميز هذا النموذج بسمتين أساسيتين هما: التناقضات الحركية حيث يركز على مجموعة من التناقضات التي يمكن إدارتها كمصفوفة بدائل بين محور التركيز الداخلي والخارجي والمرونة والاستقرار وبين الاتساق الداخلي والتكيف الخارجي و بين حس المهمة والمشاركة ويمثل حلا هذه المشكلات دون الوقوع في اختيار أحدهما على حساب الآخر مشكلة حقيقة تواجه أي منظمة أما السمة الأخرى فهي أن المعتقدات والافتراضات هي جوهر وفي لب هذا النموذج وإذا كانت هذه المستويات هي المستويات الأعمق للثقافة التنظيمية والتي يصعب قياسها فإن هذا النموذج يمتاز بمحورية المعتقدات والافتراضات التي تمثل الأسس العميقة التي تنبني عليها الاسترتيجيات والبنيات والسلوكيات ومن ثم ينبغي إعادة تقييمها عند إدارة التغيير أي إعادة تقييم النسق التنظيمي الذي تضمه الثقافة التنظيمية إلى بعضه البعض وتربطه معاً.
وتطبق الدراسة هذا النموذج على 3 حالات دراسية لبيان الإمكانات النظرية والعملية التي يحملها هذا التطبيق وتختتم الدراسة بالإشارة على أهمية الرؤية التي قدمتها لا لطابعها العملي وحسب بل ولأنها قدمت إطاراً للثقافة التنظيمية يربطها بالتغير التنظيمي والفعالية التنظيمية بحيث أن هذه الدراسة يمكن عرضها على اعتبارها إطاراً لدراستهما.
أبعاد الثقافة التنظيمية
إن تفرد مجموعة البيئات على كل مستوى أو جماعة في المنظمة يؤثر على تكون الثقافة التنظيمية، فلابد للمنظمة حتى تكون فعالة من أن تتكيف لمطالب بيئتها بخلق ثقافة تنظيمية فريدة ( سلاك 1997Slack ) لكن من الناحية الواقعية ونظراً لصعوبة إيلاء الاهتمام لكل ظواهر الثقافة التنظيمية يصبح من الضروري التركيز على أبعاد معينة لتشخيص الثقافة التنظيمية، وبشكل عام يحاج العديد من الباحثين والمنظرين مثل (ساث Sathe 1983، سكال Scal1983 ، و سكين Schein 1983) أن قوة الثقافة وانسجامها هي الأبعاد الجوهرية محل الاهتمام، لأن هذين البعدين يرتبطان بقوة بوجود درجة عالية من الفعالية التنظيمية ( كاميرون Cameron و إتنجتونEttington 1983) ومع ذلك تم تحديد العديد من أبعاد الثقافة التنظيمية في الأدبيات فذكر ( كاميرون Cameron و إتنجتونEttington 1983) أكثر من 20 بعداً للثقافة التنظيمية مثل بعد محور التركيز الداخل أم الخارج و السرعة والمشاركة ومسافة القوة و الوضوح والذكورة وأكثر من ذلك اقترح (كاميرون Cameron وكوين وquinn 1999) نمطين لأبعاد الثقافة التنظيمية: بعد المضمون وبعد النمط ويشير بعد المضمون إلى جوانب ثقافة المنظمة التي يجب استخدامها كافتراضات في التنمية التنظيمية لمساعدة أعضاء المنظمة من التعرف على وفهم قيم منظماتهم الثقافية، ويشير بعد النمط إلى الصورة الثقافية التي يتم الوصول إليها بتحديد نمط الثقافة التنظيمية باستخدام أداة تقييم ثقافية. وبشكل مشابه حاج (دلوبي Delobbe وهاكون Haccoun 2002) بوجود بعدين أساسيين للثقافة التنظيمية في أدبيات الإدارة: 1- القيم التنظيمية 2- أنماط السلوك والمعايير وعرفا في دراستهما القيم التنظيمية بأنها مبادئ تؤسس لأنماط السلوك والمعايير، في حين يمكن تعريف أنماط السلوك والمعايير على أنها " طرق التفكير والتصرف والاعتقاد التي يتشاركها أعضاء الوحدة الاجتماعية" ومن الطريف أن ثمة منظوران للأبعاد في الثقافة التنظيمية بناء على النقاش السابق: 1- البعد الجزئي 2- البعد الكلي وتؤكد الأبعاد الجزئية في الثقافة التنظيمية على الفعالية التنظيمية والعلاقات الإنسانية الداخلية والانسجام الثقافي والبنية والإجراءات التي تعمل المنظمة وفقها في حين تشمل الأبعاد الكلية النمط التنظيمي والتكيف مع البيئات الجديدة والاستراتيجية والنجاح المالي.
وفي منظور آخر استكشف (شامبو 1996 (Champoux سبعة أبعاد للثقافة التنظيمية يقترح كل بعد طرقاً مختلفة لفهم الثقافة هذه الأبعاد هي كما يلي :
يصف بعد المستويات ثقافة المنظمة باعتبار أنها على درجات مختلفة من التعين والقابلية للرؤية والقيم الجوهرية هي أقلها تعيناً وقابلية للرؤية.
يرى بعد الانتشار والعموم الثقافة على أنها تنتشر على نطاق واسع في المنظمة، فالثقافة تؤثر على الناس ومعتقداتهم والعلاقات داخل وخارج المنظمة ورؤيتهم لمنتجات المنظمة وخدماتها، ورؤيتهم لمنافسيهم وغير ذلك الكثير والكثير .
ويشير بعد الضمنية إلى الكيفية التي يأخذ بها الموظفون القدامى المتمرسون ثقافة المنظمة كمعطى مسلم به.
ويقترح بعد البصمة المميزة أن الثقافة التنظيمية عادة ما تكون لها جذور عميقة في تاريخ المنظمة، فالثقافات تسم أعضاء الثقافة بقيمها ومعتقداتها بشكل قوي بحيث يصعب على الناس أن يحولوا معتقداتهم وقيمهم.
ويرى البعد السياسي أن الثقافة مرتبطة بنظم القوة في المنظمة فالتحالفات والزمر والثلة (الشلة) قد تكون لها مصلحة في الارتباط بهذه القيم بما يجعل هذه الجماعات أما مصدراً رئيسياً لمقاومة التغيير الثقافي أو لاعبي أدوار حيوية في مراحل مختلفة من تاريخ المنظمة.
ويؤكد بعد التعددية على وجود ثقافات فرعية في أغلب الثقافات التنظيمية ويمكن أن تطور الثقافات الفرعية اهتماماتها الخاصة بصدد القضايا والمعتقدات .
ويقترح بعد الاعتماد المتبادل روابط بينية داخل ثقافة المنظمة وطرقاً ترتبط بها الثقافات بأجزاء المنظمة الأخرى
وبالإضافة إلى ذلك طرح ( كاميرون Cameron وكوين و quinn 1999) أهمية نموذج القيم المتنافسة لتمثيل قيم الثقافة التنظيمية وأظهر أبعاد الثقافة التنظيمية بالأربعة نماذج:
- نموذج الهدف العقلاني: بتأكيده على التحكم ومحور التركيز الخارجي
- نموذج العملية الداخلية: ويؤكد على التحكم لكن بتركيز داخلي
- نموذج العلاقات الإنسانية: ويعكس المرونة والتركيز الداخلي.
- نموذج النظم المفتوحة: وهو مرن بتركيز خارجي.
إن إطار القيم المتنافسة بجمعه نظم القيم لكل واحد من هذه النماذج النظرية الأساسية الأربعة يشرح تأكيد مختلف الأشكال على هذه القيم في ثقافة تنظيمية معينة، ويدمج إطار القيم المتنافسة أيضاً الصراعات والتوترات المتأصلة في المنظمات أما الأبعاد المتقابلة التي تحدد إطار القيم المتنافسة فهي: الناس مقابل المنظمة، والاستقرار والتحكم مقابل المرونة والتغير والوسائل مقابل الغايات.
وأخيراً فإن ثمة العديد من الاستبيانات التي تم تطويرها لتقيس حركيات (ديناميات) الثقافة التنظيمية، ومن بين هذه الاستبيانات يتم استخدام 4 على نطاق واسع ويجري ذكرها في أغلب دراسات الثقافة التنظيمية. ويقدم الجدول 3 تلخيصاً لأبعاد الثقافة التنظيمية الشائعة التي تستخدم في هذه الاستبيانات وكما يظهر في الجدول، توجد أربعة أبعاد أساسية للثقافة التنظيمية الأول "توجه الناس" ويعكس سيادة الدعم والتنسيق والاحترام المتبادل بين أعضاء المنظمة (دلوبي Delobbe وهاكون Haccoun 2002) ويشير هذا التوجه إلى رباعي ثقافة الجماعة في نموذج القيم المتنافسة أو إلى ثقافة التأييد في مقياس الثقافة التنظيمية، الثاني بعد التجديد ويشير للانفتاح العام للتغير والنزوع للتجريب وتحمل المخاطر، والثالث بعد التحكم وهو بعد هام يؤكد على مستوى رسمية العمل ووجود القواعد والإجراءات وأهمية التراتب الهرمي، وأكثر من ذلك فإن هذا البناء النظري يشبه في أسلوبه بعد البيروقراطية في بعض أدوات القياس (على سبيل المثال مقياس الثقافة التنظيمية وإطار القيم المتنافسة).
الأبعاد المشتركة للثقافة التنظيمية في أربعة استبيانات
الاستبيانات عدد البنود توجه الناس التجديد توجه النواتج توجه البيروقراطية
صورة الثقافة 54 احترام الناس الاستقرار توجه النواتج
التنظيمية التوجه نحو الفريق مقابل
أوريلي وشاتمان التجديد
وكولدول
مقياس الثقافة 24 ثقافة ثقافة الثقافة البيروقراطية
التنظيمية الدعم التجديد
ليوين وستينجر 1968
والاش 1983

قائمة سمات 120 ثقافة المهمة الأمن
الثقافة التنظيمية مقابل مقابل
كوك و ليفرتي 1989. ثقافة الناس الرضاء


إطار القيم 16 ثقافة الجماعة الثقافة التنموية الثقافة العقلانية ثقافة التراتب
المتنافسة (الدعم) التجديد (الهدف) (القواعد)
كوين وسبرازر 1991

وأخيراً فإن التوجه نحو النواتج هو بعد جوهري آخر يقيس مستوى الإنتاجية أ والأداء المتوقع في المنظمة (دلوبي وهاكون).
وحسب الأدوات الموضحة في الجدول السابق فإن عدد وعناوين المقاييس التي تغطي هذه المجالات المفاهيمية الأربعة تختلف بشدة من أداة قياس لأخرى، ويعني هذا أنه لا توجد أداة تغطي كامل نطاق الثقافة التنظيمية، فعلى سبيل المثال يقيم العديد من الاستبيانات أبعاداً معينة بدرجة محدودة من التعمي، وأورد " كاميرون وإتنجتون" قائمة بالعديد من الأبعاد المفاهيمية التي يكثر ذكرها واستخدامها في بحوث الثقافة وهي: 1- قوة الثقافة (القدرة على ضبط السلوك) 2- انسجام الثقافة (الملاءمة أو التناسق بين عناصر الثقافة) 3- نمط الثقافة (التركيز على مقولات سائدة معينة) 4- استمرارية الثقافة ( إلى أي مدى يتم الحفاظ على اتساق الثقافة عبر الزمن) 5- تميز الثقافة (تفرد الثقافة ) 6- وضوح الثقافة (إلى أي مدى يتم تعريف وتحديد وعرض الثقافة بشكل لا لبس فيه ولا غموض).
ووفقاً لما أسفرت عنه مراجعة العمل النظري والدراسات الثقافية فإن أغلب الباحثين حددوا قوة الثقافة واتساق الثقافة على أنها الأكثر أهمية، وقام "كاميرون و فريمان" بدراسة باستخدام هذه الأبعاد الرئيسية لتقييم أهم الأبعاد في شرح الفعالية في المدارس والجامعات وأشارا على أن عوامل النمط والاتساق والقوة على نفس القدر من الأهمية لقياس الثقافة التنظيمية.

Thursday, April 24, 2008

القوة والسيطرة

يقوم هذا الفصل على حجة رئيسية مفادها أن علاقات القوة والسيطرة استمرت وستظل أحد العناصر التأسيسية للعلاقات الاجتماعية في المجتمعات الحديثة وعلى رغم ماتبدو عليه هذه المقولة من بساطة فإنالكاتب يعتبرها تعد بالكثير من الناحية التحليلية وباعتبارها مقولة أكثر تركيباً وينبع ذلك من افتراض ضرورة تحديد خطوط تمايز واضحة بين مفاهيم وعلاقات القوة والسيطرة و الحفاظ على التمييز وذلك لاعتبارات دلالية و مفهومية وسياسية وكذلك من حقيقة أن أي سياسات تحررية انعتاقية لابد لها أن تتحدد بشكل متسق وجوهري بسياسات القوة كشكل متميز لسياسات السيطرة.
ويتساءل الكاتب ما أهمية التمييز بين القوة والسيطرة ؟ ويرى الكاتب أن الإجابة المباشرة يمكن سوقها على أساس قاعدة الاقتصاد في المفاهيم بمعنى أنه في حالة وجود مفهوم يحدد مجموعة محددة من المشكلات التحليلية و الإمكانات السياسية فلماذا نخلط المسائل بإدخال مفهوم آخر؟ لكن هذه الإجابة وإن كان لها وجاهتها فإن ثمة إجابة أخرى أكثر اكتمالاً وأوضح كشفاً وأكثر مناسبة من الناحية السياسية ولها أهمية خاصة في هذا المقام حيث تكشف مراجعة الأدبيات حول القوة في العلوم الإنسانية عن سمتين أساسيتين: التمييز بين القوة لـ و القوة على وانشغال كبير بالتفسير المفاهيم والنظري والإمبريقي والسياسي لأطروحة (القوة على) ومن ثم يناقش الكاتب أربع محاجات محورية في مناقشة القوة في العلوم الاجتماعية: محاجة "ليوك" في كتابه " القوة رؤية راديكالية" ومحاجة بارسونز في " حول مفهوم القوة السياسية" ومناقشة فوكو للقوة الانضباطية واستكشاف " مان" لمصادر القوة الاجتماعية.
وقد ناقش الكاتب تعريف بارسونز للقوة باعتبارها قدرة معممة لضمان أداء التعهدات الملزمة من جانب وحدات تنظيم جماعى عندما تكون هذه التعهدات مشروعة لتعلقها بأهداف جماعية وبافتراض أن النكوص عن الوفاء بهذه التعهدات سوف يستتبع إنفاذها من خلال جزاءات سلبية مناسبة للموقف" ويركز أغلب المناقشات لصياغة بارسونز لمفهوم القوة على مساوته بين القوة والسلطة وتهاجمه لتأكيده على التعبئة النابعة من الإجماع وعلى استهداف تحقيق أهداف جماعية ومن ثم التاكيد على الطابع التنسيقي للقوة في مقابل الطابع التوزعي الذي تهتم به الصياغات التي تعنى بصراع المصالح بين أعضاء المجتمع وتباين الأهداف والطابع القسري و القطاعي لمساعي تحقيق هذا الأهداف وهو ما اوضحه رايت ميلز في كتابه صفوة القوة الصادر عام1956.
لكن الكاتب يرى أن النظر لمحاجة بارسونز باعتبارها تقدم صياغة لمفهوم القوة بديلة لمحاجة القوة الموزعة أمر مضلل إذ إن تجريد محاجة بارسونز في صدام المناظرات النظرية والإمبريقية
التي تشكل سياقها الاصلي يؤدي بنا لفهمها بصورة دقيقة باعتبارها تشغل نفس الحيز المفاهيمي الذي تبلورت فيه الرؤى المضادة لها فالقوة عند بارسونزيمكن فهمها -شأنها شأن صياغة أبعاد القوة الثلاثة التي طرحها ليوك- باعتبارها نموذج عمل "غائي" فيه يمكن للفرد – أو مجموعة يمكن اعتبارها فاعلاً فرداً- تختار الطرق المناسبة لتحقيق الهدف الذي تضعه لنفسها فكما لاحظ هابرماس فإن بارسونز كرر على مستوى نظرية النظم نفس المفهوم الغائي للقوة (كقدرة على تحقيق الأهداف) الذي اعتمده ماكس فيبر على مستوى نظرية العمل فكما قرر بارسونز " عرفت القوة كقدر للنظام الاجتماعي على تعبئة الموارد لتحقيق الأهداف الجماعية" وبأسلوب مباشر ربط بارسونز مفهومه للقوة بالمنظور التوزعي في عبارته " قوة أ على ب – في شكلها المشروع – هي حق أ كوحدة لصنع القرار داخلة في العملية الجماعية في صنع قرارات لها أسبقية على قرارات ب حسب مصالح العمل الجماعي ككل"
وعليه يتوجب النظر لصياغة بارسونز لمفهوم القوة لا باعتبارها بديلاً لنموذج القوة على السائد بل كتنويعة ضمن هذا النموذج وهذا الفهم هو ما افتقر إليه "جيدنز" في اشتراكه في هذا الجدل برغم اهمية انتقاداته لمفهوم بارسونز للقوة حيث تجاهل مفهوم بارسونز أن القوة لابد أن تمارس على شخص ما فتجاهل بارسونز عن عمد السمة التراتبية للقوة وما يستتبعه هذا من انقسام المصالح.فقد سعى بارسونز لتقييد مفهومه المحدد للقوة بتحليل القوة المشروعة المستخدم للتعبئة فيما يتصل الهداف الجماعية. وبطبيعة الحال فإن إسباغ الطابع الصحي على علاقات القوة له تضمينات سياسية هامة كما لاحظ جيدنز لكن تبقى نقطتنا الأساسية صحيحة فتخصيص بارسونز النظام بالقوة يظل تنويعة على منظور القوة على.
أما "جيدنز" فيرى القوة كتبعية و سيطرة فمفهومه للقوة الاجتماعية هو مفهوم تراتبي ضمن مفهوم القوة على وإذا كان البعض ينتقد "جيدنز" لرؤيته القوة كقدرة وتجاهله لصياغة مفهوم السيطرة فإن هذا النقد تغيم عنه حقيقة أن مفهوم "جيدنز" للقوة في سياق التفاعل مصاغ بمصطلحات السيطرة فلدى استعراض مفهوم جيدنز للقوة نجده يميز بين معنيين للقوة معنى ضيق ومعنى واسع فالقوة في معناها الواسع يمكن النظر إليها باعتبارها " قدرة تحويلية للكائن البشري فهي تشير لقدرة فاعل على التدخل في مسار سلسلة من الاحداث ليغير مجراها فهذه الإمكانية هي التي تتوسط المقاصد و الرغبات والتحقق الفعلي للنواتج التي يسعى الفرد لها وبالعكس فإن القوة في معناها الضيق ترتبط بعلاقة فهي سمة للتفاعل ويمكن تعريفها على أنها القدرة على ضمان نتائج عندما يكون بلوغ هذه النتائج متوقفا على أعمال الآخرين لكن تمييز "جيدنز" ليس بهذا الوضوح فهو يصف هذا المعنى الضيق على أنه سيطرة ففي ظل اعتماده القدرة التحويلية على أعمال الآخرين تتداخل تجليات القوة مع السيطرة حتى ليبدو المفهومان مترادفين ومن هذا المنظور فإن الاعتماد على افعال الآخرين يعزز الهيمنة والإذعان وليس التبادلية والتناسق وهذا الاستناج تؤكده محاجة جيدنز بأن" يمكن فهم القوة في تفاعل ما كموارد وزتسهيلات يقدمها المشاركون فيه ويعبئونها كعناصر لإنتاج القوة ومن ثم توجيه مسارها وأيضاً أية موارد يقدمها المشاركون للتأثير على والتحكم في سلوكيات الآخرين أطراف التفاعل بما في ذلك حيازة " السلطة " والتهديد باستخدام الجبر.
فهنا تأكيد واضح على مفهوم "القوة على " وعلى القوة كسيطرة مقصودة هذه المحاجة تعادل القوة الاجتماعية بالسيطرة بقدر ما تقترحه من ارتباط إمبريقي لازم بين علاقات القوة وعلاقات السيطرة والأهم ما تقترحه من ارتباط مفاهيمي فقد جعلت هذه المحاجة تصور القوة الاجتماعية (لـ) تابع مفهومياً لمفهوم السيطرة في القوة (على)
ويرى الكاتب أن مسار النتائج المنطقية بل والوجودية (الأنطولوجية) لمفهوم "جيدنز الغائي للقوة يؤدي بمفهوم "جيدنز للقوة الاجتماعية أن يصبح ذا طابع استراتيجي فمفهوم القوة الاجتماعية يهتم بالحصول على وباستعمال القوة.
لكن ماذا عن توليد القوة الاجتماعية عالج جيدنز هذا السؤال على أنه لا يثير أية إشكالات وبقدر كبير من الاختزالية فبرغم تأكيده والتزامه بأولوية الفاعل الإنساني في التحليل الاجتماعي فإنه لم ياخذ بجدية السمات المعينة لتقوية الإنسان (التمكين) فيما يتصل بتوليد القوة الاجتماعية
فأدرك "جيدنز " القوة بالأساس على أنها الحصول على واستعمال الموارد والقدرات معبراً عنه بالنضال والإخضاع والتبعية ومن ثم أشار جيدنز في صياغته الأولى للمفهوم إلى أنه لا يمكن القول بأن القوة لا تظهر للوجود إلا لدى ممارستها وإن لم يوجد معيار آخر لتحديد ما إذا كان فاعل معين يحوذ القوة وأهمية ذلك أننا يمكننا القول بإمكانية تخزين القوة لاستعمالها مستقبلاً في حين ان صياغة جيدنز الأحدث للمفهوم تعنى بمسالة نطاق المفهوم وتشير لاستبعاد مسألة توليد القوة فالقوة حسب "جيدنز" ترتبط بالتفاعل بمعنى مزدوج: باعتبارها داخلة بشكل مؤسسي في عملية التفاعل وباعتبارها مستخدمة لتحقيق نتائج في سلوك استراتيجي فحتى لحظات المواجهة (بين طرفي القوة ) فيها عناصر من الكيان الكلي كبنية للسيطرة لكن السمات البنيوية تنسحب على ويعاد إنتاجها في نفس الوقت بنشاطات المشاركين في نظام التفاعل فالقوة كقدرة تحويلية تشير لقدرات الفاعل للوصول لمثل هذه النتائج.
ويشير النص عاليه لنظرية تشكيل الهياكل" التي تمثل الإطارالنظري الذي يضم مناقشات "جيدنز" لمفهوم القوة فكما يقول "جيدنز" "تتولد القوة في وعبر إعادة بناء هياكل السيطرة والموارد التي تكون هياكل السيطرة نوعان: سلطوية تخصيصية.
ويرى الكاتب أن صياغة "جيدنز" لمفهوم القوة كمفهوم استراتيجي له تداعيات هامة منها استبعاد قضية توليد القوة وهي قضية مهمة لدى معالجة مسائل الاستقالال والتبعية والتي يقر "جيدنز" بمحوريتها في التحليل الذي ينظر لعلاقات القوة كلعبة غير صفرية فالقوة عند "جيدنز" دالة في توزيع الموارد لا تخضع إلا لقدرات الفاعلين على استخدام هذه الموارد بكفاءة. وهنا نجد الكثير من النقد لمحاولة "جيدنز" لتجاوز الثنائية التي اعتبرها سمة للنظرية الاجتماعية التقليدية فمحاولة التجاوز هذه لابد وأن تنتهي بتفضيل أي من قطبي الثنائية ويرى البعض أن محاجة "جيدنز" تعلي من جانب الفاعل على البنية و الذاتية على الموضوعية لكن الكاتب يرى العكس فتحديد "جيدنز" للقوة الاجتماعية يجعل القدرة التحويلية ااجتماعياً معتدمة على " هياكل السيطرة الموجودة" وموقف الكاتب هذا ينقض فرضية أن القوة لـ تسبق منطقياً القوة على إذ أن القوة على تستبع القوة القوة لـ لكن العكس ليس صحيحاً
لكن ماذا عن الاعتراض بأن القول باختزال "جيدنز" القوة لـ إلى القوة على يتجاهل إقراره بطبيعة القوة الاجتماعية كعلاقة ؟ هذا الإقرار عبر عنه في محاجته عن جدل "التحكم" التي نبذ فيها التفكير في علاقات القوة بشكل دائم وفق تعبيرات اللعبة الصفرية مقترحاً أن جميع الفاعلين لهم القدرة على ممارسة القوة " فالفاعلين في موقع الخضوع ليسوا تابعين بشكل كامل بل عادة ما يسعون لتحويل أي موارد بحوزتهم لدرجة من درجات التحكم في ظروف إعادة إنتاج النظام وفي كل النظم الاجتماعية ثمة جدلية للتحكم فثمة تحول مستمر في توازنات الموارد يمكن أن يغير من التوزيع الكلي للقوة.
ويرى الكاتب أن مقولة جدلية التحكم هذه تصحيح جيد للصياغة الحتمية و الميكانيكية لطبيعة القوة الاجتماعية لكن اهتمام جيدنز يظل بطبيعة القوة الاستراتيجية كعلاقة أي بالسمة الموقفية والتاريخية لعلاقات القوة على.
زاد جيدنز في سياق تطويره لأفكاره من تأكيده على السمات التوليدية والتمكينية للقوة في مواجهة جوانب الإخضاع والاستتباع فقال " إن القوة ليست بطبيعتها الأصلية قمعية " وغير موقفه الأول فقال " إن الهجوم على تحليل بارسونز للقوة يجب ألا يجعلنا نتجاهل ما أسهم به من تصحيح للأدبيات فالقوة هي قدرة على تحقيق النتائج وبهذا الوصف ليست القوة عائقاً للحرية والانعتاق بل واسطتهما وإن ظل من الغباء تجاهل سمات القوة التقييدية" وعلى الرغم من تغير حكم "جيدنز" على باروسنز فقد استمر ربطه بين القوة ل و القوة على واستمرت رؤيته لتبعية الأولى للثانية فأكد جيدنز أن " وجود القوة يفترض وجود هياكل للسيطرة تنساب فيها القوة بسلاسة في سياق عمل عمليات إعادة الإنتاج الاجتماعية. ومع تقدير الكاتب لمحاولة جيدنز صياغة منظور إنساني يركز على إمكانية إنجاز الفرد للتغيير فإن افتراضات و مقدمات نظرية تشكيل هياكل القوة تشكل صياغة متماسكة للقوة والسيطرة والعلاقات المتداخلة بينهما تجعل فكرة الجدل بين القوة وهياكل السيطرة تتحول إلى تسييل مثير للخلط للازدواجية.
فوكو ونفي المعيارية
يقترح الكاتب ان السمة المحورية لمنظور فوكو ما تبدو عليه مطابقته القوة بالسيطرة - من الناحية المفاهيمية والمنهجية ومن ثم السياسية - من عادية إن لم تكن تفاهة فإسهام فوكو الجوهري في التحليل الاجتماعي إنما يكمن في تحديده للأشكال الحديثة من السيطرة أي أشكال القوة الانضباطية و القوة الحيوية وقام فوكو بتمييز القوة الانضباطية بمقابلتها بما اعتبره الكل الشائع من السيطرة في المجتمعات ما قبل الحديثة أي القوة السيادية حيث تظهر القوة السيادية على فترات وعلى مستوى محدود من التغلغل الاجتماعي نظراً للقيود التي كانت موجودة على تقنيات القوة المتاحةفي حين أن القوة الانضباطية مطردة وشاملة ومنتشرة هذا الاختلاف بين هذين النوعين من التعين المادي للقوة يعبر عنه بالمقابلة بين مركز الفاعلين في كل نموذج فأخذ الفاعلين الداخلين في النموذج كمعطى هو أمر جوهري لنموذج القوة السيادية في مقابل موضعة الفاعلين التي تمثل قلب نموذج القوة الانضباطية حيث يتطابق ظهور توزيع جديد للقوة الحديثة بظهور مجالات في شكل هيئات من المتخصصين أو المعرفة الإجرائية أو مجموعة من الممراسات ذات الصلة بهما.
ويرد الكاتب على الاعتراض بأن رؤية المحاجة الواردة في " التأديب والعقاب" على أنها تقيم تقابلاً بين الأشكال الحديثة والقديمة للقوة إنما يخفي الاختلاف المفاهيمي الأهم بين هذه الأشكال ويتصل هذا الاختلالف برؤية فوكو لما يعتبره شرط ضروري للقوة الانضباطية وهو أنها ذات طبيعة توليدية بذاتها في مقابل الطبيعة الجبرية القمعية للقوة السيادية فعلى حين أن القوة السيادية تعبئ وتقمع و وتجبر الخاضعين لها دون أن تحول جوهرهم فإن القوة الانضباطية تبني الذاتية الضرورية لعمل أي نظام للقوة أو المعرفة بنجاح.
لكن هذا التمييز يبقى ضمن إطار القوة على أي السيطرة وقد يجري التعبير عن هذا الاختلاف بأن السيطرة في نموذج القوة السيادية يعبر عنها بالتحريم والعقاب على العمل الذي ينتهك هذا التحريم في حين أن السيطرة في النموذج الانضباطي تغرس العمل المرغوب في ذهن الفاعل الاجتماعي بجعله عملاً مرغوباً في إطار محكم من نظم الرشادة وتقنيات القوة. لكن هذا الاختلاف أيضا يجب ألا يخفي حقيقة أن الأساس المشترك للنموذجين هو السيطرة وفي هذا يقول فوكو:
يجري الشكل الحديث للقوة في الحياة اليومية التي تضع الفرد في فئات وتكسبه فرديته وتربطه بهويته الخاصة وتفرض عليه قانون الحقيقة الذي يجب عليه أن يقربه وأن يقر به الآخرون بشأنه فهو شكل من القوة يجعل الأفراد أشخاصاً وثمة معنيين لكلمة شخص: الخضوع لشخص آخر بالتحكم والتبعية وارتباط المرء بهويته بالوعي أو بمعرفة الذات وكلا المعنيين يشير لشكل من أشكال القوة يشخص ويخضع لـ.
وفي النص نفسه يشير فوكو إلى أن تحليل علاقات القوة يتطلب ضمن ما يتطلب 1- نظام للتمايز يسمح للمرء بالعمل لتوجيه أعمال الآخرين 2- أنماط من الأهداف يسعى لتحقيقها من يعمل لتوجيه أعمال الآخرين وعليه يرى الكاتب علاقات القوة هي بالضرورة وحصرياً علاقات سيطرة باعتبار أن الآلية المميزة للقوة الانضباطية هي تاسيس أشكال مناسبة من الخضوع فيما يتصل بنظم الحقيقة وباعتبار تأكيد فوكو على عدم الاتساق والتدرجية والضبط والتحكم وقد يرى البعض أن رؤية فوكو لا تقدم أي أساس لسياسات تحررية يمكن أن تبني بديلاً يتجاوز حالة الرفض السلبي فعملية صياغة البديل لابد بالضرورة أن تتقوض بفعل تضمنها بالضرورة على عناصر لتنويعات أخرى من القوة الانضباطية. وعلى هذا الأساس انتقد فوكو بالقدرية وقد كشفت دراسة التواريخ عن نظم عديدية للقوة / المعرفة يربطها جميعاً نفيها للحرية وبناءاً على هذه الرؤية فإن القوة والسيطرة مترادفان.
إن الإقرار بهذا هو إقراربأن التمييز بين القوة والسيطرة يقتضي بيان افتقار محاجة فوكو عن القوة للتماسك والاتساق وتفسير العلاقة بين القوة والحرية تفسيراً يمكن أن يتأسس عليه تحليل نقدي لهياكل السيطرة.وتقديم استشراف يقبل بضرورة أن تكون أية علاقات بل وكل علاقات القوة تكتسب معنها من سياقها وفي الوقت نفسه رفض القول غير المنطقي بمساوة ذلك بالحتمية وأن القوة مشتقة من سياقها.
وعليه يسعى الكاتب لتأسيس استقلال الحرية مفاهيمياً وإمبريقياً في علاقتها بهياكل الممارسات السائدة وأجهزة المعرفة النظامية فمن وجهةنظر تاريخية و إمبريقية أخفق فوكو في معالجة ما دعاه تشارلز تايلور بغموض نظم أو مجالات الضبط الجديدة ففوكو يجلي عملية تشكيل هياكل السيطرة الجديدة ضمن العلاقات فيما بين نظم الضبط الجديدة لكنه يخفق في تقييم إسهام هذه النظم في تطوير إمكانية أو قيامها بالفعل بالضبط الذاتي فردياً وجماعياً كخصيصة للمجتمعات التي تقوم على المشاركة والحكم الذاتي فمعالجة فوكو لنظم الضبط على انها منتجة بالضرورة و بالكلية لذاتيات خاضعة مذعنة وأشخاص يتوهمون حريتهم يستبعد أي تمييز بين القوة كسيطرة والقوة كفاعلية و لا يناقش أي بديل ولو كان مجرد إمكانات تناقض هذه الرؤية لذلك لاحظ تشارلز تايلور أنها رؤية أحادية الجانب تخفق في رؤية نظم الضبط الجماعية يمكن أن تعمل كهياكل للسيطرة و وكعناصر أساسية للقوة الفاعلة ومن ثم أخفقت هذه الرؤية في تحليل حركيات العلاقة بين القوة والسيطرة بشكل مناسب.
ويؤدي منطق محاجة فوكو الأحادي الجانب إلى عدم الإقرار بالاختلاف بين النظم السياسية التي لديها التزام مبدئي بمبادئ جوهرية لنظم الضبط المكونة لها وتحافظ على حدودها وبين تلك النظم التي تسمح وتسهل تنظيم مجال الضبط إلى هيكل للسيطرة فكما يقول والزر فإن الدولة وحدها هي التي تنشئ افطار العام الذي تعمل فيه كل مؤسسات الضبط وهي التي تفتح إمكانيات المقاومة أو تغلقها.
ويضيف الكاتب لهذا النقد التاريخي الإمبريقي نقداً آخر يقوم على القيود الدلالية والمنطقية التي ترد على محاجة فوكو فالسؤال الأساسي الذي تجب الإجابة عليه برأي تشارلز تايلور هو هل يمكن صياغة أي تحليل لمفهوم القوة لا يدع أي مساحة فيه للحرية أو الحقيقة ؟ وتظهر قراءة فوكو أن الإجابة لابد وأن تكون بالنفي فمفهوم فوكو للقوة لا يعني شيئاً دون فكرة التحرر وصياغة لمفهوم الحقيقة باعتبارها يتم إخفاؤها من خلال عملية فرض التطلعات و الاهداف
ثم يناقش الكاتب تحليل "مان" الذي يرى أن تحليل القوة الاجتماعية لا يمكن أن يأخذ مفهوم المجتمع كمعطى غير إشكالي أي ككل موحد بل إن تحليل القوة لابد وأن ينطوي على تصور المجتمعات كشبكات قوة متقاطعة ومتداخلة فوصف المجتمعات وتاريخها هياكلها يجري على أحسن وجه بتعبيرات العلاقات المتداخلة بين أربعة مصادر للقوة الاجتماعية هي: العلاقات الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية والسياسية ويجب أن يجري تحديد هذه المصادر لا كأبعاد أو مستويات أو عوامل بل شبكات متداخلة من التفاعل الاجتماعي ويمكن اعتبار مصادر القوة الاجتماعية هذه كوسائل تنظيمية ومؤسسية لتحقيق الأهداف الإنسانية فالقضية المحورية في تحليل القوة تتصل بالتنظيم والضبط والإمداد والاتصال أي القدرة على تنظيم الناس والتحكم فيهم وفي الاشياء والمناطق وتطوير هذه القدرة عبر التاريخ وعليه فإن المصادر الأربعة للقوة الاجتماعية تتيح بدائل من الوسائل التنظيمية للضبط الاجتماعي وهنا ثمة ربط معادلة واضحة بين علاقات القوة و علاقات الإخضاع التدرجية.
يحاج مان بان القوة ليست موارد فالموارد هي الوسيلة التي من خلالها تمارس القوة لذلك فإن لتحليل القوة مهمتين: تحديد الوسائل البديلة أو مصادر القوة والتي من خلالها تتم ممارسة القوة و المهمة الثانية تطوير منهجية تسهل دراسة هذه الوسائل وفي مستهل كتابه يتبنى مان رؤية استراتيجية غائية للقوة باعتبارها" القدرة على تحقيق الأهداف من خلال السيطرة على بيئة الفرد" واقترح جانبين للقوة الاجتماعية القوة التوزيعية والقوة الجماعية وتشير القوة التوزيعية لإخضاع الذي يمارس على الآخرين أما القوة الجماعية فيفهمها بشكل وظيفي على أنها تشير إلى جوانب القوة التي يمكن للأفراد بتعاونهم معاً أن يعززوا قوتهم المشتركة على طرف ثالث أو على الطبيعة ويرى الكاتب أن هذا التمييز بين جانبي القوة قد يبدو متاناقضاً مع تأكيده على أننا نتعامل هنا مع مفهوم واحد للقوة باعتبارها قوة على لكن التعاون هنا سمة للجانب الجماعي للقوة الاجتماعية لكن المعاني المعزوة للقوة الاجتماعية مثيرة للبس مثل قول مان أن تطور الرأسمالية حول بدرجة نوعية القوة الجماعية فوسم هذا التطور بسمة التعاون وليس التنسيق مثلاص مضلل وإلا فكيف يتم تحديد القواعد الحاكمة لهذا التعاون الوظيفيوما شروط إنتاج العلاقات الاجتماعية؟
ويتطرق الكاتب لمفهوم القوة التنظيمية المحوري في رؤية مان للقوة حيث يقتضي تنفيذ الأهداف الجماعية تنظيمات و تقسيم للوظائف ومن ثم الخضوع لاتجاه متأصل نحو القوة التوزيعية أو قوة القمة على الكل بما يشبه نظرية ميلز عن نخبة القوة وفي تفصيله لمفهوم القوة التنظيمية يميز مان بين امتداد القوة وكثافتها وبين القوة المنتشرة والقوة السلطوية حيث يتميز النمط الأول بالمركزية في حين يتسم الاخر بالتوزع.