حقوق الإنسان بين الصكوك الدولية والتشريعات المصرية (2 من 2)
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
تستند بعض الرؤى الفكرية في مجال حقوق الإنسان إلى تمايز الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عهدين مستقلين عن الأمم المتحدة للإشارة إلى تراتبية معينة لهذه الحقوق حتى أن هذه الرؤى تشير لأجيال متتالية لحقوق الإنسان كتصنيف تاريخي وتدرجي فالحقوق المدنية والسياسية تعد الجيل الأول من الحقوق الإنسانية، بينما تمثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الجيل الثاني، أما الجيل الثالث فيتمثل في مجموعة الحقوق التي جرى التعبير عنها كمفهوم جماعي شامل مثل الحق في بيئة نظيفة والحق في التنمية.
وقد تعززت هذه الرؤية مع تحول العولمة لتصبح بمثابة "روح العصر" بما تتضمنه من حرية التجارة وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات، ومن ثم الاتجاه لتهميش بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لصالح حقوق أخرى خاصة وأن هذه الرؤى الفكرية تعتبر أن الحقوق المدنية والسياسية كحريات للفرد في مواجهة تدخل الدولة تعني مفهوماً عكسياً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تعني وجوب تدخل الدولة، وأن الطائفة الأولى من الحقوق هي الحقوق الإنسانية الأساسية، وأنه لا يمكن إعمال الحقوق الأخرى إلا بتحقيق هذه الحقوق وذلك
على الرغم من أن الممارسة تشير إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان "الأساسية" - في علاقتها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية- ترجع إلى سياسات حكومية اقتصادية واجتماعية معينة أوالفشل في تقديم الدعم والمساندة للمتضررين من هذه السياسات (مثلاً العلاقة بين العشوائيات كانتهاك للحق في السكن وانتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي الذي يعد سكان العشوائيات الأكثر تعرضاً له).
ومن ناحية أخرى فإنه لا مجال للحديث عن تمتع الإنسان بحقوقه المدنية والسياسية كالحق في المشاركة دون توفر جميع الضرورات الأساسية للحياة كالعمل والغذاء والسكن المناسب والرعاية الصحية والتعليم والثقافة.
أما تمايز هاتين المجموعتين من الحقوق في عهدين منفصلين فليس إلا مجرد تعبير عن الاختلاف في طبيعة الإلزام القانوني الناشئ عن مجموعتي الحقوق بالإضافة إلى آليات تطبيقهما.
ويعكس مفهوم التنمية فكرة هذا التكامل بين حقوق الإنسان فالتنمية (الشاملة) و(الإنسانية) هي كما قرر إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرارها 41/128 الصادر في4 ديسمبر 1986عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم، ورأى هذا الإعلان أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن ثم فإن التمايز بين حقوق الإنسان المختلفة هو مقدمة لترابطها فهي حقوق متداخلة فمثلاً لجنة الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 4 لسنة 1991 أكدت على أن الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيرا ضيقا أو يجعله مساويا لمجرد وجود سقف فوق رأس الإنسان، أو يعتبر المأوى بل يجب النظر إلى هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة استناداً إلى أن الحق في السكن مرتبط ارتباطا تاما بسائر حقوق الإنسان وبالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العهد.
فحقوق الإنسان حقوق عالمية مترابطة فيما بينها وغير قابلة للتجزئة أو الانتقاص أو التقسيم وسواء كانت حقوقاً مدنية و سياسية أو اقتصادية واجتماعية فإنها حقوق متساوية ولا تقبل إعطاء أولوية أو أفضلية لإحداها على الأخرى بل إنها تترابط بعضها بعضاً بما يجعل ثمة نوع من التفاعل والتضامن والتضام بينها باعتبار الكرامة الإنسانية هي الجوهر والمبدأ الناظم لكافة الحقوق، وحماية هذه الكرامة هي الهدف النهائي من إقرارها.
وقد تضمنت القرارات والإعلانات والاتفاقيات الدولية هذه المبادئ فنص قرار الأمم المتحدة رقم 32/130 والذي تبنته الجمعية العامة في عام 1977 - على سبيل المثال - على أن: "(أ) كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية غير قابلة للتجزئة ومترابطة، لذا فإن اهتماماً متساوياً ومعالجة ملحة يجب أن تعطى لتطبيق وتعزيز وحماية كلاً من الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. (ب) إن التحقيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية مستحيل بدون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإن الوصول إلى تقدم ثابت في تطبيق حقوق الإنسان يعتمد على السياسات المحلية والدولية المعلنة والفعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (ج) إن كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية والناس غير قابلة للتجزئة.
(11) حقوق العمل:
تشكل حقوق العمل قسماً مهماً من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن العمل عصب الحياة وأساس تطويرها وأهم عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أن العمل يمثل المصدر الرئيسي للدخل الذي يتوقف عليه العيش والبقاء.
ويقصد بحقوق العمل بشكل عام حق كل شخص في التمتع بفرصة عمل يختارها بحرية في بيئة عمل مناسبة، ويحصل في مقابلها على مكافأة مادية عادلة ومرضية نظير عمله وتؤمن له ولأفراد أسرته مستوى معيشي يليق بكرامة الإنسان، وتوفر لهم حماية اجتماعية كافية، كما يعني أيضاً الحق في المساواة في الحصول على فرصة العمل، وأن تتوافر للجميع الإمكانية التامة للوصول إلى فرص كسب الدخل
وتشمل حقوق العمل أبعاداً أشمل تضم - إضافة لما سبق - الحق في الأجور المنصفة والمتساوية عندما تتساوى قيمة العمل دون تمييز، والمساواة بين الجميع في فرص الترقي داخل عملهم إلى مرتبة أعلى على أساس مبدأي الكفاءة والأقدمية فقط، كما يتضمن الحق في العمل حق كل شخص في الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل والأجازات الدورية المدفوعة والمكافآت المالية عن الإجازات الرسمية، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية، والحق في تحقيق شروط الصحة والسلامة المهنية في العمل وأيضاً الحق في التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي والإضراب لتحسين شروط العمل. وتمثل هذه الحقوق الحد الأدنى لما يجب أن يتمتع به العمال.
وقد حظيت حقوق العمل باعتراف مميز في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة الأولى التي تضمنت بنودا واضحة كحقوق أساسية حيث تنص المادة ( 23) منه على أن: "1- لكل شخص حق العمل، وفى حرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية، وفى الحماية من البطالة2- لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي 3- لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية 4- كل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه".
كما تنص المادة (24) من الإعلان على أن: " لكل شخص حق في الراحة وأوقات الفراغ، وخصوصا في تحديد معقول لساعات العمل وفى إجازات دورية مأجورة".
ويتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أهم الأحكام القانونية المحددة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأولها حقوق العمل؛ حيث تنص المادة السادسة على أن:
" 1- تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق. 2- يجب أن تشمل التدابير التي تتخذها كل من الدول الأطراف في هذا العهد لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، والأخذ في هذا المجال بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مطردة وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية ".
وتنص المادة (7) من العهد نفسه على أن: " تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص (أ) مكافأة توفر لجميع العمال، كحد أدنى 1- أجر منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوى قيمة العمل دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوى أجر الرجل لدى تساوى العمل 2- عيشا كريما لهم ولأسرهم طبقا لأحكام هذا العهد.(ب) ظروف عمل تكفل السلامة والصحة.(جـ) تساوى الجميع في فرص الترقية، داخل عملهم، إلى مرتبة أعلى ملائمة، دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة (د) الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والاجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية.
أما المادة (8) من العهد فتنص على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي:
(أ) حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها. ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. (ب) حق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات حلافية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين منظمات نقابية دولية أو الانضمام إليه.(ج) حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.(د) حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعنى.
2- لا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أوموظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق.
3- ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة في 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها، أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية.
واتفاقية الحرية النقابية المشار إليها في هذه المادة من العهد هي واحدة ضمن منظومة الإعلانات والاتفاقيات الدولية الإنمائية التي تتضمن أهدافها حماية حقوق العمل ومن هذه الاتفاقيات: اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية (يوليو 1951)، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال (يونيو 1971) واتفاقية تشجيع المفاوضة الجماعية واتفاقية المساواة في الأجور واتفاقية سياسة العمالة والاتفاقية بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة (يونيو 1988) واتفاقية شروط العمل(1949) واتفاقية الصحة والسلامة المهنيتين (1981) وغيرها من الاتفاقيات القطاعية والنوعية إلى جانب ما تضمنته الإعلانات مثل إعلان الحق في التنمية (ديسمبر 1986) والإعلان حول التقدم والإنماء في المجال الاجتماعي(ديسمبر 1969).
وقد أدت هذه الإعلانات والاتفاقيات إلى تبلور مفهوم العمل اللائق الذي دار حوله تقرير منظمة العمل الدولية لعام 1999 كهدف يتعين تحقيقه تدريجياً، ويقصد به العمل المنتج الذي تكون فيه الحقوق محمية، و يدر دخلاً كافياً، مع توفر حماية اجتماعية كافية، وهو يعني أيضاً العمل المتكافئ، بمعنى أن تتوافر للجميع الامكانية التامة للوصول الى فرص كسب الدخل وهو يفتح الطريق امام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون النيل من حقوق العمال ومن المعايير الاجتماعية. وعليه فقد تقرر الهدف الأساسي لمنظمة العمل الدولية في الوقت الحاضر في تعزيز فرص حصول المرأة والرجل على عمل لائق ومنتج، في ظل ظروف توفر لهم الحرية والعدالة والامن والكرامة الانسانية. ويشكل العمل اللائق محور التقاء أهداف المنظمة الاستراتيجية الأربعة معاً: تعزيز الحقوق في العمل ، والعمالة ، والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي .
وقد قرر الدستور المصري هذه الحقوق فنص في المادة (13) منه على أن: " العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع. ولا يجوز فرض أي عمل جبراً على المواطنين الا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل. كما كفل الدستور عددا من الضمانات اللازمة لممارسة حقوق العمل منها ما نص عليه في المادة (14) منه على أن: الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الاحوال التي يحددها القانون. كما قررالدستور في المادة (17) منه كفالة الدولة معاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا، وفقاً للقانون، وحرص الدستور على ضمان عدم التمييز في التمتع بهذه الحقوق عندما نص بوجه عام في المادة (8) على أن: "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين."
إن الحق في المساواة في تولي الوظائف العامة حق مقرر أوجبته الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة لسنة 1958 التي نصت المادة الثانية منه على أن:" تتعهد كل دولة عضو تسري عليها هذه الاتفاقية بصياغة وتطبيق سياسة وطنية ترمي إلى تشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام والمهنة باتباع منهج يناسب الظروف والممارسات الوطنية بغية القضاء على أي تمييز في هذا المجال" كما قرر الدستور هذا الحق في المواد (8) و( 14) و( 40 ) السابق الإشارة إليها واستقر قضاء المحكمة الإدارية العليا في أحكام متعددة تتعلق بالمساواة في شرط التعيين في الوظائف العامة على أن: " التعيين في الوظائف العامة من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها جهة الإدارة مشروط بمراعاة ما نص عليه القانون لو حدد شروطاً للصلاحية عند التزاحم في مجال الاختيار بين المرشحين بالتزام ما يحدده المشرع من عناصر لازمة في تبيين أوجه الترجيح (القضية رقم 1127 سنة 8 قضائية إدارية عليا جلسة 9 يناير 1966)
وقد أكد الإعلانات والاتفاقيات الدولية الحق في بيئة عمل مناسبة تكفل الصحة والسلامة ومنها الإعلان العالمي حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي الصادر في 11 ديسمبر 1969 الذي ينص في المادة العاشرة منه على الحق في تهيئة شروط وظروف العمل العادلة والملائمة للجميع بما في ذلك تحسين الظروف المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وقد تم تقنين هذا الحق في اتفاقية الصحة والسلامة المهنيتين في 1981.
وقد صدقت مصر على الاتفاقيات أرقام 115،139، 148 بشأن شروط الوقاية وحماية العمال من الأمراض والمخاطر المهنية وتم تقنيين هذه الالتزامات في قانون العمل الذي يتناول في الفصل الثالث منه توفير بيئة عمل آمنة (المواد 115-120) بينما يتناول الفصل الخامس التفتيش على أماكن العمل لتنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 114 لسنة 1984 بإنشاء المجلس الاستشاري الأعلى للسلامة والصحة المهنية.
(12) الحق في الصحة:
الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، فلكل إنسان الحق في أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش بكرامة.
وقد تضمنت الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية التأكيد على هذا الحق حيث نصت الفقرة 1 من المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". ويتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. فوفقاً للمادة 12(1) من العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه"، في حين توجب المادة 12(2) على الدول الأطراف اتخاذ عددا من التدابير "لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق"كما تم اقرار الحق في الصحة في عدد من صكوك حقوق الإنسان الإقليمية، مثل الميثاق الاجتماعي الأوروبي لعام 1961 بصيغته المنقحة (المادة 11)، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 (المادة 16)، والبروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1988 (المادة 10) ، وكذلك في إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993، إضافة إلى العديد من الصكوك دولية أخرى.
ويرتبط الحق في الصحة ارتباطاً وثيقاً بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، بما فيها الحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة.
وإذا كانت اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لم تعتمد عند صياغة المادة (12) من العهد تعريف الصحة الوارد في ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، الذي ينظر إلى مفهوم الصحة على أنه "حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز" فإن الإشارة الواردة في المادة 12(1) من العهد إلى "أعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه" لا تقتصر على الحق في الرعاية الصحية بل تتضمن الإقرار بأن الحق في الصحة يشمل طائفة عريضة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تهيئ الظروف التي تسمح للناس بأن يعيشوا حياة صحية، كما تشمل المقومات الأساسية للصحة مثل الغذاء والتغذية، والمسكن، والحصول على مياه الشرب المأمونة والتطبيب الوافي، والعمل في ظروف آمنة وصحية، وبيئة صحية.
وإلى جانب هذه الحقوق يشمل الحق قي الصحة مجموعة من الحريات التي تتضمن حق الإنسان في التحكم في صحته وجسده، أن يكون في مأمن من التدخل، مثل الحق في أن يكون في مأمن من التعذيب، ومن معالجته طبياً أو إجراء تجارب طبية عليه بدون رضاه.
ويشمل الحق في الصحة، بجميع مستوياته ، العناصر الأساسية التالية:
(أ) التوافر: يجب أن توفر الدولة القدر الكافي من المرافق العاملة المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية وكذلك من السلع والخدمات والبرامج حسب المستوى الإنمائي للدولة على أن تشمل كحد أدنى المقومات الأساسية للصحة مثل مياه الشرب المأمونة ومرافق التطبيب الكافية، والمستشفيات، والعيادات، وغيرها من المباني المرتبطة بالصحة، والموظفين الطبيين والمهنيين المدربين الذين يحصلون على مرتبات تنافسية محلياً، والعقاقير الأساسية.
(ب) إمكانية الوصول: ينبغي أن يتمتع الجميع، بدون تمييز، بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة. وتنطوي إمكانية الوصول على أربعة أبعاد متداخلة هي:
- عدم التمييز: يجب أن يتمتع الجميع بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة، ولا سيما أكثر الفئات ضعفاً أو تهميشاً بين السكان بحكم القانون وبحكم الواقع، دون أي تمييز.
- إمكانية الوصول المادي: ينبغي أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة في المتناول المادي والآمن لجميع فئات السكان، خاصة الفئات الضعيفة أو المهمشة، مثل الأقليات والنساء، والأطفال، وكبار السن، والمعوقين كما أن إمكانية الوصول تعني ضمنياً أن تكون الخدمات الطبية والمقومات الأساسية للصحة، مثل مياه الشرب المأمونة ومرافق التطبيب الكافية، في المتناول المادي والآمن للسكان بما في ذلك سكان المناطق الريفية. كذلك تشمل إمكانية الوصول تمكين المعوقين من الوصول إلى المباني.
- الإمكانية الاقتصادية للحصول عليها (القدرة على تحمل نفقاتها): يجب أن يتمكن الجميع من تحمل نفقات المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة. وينبغي سداد قيمة خدمات الرعاية الصحية، والخدمات المرتبطة بالمقومات الأساسية للصحة، بناء على مبدأ الإنصاف، الذي يكفل القدرة للجميع، بما فيهم الفئات المحرومة اجتماعياً، على دفع تكلفة هذه الخدمات سواء أكانت مقدمة من القطاع الخاص أو من القطاع العام. ويقتضي الإنصاف عدم تحميل الأسر الفقيرة عبء مصروفات صحية لا يتناسب معها مقارنة بالأسر الأغنى منها.
- إمكانية الوصول إلى المعلومات: تشمل هذه الإمكانية الحق في التماس المعلومات والأفكار المتعلقة بالمسائل الصحية والحصول عليها ونقلها دون إخلال بالحق في معاملة البيانات الصحية الشخصية بسرية.
(ج)المقبولية: إن جميع المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة ينبغي أن تراعي الأخلاق الطبية وأن تكون مناسبة ثقافياً، أي أن تحترم ثقافة الأفراد، الجماعات ، وأن تراعي متطلبات الجنسين فضلاً عن تصميمها بشكل يحترم السرية ويرفع مستوى الحالة الصحية للأشخاص المعنيين.
(د) الجودة: بالإضافة إلى ضرورة أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة مقبولة ثقافياً، ينبغي أن تكون مناسبة علمياً وطبياً وذات نوعية جيدة. ويتطلب ذلك، في جملة أمور، موظفين طبيين ماهرين، وعقاقير ومعدات للمستشفيات معتمدة علمياً ولم تنته مدة صلاحيتها، ومياه شرب مأمونة، وتطبيباًً مناسباً.
ويفرض الحق في الصحة، التزامات على الدول بالاحترام والحماية والأداء، ويشتمل الالتزام بالأداء، بدوره، التزامات بالتسهيل والتوفير والتعزيز. ويتطلب الالتزام بالاحترام من الدول أن تمتنع عن التدخل في التمتع بالحق في الصحة. ويقتضي الالتزام بالحماية أن تتخذ الدول تدابير من شأنها أن تمنع أي إعاقة لضمانات التمتع بالحق في الصحة وتشمل هذه الالتزامات:
- تأمين حق الاستفادة من المرافق الصحية والحصول على السلع والخدمات الصحية على أساس غير تمييزي، خصوصا للفئات الضعيفة والمهمشة.
- كفالة الحصول على الحد الأدنى الأساسي من الأغذية الذي يضمن الكفاية والسلامة من حيث التغذية، بغية تأمين التحرر من الجوع لكل الناس.
- كفالة الحصول على المأوى الأساسي، والسكن وخدمات الإصحاح، وإمدادات كافية من المياه النظيفة الصالحة للشرب.
- توفير العقاقير الأساسية، وتأمين التوزيع العادل لجميع المرافق والسلع والخدمات الصحية؛
-اعتماد وتنفيذ استراتيجية وخطة عمل وطنيتين للصحة العامة، إذا ظهرت أدلة على وجود أوبئة، بحيث تتصديان للاهتمامات الصحية لجميع السكان، وينبغي تصميم الاستراتيجية وخطة العمل، وبيانهما بشكل دوري، في سياق من المشاركة والشفافية
- كفالة الرعاية الصحية الإنجابية، والرعاية الصحية للأمومة (في أثناء الحمل وبعد الولادة) وللطفولة.
- اتخاذ تدابير للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة ومعالجتها ومكافحتها؛ توفير التحصين ضد الأمراض المعدية الرئيسية التي تحدث في المجتمع؛
- توفير التعليم وإتاحة الحصول على المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة؛
- توفير التدريب الملائم للموظفين الصحيين، بما في ذلك التثقيف في مجال الصحة وحقوق الإنسان.
وقد نص الدستور في المادتين (16) و (17) منه على كفالة الدولة لخدمات التأمين الصحي والخدمات الصحية ، وعملها على توفيرها بوجه خاص للقرية في يسر وانتظام رفعا لمستواها. كما قرر في المادة ( 43) أنه: "لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بغير رضائه الحر".
(13) الحق في سكن ملائم:
إن الحق في السكن حق أساسي من حقوق الإنسان لتمكينه من العيش في مسكن يضمن كرامته ويؤمن حقه في الخصوصية الشخصية والحياة الأسرية، ويعتبر شرطاً لتمتع الأفراد والجماعات بحقوقهم وحرياتهم الأساسية. فالسكن المناسب ينسج العلاقات والروابط في جو يعزز الخصوصية بما يؤدي إلى احترام العلاقات الاجتماعية بين كافة الأفراد، ومن شأن المساس به انتهاك حقوق أخرى عديدة، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فكما ورد في التقرير المقدم من مقرر الأمم المتحدة للحق في السكن فإن حس الأمن والكرامة والعيش في جماعة المتولد عن حيازة السكن متطلب أولي وأساسي للتمكن من بقية الحقوق الأخرى وممارستها بما في ذلك الحق في اختيار مقر الإقامة، والحق في المشاركة في الشئون العامة والحق في الصحة، والحق في بيئة نظيفة، وغيرها من الحقوق التي تشملها الحياة الكريمة وبهذا المعنى فإن الحق في السكن يرتبط باعتبارات ملاءمته فالسكن ليس مجرد مكان يغطيه سقف وتحوطه جدران تضم الإنسان بين جنباتها، بل سكن ملائم يعيش الإنسان فيه أمن وسلام وكرامة، وعليه فإن حق الفرد – على سبيل المثال - في ألا يخضع لأي تدخل تعسفي أوغير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أو منزله أو مراسلاته يشكل بعداً بالغ الأهمية في تعريف الحق في السكن الملائم.
ويعتبر إعلان فانكوفر للمستوطنات البشرية لعام 1976الوثيقة الأكثر تفصيلاً في ما يتعلق بالطبيعة القانونية الخاصة بهذا الحق، حيث نصت الفقرة الثانية من الجزء الثالث على ما يلي:
"إن السكن والخدمات المناسبة حق أساسي للإنسان، يفرض على الحكومة واجب ضمان بلوغ جميع الناس له." وأكد الفصل الثاني من الإعلان على أنه "يجب ألا تستخدم الايديولوجيات لحرمان الناس من بيوتهم وأراضيهم أو لترسيخ الامتيازات والاستغلال."
ويمكن الأخذ كحد أدنى بما ورد في "الاستراتيجية العالمية للمأوى حتى عام 2000" من أن المأوى الملائم يعني التمتع بالدرجة الملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيتين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلى أمكنة العمل والمرافق الأساسية ، وكل ذلك بتكاليف معقولة".
على أنه ثمة اعتبارات اجتماعية واقتصادية وثقافية لابد من أخذها عند تحديد السكن الملائم منها :
- الضمان القانوني لشغل المسكن: بغض النظر عن نوع شغل المسكن، ينبغي أن يتمتع كل شخص بدرجة من الأمن في شغل المسكن تكفل له الحماية القانونية من الإخلاء بالإكراه، ومن المضايقة، وغير ذلك من التهديدات.
- توفير الخدمات والمواد والمرافق والهياكل الأساسية: إن المسكن الملائم يجب أن تتوفر له بعض المرافق الأساسية اللازمة للصحة والأمن والراحة والتغذية. وينبغي أن تتاح لجميع المستفيدين من الحق في السكن الملائم إمكانية الحصول بشكل مستمر على الموارد الطبيعية والعامة ومياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، والمرافق الصحية، ووسائل تخزين الأغذية، والتخلص من النفايات، تصريف المياه، وخدمات الطوارئ.
- القدرة على تحمل الكلفة: إن التكاليف المالية الشخصية أو الأسرية المرتبطة بالسكن ينبغي أن تكون ذات مستوى يكفل عدم تهديد تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى أو الانتقاص منها بحيث تكون النسبة المئوية للتكاليف المتصلة بالسكن متناسبة، بصورة عامة، مع مستويات الدخل. ويمكن لضمان ذلك تحديد أشكال ومستويات تمويل الإسكان التي تعبر بصورة كافية عن الاحتياجات للسكن.
- الصلاحية للسكن: إن المسكن الملائم يجب أن يكون صالحا للسكن من حيث توفير المساحة الكافية لساكنيه وحمايتهم من البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدد الصحة، ومن المخاطر البنيوية وناقلات الأمراض. كما يجب ضمان السلامة الجسدية لشاغلي المساكن استرشاداً "بالمبادئ الصحية للسكن" التي أعدتها منظمة الصحة العالمية.
إتاحة إمكانية الحصول على السكن لكل الذين يحق لهم الاستفادة منها. ويجب أن تتاح للجماعات المحرومة إمكانية الاستفادة بصورة كاملة ومستمرة من موارد السكن الملائم وبالأخص المسنين والأطفال والمعوقين وضحايا الكوارث الطبيعية.
- الموقع: إن السكن الملائم يجب أن يكون في موقع يتيح إمكانية الاستفادة من خيارات العمل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الأطفال وغير ذلك من المرافق الاجتماعية
- السكن الملائم من الناحية الثقافية: إن الطريقة التي يتم بها بناء المساكن ومواد البناء المستخدمة والسياسات الداعمة لها يجب أن تتلاءم مع ثقافة السكان و تتيح إمكانية التعبير عن الهوية الثقافية.
وقد تطرق الدستور المصري إلى الحق في السكن في المادة 44 منه، والتي تنص على أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بامر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون".
(14) الحق في التعليم:
يعد الحق في التعليم ، بوصفه حقاً تمكينياً، الأداة الرئيسية التي يمكن بها المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم وأن يقوموا بالمشاركة الكاملة في مجتمعاتهم فالتعليم له دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الذي ينطوي على مخاطر وغيره من صنوف الاستغلال، وفي تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وحماية البيئة، كما يعد التعليم واحداً من أفضل الاستثمارات التي يمكن أن تقوم بها المجتمعات ولا تقتصر أهمية التعليم على أهميته العملية حيث أن الإنسان المثقف والمستنير والنشط القادر على أن ينطلق عقله بحرية وإلى أبعد الحدود هو المؤهل لأن ينعم بإنسانيته.
وقد خصص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أطول مادتين فيه (المادتين13 و14) لبيان الأبعاد المختلفة للحق في التعليم من حيث أهداف التعليم وأغراضه والتمكين من ممارسته على كافة المستويات وضمان حرية التعليم حيث نصت المادتان على أن: تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهى متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهى متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم، وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
(أ) جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع (ب) تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم (ج) جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم (د) تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلى أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية،)هـ) العمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
وتتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الأباء، أو الأوصياء عند وجودهم في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتامين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة وليس في أي من أحكام هذه المادة ما يجوز تأويله على نحو يفيد مساسه بحرية الأفراد والهيئات في إنشاء وإدارة مؤسسات تعليمية، شريطة التقيد دائما بالمبادئ المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة ورهنا بخضوع التعليم الذي توفره هذه المؤسسات لما قد تفرضه الدولة من معايير دنيا.
وتنص المادة (14) على أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، لم تكن بعد وهى تصبح طرفا فيه قد تمكنت من كفالة إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي في بلدها ذاته أو في أقاليم أخرى تحت ولايتها، بالقيام، في غضون سنتين، بوضع واعتماد خطة عمل مفصلة للتنفيذ الفعلي والتدريجي لمبدأ إلزامية التعليم ومجانيته للجميع، خلال عدد معقول من السنين يحدد في الخطة.
كما أقرت إتفاقية حقوق الطفل في المادة 28 فقرة 1 أنه يجب على الدولة أن تشجيع تطوير شتى اشكال التعليم الثانوى أو المهنى وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة اليها.
ويشمل التمكن من الحق في التعليم ستة أبعاد متداخلة هي :
- توافر مؤسسات وبرامج تعليمية بأعداد كافية في الدولة وما تحتاج إليه هذه المؤسسات وهذه البرامج للعمل من مبان تشمل مرافق صحية للجنسين، والمياه الصالحة للشرب والمدرسين المدربين الذين يتقاضون مرتبات تنافسية محلياً، ومواد التدريس وما إلى ذلك؛ كما تحتاج أيضاً إلى مرافق مثل مرافق المكتبات والحواسيب وتكنولوجيا المعلومات.
- إمكانية الالتحاق ، يجب أن يكون الالتحاق بالمؤسسات والبرامج التعليمية ميسراً للجميع، دون أي تمييز، ولإمكانية الالتحاق ثلاثة أبعاد متداخلة هي:
* عدم التمييز – يجب أن يكون التعليم في متناول الجميع، ولا سيما أضعف الفئات دون أي تمييز لأي سبب
* إمكانية الالتحاق مادياً – يجب أن يكون التعليم في المتناول مادياً وبطريقة مأمونة وذلك إما عن طريق الحضور للدراسة في موقع جغرافي ملائم بشكل معقول (مثلاً في مدرسة تقع بالقرب من المسكن) أو من خلال استخدام التكنولوجيا العصرية (مثل الوصول إلى برنامج "للتعليم عن بعد").
* إمكانية الالتحاق من الناحية الاقتصادية - يجب أن يكون التعليم في متناول الجميع. مع الخذ في الاعتبار التمييز الوار دفي المادة 13 بين التعليم الابتدائي والثانوي والعالي
- القبول: يجب أن يكون شكل التعليم وجوهره مقبولين، بما في ذلك المناهج الدراسية وأساليب التدريس، بأن يكون وثيق الصلة بالاحتياجات وملائماً من الناحية الثقافية ومن ناحية الجودة للطلاب، وللوالدين حسب الاقتضاء.
القابلية للتكيف - يجب أن يكون التعليم مرناً كيما يتسنى لـه التكيف مع احتياجات المجتمعات وأن يستجيب لاحتياجات الطلاب في محيطهم الاجتماعي والثقافي المتنوع.
وقد نص الدستور المصري في المادة 18 منه أن التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتعمل لدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم كله ،وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي وذلك له بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج. كما تنص المادة (20) من الدستور على أن: "التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة".
وقد قننت القوانين المختلفة هذا الحق ومنها قانون حماية الطفل الذي ينص على أن التعليم حق لجميع الأطفال فى مدارس الدولة بالمجان ولا يجوز لصاحب العمل إعاقة الطفل أوحرمانه من التعليم الأساسى وإلا عوقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر وغرامة لا تقل عن مائتى (200) جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه.
كما نص قانون الطفل المصرى على أن التعليم يهدف إلى:-
- تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى امكانياتها.
- تنمية احترام ذوى الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة والقيم الوطنية للبلد الذى يعيش فيه الطفل والبلد الذى نشأ فيه فى الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته.
- إعداد الطفل لحياة تستشعر المسئولية فى مجتمع حر يروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين الشعوب والجماعات الأثنية والوطنية والدينية والاشخاص الذين ينتمون الى السكان الأصليين
- أن ينمى إحترام الطفل للبيئة والطبيعة التى يحيا فيها وأن يحافظ عليها ويحميها.
(15) الحق في الملكية:
إن حق الاحتفاظ بملك خاص والتمتع به بدون تدخل الآخرين هو من حقوق الإنسان الأساسية حيث يعكس استخدام الناس الحر لممتلكاتهم حريتهم الشخصية ويمنحهم الأمان ويوفر لهم احتياجاتهم. ولا يشترط أن يتخذ الملك شكلاً مادياً فقد يكون أعمالاً فنيّةً، أو نتاجا فكرياً وبوجه عام، تعد أية حقوق إضافية ذات قيمة اقتصادية ملكاً. وقد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا الحق في المادة (17) منه حيث نصت على أن "1- لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره 2- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً".
كما كفل الستور المصري هذا الحق ونظمه في المواد من 29 إلى 36 منه والتي تنص على أن تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة ، وهي ثلاثة انواع :
الملكية العامة ، والملكية التعاونية ، والملكية الخاصة والملكية العامة هي ملكية الشعب، وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام. الملكية التعاونية هي ملكية الجمعيات التعاونية ، ويكفل القانون رعايتها ويضمن لها الادارة الذاتية. الملكية الخاصة تتمثل في راس المال غير المستغل وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية دون انحراف أواستغلال، ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون، باعتبارها سندا لقوة الوطن وأساسا للنظام الاشتراكي ومصدرا لرفاهية الشعب. والملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون. وحق الإرث فيها مكفول. لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون، ومقابل تعويض. المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.
(16) الحق في الضمان والرعاية الاجتماعية
يمثل الضمان الاجتماعي بمعنى البحث عن الأمن في كنف المجتمع في مواجهة ما يتعرض له من ظروف صحية واقتصادية اجتماعية أحد الأبعاد الهامة للرعاية الاجتماعية التي أصبحت التزاماً على المجتمع لتحقيق التنمية الإنسانية بما يمكن الأفراد على اختلاف شرائحهم الاجتماعية من ممارسة كافة حقوقهم الإنسانية.
وقد تقرر هذا الحق في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أن:
"1- لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أوالعجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
2- للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.
كما تأكد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تقر الدول في المادة الثامنة منه "بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية".وكذلك في إعلان حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي الذي تنص المادة (11) منه على:(أ) توفير نظم ضمان اجتماعي شاملة وخدمات رعاية اجتماعية، وإنشاء وتحسين نظم الضمان والتأمين الاجتماعيين لصالح جميع الأشخاص الذين يكونون، بسبب المرض أو العجز أو الشيخوخة، غير قادرين بصورة مؤقتة أو مستمرة علي الارتزاق وذلك لتأمين مستوي معيشي سليم لهم ولأسرهم ولمعيليهم،(ب) حماية حقوق الأم والطفل، والاهتمام بتربية الأولاد وبصحتهم، وتوفير التدابير اللازمة لحماية صحة ورفاه النساء ولا سيما الأمهات العاملات أثناء حملهن وباكورة سن أطفالهن، وكذلك صحة ورفاه الأمهات اللواتي يكون أجرهن المصدر الوحيد لرزق الأسرة، ومنح النساء أجازات وعلاوات حمل وأمومة مع ضمانة عدم تعرضهن لفقد العمل أو الأجر،(ج) حماية حقوق الأطفال والمسنين والعجزة وتأمين رفاههم، وتوفير حماية لذوي العاهات البدنية أو العقلية.
كما تضمن الدستور المصري هذ الحق حيث نص على أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي.وتكفل الدولة حماية الامومة والطفولة ، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. وخدمات التامين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا، وذلك وفقا للقانون. (المادتان 7 و 17)
وعلى الرغم من عدم تضمن أي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أوالعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية إشارة صريحة لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة فإن الصكوك الدولية التالية نصت بوضوح على ضمان تمكين هذه الفئة من التمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في مختلف صكوك الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومن أول هذه الصكوك الإعلان الخاص بحقوق المعوقين الصادر عن الأمم المتحدة في 9/12/1975 والذي ينص – إضافة إلى ضمان تمتع ذوي الاحتيجات الخاصة بكل الحقوق الإنسانية المعترف بها - حقهم فى التدابير التى تهدف إلى تمكينهم من بلوغ أكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتى وحقهم في الخدمات التى تمكنهم من إنماء قدراته إلى أقصى الحدود وتعجل بعملية إدماجهم فى المجتمع وحق ذوي الاحتياجات الخاصة في أن تؤخذ حاجاتهم الخاصة بعين الاعتبار فى كافة مراحل التخطيط الاقتصادى والاجتماعى وحمايتهم من أى استغلال ومن أية أنظمه أو معاملة ذات طبيعة تميزيه أو متعسفة أو حاطة للكرامة وقد توالت الصكوك الدولية التي تهدف إلى ضمان هذه الحقوق ومنها: برنامج العمل العالمي المتعلق بالمعوقين الذي ينص على إطار للسياسة العامة يهدف إلى "اتخاذ التدابير الفعالة للوقاية من العجز، وإعادة التأهيل، وتحقيق هدفي "المشاركة الكاملة [من جانب ذوي الاحتياجات الخاصة] في الحياة الاجتماعية والتنمية، وتحقيق "المساواة" ،والمبادئ التوجيهية لإنشاء وتطوير لجان التنسيق الوطنية أو الهيئات المماثلة المعنية بالعجز، التي اعتمدت في عام 1990،ومبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية، التي اعتمدت في عام 1991والقواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين المعتمدة في عام 1993 والتي تهدف إلى أن يكون لجميع الأشخاص المعوقين "إمكانية ممارسة ما يمارسه غيرهم من حقوق والتزامات"
(17)الحق في بيئة نظيفة:
يعد الحق في بيئة صحية وسليمة أحد حقوق التضامن، التي لا يمكن أن تمارس إلا بشكل جماعي من ناحية ومن خلال تضافر جهود الدولة والمجتمع من ناحية أخرى وقد أظهرت التطورات في مجال البيئة وتعرضها للتلوث بوضوح أهمية إقرار حق الحياة في بيئة صحية مناسبة ويجد هذا الحق أساسه الجديد في العديد من النصوص التي تضمنتها القوانين والعهود والمواثيق الدولية؛ إذ تجمع هذه الصكوك على كفالة حق الفرد في الحياة وفي سلامة بدنه وجسده ، ولا يمكن للإنسان التمتع بهذا الحق إلا إذا عاش في بيئة صحية سليمة، إذ أن تلوث البيئة بصوره المختلفة وعناصره ، لا يمّكن الإنسان من ممارسة حقه في الحياة وفي سلامة بدنه على الوجه الأكمل وكذلك قررالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وللحقوق المدنية والسياسية تقرر مجموعة من الحقوق المتصلة بالبيئة وقد شكل إعلان استوكهولم لعام 1972اعترافا واضحا بأن عناصر البيئة هي من العوامل الأساسية لرفاه وحياة الإنسان وتلاه إعلان لاهاي ليثبت حق الإنسان في الحياة بكامل متطلباتها من العيش بسلام وحرية، وتتوج هذه القرارات والإعلانات بقرار الهيئة العامة للأمم المتحدة في عام إلى حق الأفراد في بيئة مناسبة لصحتهم ورفاهيتهم. يجسّد مفهوم التنمية المستدامة بانحيازه للعدالة حقوق الإنسان في بيئة سليمة لأنه يشكل معياراً يمكن من خلاله تحديد مدى التقارب ما بين سياسات التنمية والإنسان يشير المفهوم إلى أن التجاوزات على حقوق الإنسان والبيئة هي محصلة علاقة غير متوازنة بين التنمية والبيئة مع ملاحظة أن البيئة لا تقتصر على البيئة الطبيعية والبيولوجية بل و البيئة الاجتماعية التي تمثل الإطار الذي يضم مختلف من العلاقات التي تحدد ماهية تفاعل الإنسان مع غيره سواء داخل المجتمع أو بين الجماعة التي ينتمي إليها والجماعات الأخرى من الأنماط الحضارية المختلفة وتؤلف هذه العلاقات معا ما يعرف بالنظم الاجتماعية.
(18) حقوق الأجانب
نطلق منظومة الحقوق الإنسانية من مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص في تمتعهم بهذه الحقوق لمجرد كيانهم الإنساني بغض النظر عن أية اختلافات بينهم كالجنس أاو اللون أو الموطن أوغير ذلك من الاختلافات. ومن ثم أكدت الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية وغيرها من الصكوك التي تمثل المرجعية الفكرية والقانونية لحقوق الإنسان على المساوة بين الناس في تمتعهم ومباشرتهم هذه الحقوق بغض النظر عن اختلاف مراكزهم القانونية، وأولت في هذا الصدد اهتماماً خاصاً بالمقيمين على أراضي الدولة من غير مواطنيها. وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد قرر حق كل فرد التمتع بجنسية ما (م 15) وفي حرية التنقل، وفى اختيار محل إقامته داخل حدود دولته ومغادرتها متى شاء (م13)، فإنه أوجب على الدولة المضيفة المساواة بين جميع الأشخاص المقيمين على أرضها في تمتعهم بحقوقهم الإنسانية سواء كانوا مواطنين أو أجانب. كما حظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقا للقانون (م 13)، كما أكد كل من الإعلان والعهد على توفير ذات الضمانات المقررة للمواطن للتمتع بحقوق الإنسان للأجنبي والمساواة بين كافة الأشخاص بغض النظر الأصل الذي ينحدرون منه أو موطنهم الأصلي.
وحماية لحقوق مصالح العمال المهاجرين فقد أفردت منظمة العمل الدولية لهم "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم" التي تبنتها الجمعية العامة بالقرار 45/158 المؤرخ في 18 دسمبر 1990 ومن بين الحقوق التي كفلتها الاتفاقية للعمال المهاجرين: الحق في الحماية من التعذيب والماعملة القاسية ، والحق في حرية الفكر والدين ، والحق في الملكية والسلامة الشخصية وفي المحاكمة العادلة ، والحق في التمتع بنفس الحقوق من حيث الأجر وشروط العمل وفي الضمان الاجتماعي والحق في التنظيم النقابي وفي الرعاية الطبية وفي الحصول على التعليم الأساسي لأطفالهم.
تستند بعض الرؤى الفكرية في مجال حقوق الإنسان إلى تمايز الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عهدين مستقلين عن الأمم المتحدة للإشارة إلى تراتبية معينة لهذه الحقوق حتى أن هذه الرؤى تشير لأجيال متتالية لحقوق الإنسان كتصنيف تاريخي وتدرجي فالحقوق المدنية والسياسية تعد الجيل الأول من الحقوق الإنسانية، بينما تمثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الجيل الثاني، أما الجيل الثالث فيتمثل في مجموعة الحقوق التي جرى التعبير عنها كمفهوم جماعي شامل مثل الحق في بيئة نظيفة والحق في التنمية.
وقد تعززت هذه الرؤية مع تحول العولمة لتصبح بمثابة "روح العصر" بما تتضمنه من حرية التجارة وحركة رؤوس الأموال والاستثمارات، ومن ثم الاتجاه لتهميش بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لصالح حقوق أخرى خاصة وأن هذه الرؤى الفكرية تعتبر أن الحقوق المدنية والسياسية كحريات للفرد في مواجهة تدخل الدولة تعني مفهوماً عكسياً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تعني وجوب تدخل الدولة، وأن الطائفة الأولى من الحقوق هي الحقوق الإنسانية الأساسية، وأنه لا يمكن إعمال الحقوق الأخرى إلا بتحقيق هذه الحقوق وذلك
على الرغم من أن الممارسة تشير إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان "الأساسية" - في علاقتها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية- ترجع إلى سياسات حكومية اقتصادية واجتماعية معينة أوالفشل في تقديم الدعم والمساندة للمتضررين من هذه السياسات (مثلاً العلاقة بين العشوائيات كانتهاك للحق في السكن وانتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي الذي يعد سكان العشوائيات الأكثر تعرضاً له).
ومن ناحية أخرى فإنه لا مجال للحديث عن تمتع الإنسان بحقوقه المدنية والسياسية كالحق في المشاركة دون توفر جميع الضرورات الأساسية للحياة كالعمل والغذاء والسكن المناسب والرعاية الصحية والتعليم والثقافة.
أما تمايز هاتين المجموعتين من الحقوق في عهدين منفصلين فليس إلا مجرد تعبير عن الاختلاف في طبيعة الإلزام القانوني الناشئ عن مجموعتي الحقوق بالإضافة إلى آليات تطبيقهما.
ويعكس مفهوم التنمية فكرة هذا التكامل بين حقوق الإنسان فالتنمية (الشاملة) و(الإنسانية) هي كما قرر إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرارها 41/128 الصادر في4 ديسمبر 1986عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم، ورأى هذا الإعلان أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن ثم فإن التمايز بين حقوق الإنسان المختلفة هو مقدمة لترابطها فهي حقوق متداخلة فمثلاً لجنة الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 4 لسنة 1991 أكدت على أن الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيرا ضيقا أو يجعله مساويا لمجرد وجود سقف فوق رأس الإنسان، أو يعتبر المأوى بل يجب النظر إلى هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة استناداً إلى أن الحق في السكن مرتبط ارتباطا تاما بسائر حقوق الإنسان وبالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العهد.
فحقوق الإنسان حقوق عالمية مترابطة فيما بينها وغير قابلة للتجزئة أو الانتقاص أو التقسيم وسواء كانت حقوقاً مدنية و سياسية أو اقتصادية واجتماعية فإنها حقوق متساوية ولا تقبل إعطاء أولوية أو أفضلية لإحداها على الأخرى بل إنها تترابط بعضها بعضاً بما يجعل ثمة نوع من التفاعل والتضامن والتضام بينها باعتبار الكرامة الإنسانية هي الجوهر والمبدأ الناظم لكافة الحقوق، وحماية هذه الكرامة هي الهدف النهائي من إقرارها.
وقد تضمنت القرارات والإعلانات والاتفاقيات الدولية هذه المبادئ فنص قرار الأمم المتحدة رقم 32/130 والذي تبنته الجمعية العامة في عام 1977 - على سبيل المثال - على أن: "(أ) كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية غير قابلة للتجزئة ومترابطة، لذا فإن اهتماماً متساوياً ومعالجة ملحة يجب أن تعطى لتطبيق وتعزيز وحماية كلاً من الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. (ب) إن التحقيق الكامل للحقوق المدنية والسياسية مستحيل بدون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإن الوصول إلى تقدم ثابت في تطبيق حقوق الإنسان يعتمد على السياسات المحلية والدولية المعلنة والفعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (ج) إن كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية والناس غير قابلة للتجزئة.
(11) حقوق العمل:
تشكل حقوق العمل قسماً مهماً من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن العمل عصب الحياة وأساس تطويرها وأهم عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أن العمل يمثل المصدر الرئيسي للدخل الذي يتوقف عليه العيش والبقاء.
ويقصد بحقوق العمل بشكل عام حق كل شخص في التمتع بفرصة عمل يختارها بحرية في بيئة عمل مناسبة، ويحصل في مقابلها على مكافأة مادية عادلة ومرضية نظير عمله وتؤمن له ولأفراد أسرته مستوى معيشي يليق بكرامة الإنسان، وتوفر لهم حماية اجتماعية كافية، كما يعني أيضاً الحق في المساواة في الحصول على فرصة العمل، وأن تتوافر للجميع الإمكانية التامة للوصول إلى فرص كسب الدخل
وتشمل حقوق العمل أبعاداً أشمل تضم - إضافة لما سبق - الحق في الأجور المنصفة والمتساوية عندما تتساوى قيمة العمل دون تمييز، والمساواة بين الجميع في فرص الترقي داخل عملهم إلى مرتبة أعلى على أساس مبدأي الكفاءة والأقدمية فقط، كما يتضمن الحق في العمل حق كل شخص في الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل والأجازات الدورية المدفوعة والمكافآت المالية عن الإجازات الرسمية، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية، والحق في تحقيق شروط الصحة والسلامة المهنية في العمل وأيضاً الحق في التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي والإضراب لتحسين شروط العمل. وتمثل هذه الحقوق الحد الأدنى لما يجب أن يتمتع به العمال.
وقد حظيت حقوق العمل باعتراف مميز في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة الأولى التي تضمنت بنودا واضحة كحقوق أساسية حيث تنص المادة ( 23) منه على أن: "1- لكل شخص حق العمل، وفى حرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية، وفى الحماية من البطالة2- لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي 3- لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية 4- كل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه".
كما تنص المادة (24) من الإعلان على أن: " لكل شخص حق في الراحة وأوقات الفراغ، وخصوصا في تحديد معقول لساعات العمل وفى إجازات دورية مأجورة".
ويتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أهم الأحكام القانونية المحددة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأولها حقوق العمل؛ حيث تنص المادة السادسة على أن:
" 1- تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق. 2- يجب أن تشمل التدابير التي تتخذها كل من الدول الأطراف في هذا العهد لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، والأخذ في هذا المجال بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مطردة وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية ".
وتنص المادة (7) من العهد نفسه على أن: " تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص (أ) مكافأة توفر لجميع العمال، كحد أدنى 1- أجر منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوى قيمة العمل دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوى أجر الرجل لدى تساوى العمل 2- عيشا كريما لهم ولأسرهم طبقا لأحكام هذا العهد.(ب) ظروف عمل تكفل السلامة والصحة.(جـ) تساوى الجميع في فرص الترقية، داخل عملهم، إلى مرتبة أعلى ملائمة، دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة (د) الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والاجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية.
أما المادة (8) من العهد فتنص على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي:
(أ) حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها. ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. (ب) حق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات حلافية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين منظمات نقابية دولية أو الانضمام إليه.(ج) حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.(د) حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعنى.
2- لا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أوموظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق.
3- ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة في 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها، أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية.
واتفاقية الحرية النقابية المشار إليها في هذه المادة من العهد هي واحدة ضمن منظومة الإعلانات والاتفاقيات الدولية الإنمائية التي تتضمن أهدافها حماية حقوق العمل ومن هذه الاتفاقيات: اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية (يوليو 1951)، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال (يونيو 1971) واتفاقية تشجيع المفاوضة الجماعية واتفاقية المساواة في الأجور واتفاقية سياسة العمالة والاتفاقية بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة (يونيو 1988) واتفاقية شروط العمل(1949) واتفاقية الصحة والسلامة المهنيتين (1981) وغيرها من الاتفاقيات القطاعية والنوعية إلى جانب ما تضمنته الإعلانات مثل إعلان الحق في التنمية (ديسمبر 1986) والإعلان حول التقدم والإنماء في المجال الاجتماعي(ديسمبر 1969).
وقد أدت هذه الإعلانات والاتفاقيات إلى تبلور مفهوم العمل اللائق الذي دار حوله تقرير منظمة العمل الدولية لعام 1999 كهدف يتعين تحقيقه تدريجياً، ويقصد به العمل المنتج الذي تكون فيه الحقوق محمية، و يدر دخلاً كافياً، مع توفر حماية اجتماعية كافية، وهو يعني أيضاً العمل المتكافئ، بمعنى أن تتوافر للجميع الامكانية التامة للوصول الى فرص كسب الدخل وهو يفتح الطريق امام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون النيل من حقوق العمال ومن المعايير الاجتماعية. وعليه فقد تقرر الهدف الأساسي لمنظمة العمل الدولية في الوقت الحاضر في تعزيز فرص حصول المرأة والرجل على عمل لائق ومنتج، في ظل ظروف توفر لهم الحرية والعدالة والامن والكرامة الانسانية. ويشكل العمل اللائق محور التقاء أهداف المنظمة الاستراتيجية الأربعة معاً: تعزيز الحقوق في العمل ، والعمالة ، والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي .
وقد قرر الدستور المصري هذه الحقوق فنص في المادة (13) منه على أن: " العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع. ولا يجوز فرض أي عمل جبراً على المواطنين الا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل. كما كفل الدستور عددا من الضمانات اللازمة لممارسة حقوق العمل منها ما نص عليه في المادة (14) منه على أن: الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الاحوال التي يحددها القانون. كما قررالدستور في المادة (17) منه كفالة الدولة معاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا، وفقاً للقانون، وحرص الدستور على ضمان عدم التمييز في التمتع بهذه الحقوق عندما نص بوجه عام في المادة (8) على أن: "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين."
إن الحق في المساواة في تولي الوظائف العامة حق مقرر أوجبته الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة لسنة 1958 التي نصت المادة الثانية منه على أن:" تتعهد كل دولة عضو تسري عليها هذه الاتفاقية بصياغة وتطبيق سياسة وطنية ترمي إلى تشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام والمهنة باتباع منهج يناسب الظروف والممارسات الوطنية بغية القضاء على أي تمييز في هذا المجال" كما قرر الدستور هذا الحق في المواد (8) و( 14) و( 40 ) السابق الإشارة إليها واستقر قضاء المحكمة الإدارية العليا في أحكام متعددة تتعلق بالمساواة في شرط التعيين في الوظائف العامة على أن: " التعيين في الوظائف العامة من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها جهة الإدارة مشروط بمراعاة ما نص عليه القانون لو حدد شروطاً للصلاحية عند التزاحم في مجال الاختيار بين المرشحين بالتزام ما يحدده المشرع من عناصر لازمة في تبيين أوجه الترجيح (القضية رقم 1127 سنة 8 قضائية إدارية عليا جلسة 9 يناير 1966)
وقد أكد الإعلانات والاتفاقيات الدولية الحق في بيئة عمل مناسبة تكفل الصحة والسلامة ومنها الإعلان العالمي حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي الصادر في 11 ديسمبر 1969 الذي ينص في المادة العاشرة منه على الحق في تهيئة شروط وظروف العمل العادلة والملائمة للجميع بما في ذلك تحسين الظروف المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وقد تم تقنين هذا الحق في اتفاقية الصحة والسلامة المهنيتين في 1981.
وقد صدقت مصر على الاتفاقيات أرقام 115،139، 148 بشأن شروط الوقاية وحماية العمال من الأمراض والمخاطر المهنية وتم تقنيين هذه الالتزامات في قانون العمل الذي يتناول في الفصل الثالث منه توفير بيئة عمل آمنة (المواد 115-120) بينما يتناول الفصل الخامس التفتيش على أماكن العمل لتنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 114 لسنة 1984 بإنشاء المجلس الاستشاري الأعلى للسلامة والصحة المهنية.
(12) الحق في الصحة:
الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، فلكل إنسان الحق في أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش بكرامة.
وقد تضمنت الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية التأكيد على هذا الحق حيث نصت الفقرة 1 من المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". ويتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. فوفقاً للمادة 12(1) من العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه"، في حين توجب المادة 12(2) على الدول الأطراف اتخاذ عددا من التدابير "لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق"كما تم اقرار الحق في الصحة في عدد من صكوك حقوق الإنسان الإقليمية، مثل الميثاق الاجتماعي الأوروبي لعام 1961 بصيغته المنقحة (المادة 11)، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 (المادة 16)، والبروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1988 (المادة 10) ، وكذلك في إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993، إضافة إلى العديد من الصكوك دولية أخرى.
ويرتبط الحق في الصحة ارتباطاً وثيقاً بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، بما فيها الحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة.
وإذا كانت اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لم تعتمد عند صياغة المادة (12) من العهد تعريف الصحة الوارد في ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، الذي ينظر إلى مفهوم الصحة على أنه "حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز" فإن الإشارة الواردة في المادة 12(1) من العهد إلى "أعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه" لا تقتصر على الحق في الرعاية الصحية بل تتضمن الإقرار بأن الحق في الصحة يشمل طائفة عريضة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تهيئ الظروف التي تسمح للناس بأن يعيشوا حياة صحية، كما تشمل المقومات الأساسية للصحة مثل الغذاء والتغذية، والمسكن، والحصول على مياه الشرب المأمونة والتطبيب الوافي، والعمل في ظروف آمنة وصحية، وبيئة صحية.
وإلى جانب هذه الحقوق يشمل الحق قي الصحة مجموعة من الحريات التي تتضمن حق الإنسان في التحكم في صحته وجسده، أن يكون في مأمن من التدخل، مثل الحق في أن يكون في مأمن من التعذيب، ومن معالجته طبياً أو إجراء تجارب طبية عليه بدون رضاه.
ويشمل الحق في الصحة، بجميع مستوياته ، العناصر الأساسية التالية:
(أ) التوافر: يجب أن توفر الدولة القدر الكافي من المرافق العاملة المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية وكذلك من السلع والخدمات والبرامج حسب المستوى الإنمائي للدولة على أن تشمل كحد أدنى المقومات الأساسية للصحة مثل مياه الشرب المأمونة ومرافق التطبيب الكافية، والمستشفيات، والعيادات، وغيرها من المباني المرتبطة بالصحة، والموظفين الطبيين والمهنيين المدربين الذين يحصلون على مرتبات تنافسية محلياً، والعقاقير الأساسية.
(ب) إمكانية الوصول: ينبغي أن يتمتع الجميع، بدون تمييز، بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة. وتنطوي إمكانية الوصول على أربعة أبعاد متداخلة هي:
- عدم التمييز: يجب أن يتمتع الجميع بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة، ولا سيما أكثر الفئات ضعفاً أو تهميشاً بين السكان بحكم القانون وبحكم الواقع، دون أي تمييز.
- إمكانية الوصول المادي: ينبغي أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة في المتناول المادي والآمن لجميع فئات السكان، خاصة الفئات الضعيفة أو المهمشة، مثل الأقليات والنساء، والأطفال، وكبار السن، والمعوقين كما أن إمكانية الوصول تعني ضمنياً أن تكون الخدمات الطبية والمقومات الأساسية للصحة، مثل مياه الشرب المأمونة ومرافق التطبيب الكافية، في المتناول المادي والآمن للسكان بما في ذلك سكان المناطق الريفية. كذلك تشمل إمكانية الوصول تمكين المعوقين من الوصول إلى المباني.
- الإمكانية الاقتصادية للحصول عليها (القدرة على تحمل نفقاتها): يجب أن يتمكن الجميع من تحمل نفقات المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة. وينبغي سداد قيمة خدمات الرعاية الصحية، والخدمات المرتبطة بالمقومات الأساسية للصحة، بناء على مبدأ الإنصاف، الذي يكفل القدرة للجميع، بما فيهم الفئات المحرومة اجتماعياً، على دفع تكلفة هذه الخدمات سواء أكانت مقدمة من القطاع الخاص أو من القطاع العام. ويقتضي الإنصاف عدم تحميل الأسر الفقيرة عبء مصروفات صحية لا يتناسب معها مقارنة بالأسر الأغنى منها.
- إمكانية الوصول إلى المعلومات: تشمل هذه الإمكانية الحق في التماس المعلومات والأفكار المتعلقة بالمسائل الصحية والحصول عليها ونقلها دون إخلال بالحق في معاملة البيانات الصحية الشخصية بسرية.
(ج)المقبولية: إن جميع المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة ينبغي أن تراعي الأخلاق الطبية وأن تكون مناسبة ثقافياً، أي أن تحترم ثقافة الأفراد، الجماعات ، وأن تراعي متطلبات الجنسين فضلاً عن تصميمها بشكل يحترم السرية ويرفع مستوى الحالة الصحية للأشخاص المعنيين.
(د) الجودة: بالإضافة إلى ضرورة أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة مقبولة ثقافياً، ينبغي أن تكون مناسبة علمياً وطبياً وذات نوعية جيدة. ويتطلب ذلك، في جملة أمور، موظفين طبيين ماهرين، وعقاقير ومعدات للمستشفيات معتمدة علمياً ولم تنته مدة صلاحيتها، ومياه شرب مأمونة، وتطبيباًً مناسباً.
ويفرض الحق في الصحة، التزامات على الدول بالاحترام والحماية والأداء، ويشتمل الالتزام بالأداء، بدوره، التزامات بالتسهيل والتوفير والتعزيز. ويتطلب الالتزام بالاحترام من الدول أن تمتنع عن التدخل في التمتع بالحق في الصحة. ويقتضي الالتزام بالحماية أن تتخذ الدول تدابير من شأنها أن تمنع أي إعاقة لضمانات التمتع بالحق في الصحة وتشمل هذه الالتزامات:
- تأمين حق الاستفادة من المرافق الصحية والحصول على السلع والخدمات الصحية على أساس غير تمييزي، خصوصا للفئات الضعيفة والمهمشة.
- كفالة الحصول على الحد الأدنى الأساسي من الأغذية الذي يضمن الكفاية والسلامة من حيث التغذية، بغية تأمين التحرر من الجوع لكل الناس.
- كفالة الحصول على المأوى الأساسي، والسكن وخدمات الإصحاح، وإمدادات كافية من المياه النظيفة الصالحة للشرب.
- توفير العقاقير الأساسية، وتأمين التوزيع العادل لجميع المرافق والسلع والخدمات الصحية؛
-اعتماد وتنفيذ استراتيجية وخطة عمل وطنيتين للصحة العامة، إذا ظهرت أدلة على وجود أوبئة، بحيث تتصديان للاهتمامات الصحية لجميع السكان، وينبغي تصميم الاستراتيجية وخطة العمل، وبيانهما بشكل دوري، في سياق من المشاركة والشفافية
- كفالة الرعاية الصحية الإنجابية، والرعاية الصحية للأمومة (في أثناء الحمل وبعد الولادة) وللطفولة.
- اتخاذ تدابير للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة ومعالجتها ومكافحتها؛ توفير التحصين ضد الأمراض المعدية الرئيسية التي تحدث في المجتمع؛
- توفير التعليم وإتاحة الحصول على المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة؛
- توفير التدريب الملائم للموظفين الصحيين، بما في ذلك التثقيف في مجال الصحة وحقوق الإنسان.
وقد نص الدستور في المادتين (16) و (17) منه على كفالة الدولة لخدمات التأمين الصحي والخدمات الصحية ، وعملها على توفيرها بوجه خاص للقرية في يسر وانتظام رفعا لمستواها. كما قرر في المادة ( 43) أنه: "لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بغير رضائه الحر".
(13) الحق في سكن ملائم:
إن الحق في السكن حق أساسي من حقوق الإنسان لتمكينه من العيش في مسكن يضمن كرامته ويؤمن حقه في الخصوصية الشخصية والحياة الأسرية، ويعتبر شرطاً لتمتع الأفراد والجماعات بحقوقهم وحرياتهم الأساسية. فالسكن المناسب ينسج العلاقات والروابط في جو يعزز الخصوصية بما يؤدي إلى احترام العلاقات الاجتماعية بين كافة الأفراد، ومن شأن المساس به انتهاك حقوق أخرى عديدة، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فكما ورد في التقرير المقدم من مقرر الأمم المتحدة للحق في السكن فإن حس الأمن والكرامة والعيش في جماعة المتولد عن حيازة السكن متطلب أولي وأساسي للتمكن من بقية الحقوق الأخرى وممارستها بما في ذلك الحق في اختيار مقر الإقامة، والحق في المشاركة في الشئون العامة والحق في الصحة، والحق في بيئة نظيفة، وغيرها من الحقوق التي تشملها الحياة الكريمة وبهذا المعنى فإن الحق في السكن يرتبط باعتبارات ملاءمته فالسكن ليس مجرد مكان يغطيه سقف وتحوطه جدران تضم الإنسان بين جنباتها، بل سكن ملائم يعيش الإنسان فيه أمن وسلام وكرامة، وعليه فإن حق الفرد – على سبيل المثال - في ألا يخضع لأي تدخل تعسفي أوغير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أو منزله أو مراسلاته يشكل بعداً بالغ الأهمية في تعريف الحق في السكن الملائم.
ويعتبر إعلان فانكوفر للمستوطنات البشرية لعام 1976الوثيقة الأكثر تفصيلاً في ما يتعلق بالطبيعة القانونية الخاصة بهذا الحق، حيث نصت الفقرة الثانية من الجزء الثالث على ما يلي:
"إن السكن والخدمات المناسبة حق أساسي للإنسان، يفرض على الحكومة واجب ضمان بلوغ جميع الناس له." وأكد الفصل الثاني من الإعلان على أنه "يجب ألا تستخدم الايديولوجيات لحرمان الناس من بيوتهم وأراضيهم أو لترسيخ الامتيازات والاستغلال."
ويمكن الأخذ كحد أدنى بما ورد في "الاستراتيجية العالمية للمأوى حتى عام 2000" من أن المأوى الملائم يعني التمتع بالدرجة الملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيتين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلى أمكنة العمل والمرافق الأساسية ، وكل ذلك بتكاليف معقولة".
على أنه ثمة اعتبارات اجتماعية واقتصادية وثقافية لابد من أخذها عند تحديد السكن الملائم منها :
- الضمان القانوني لشغل المسكن: بغض النظر عن نوع شغل المسكن، ينبغي أن يتمتع كل شخص بدرجة من الأمن في شغل المسكن تكفل له الحماية القانونية من الإخلاء بالإكراه، ومن المضايقة، وغير ذلك من التهديدات.
- توفير الخدمات والمواد والمرافق والهياكل الأساسية: إن المسكن الملائم يجب أن تتوفر له بعض المرافق الأساسية اللازمة للصحة والأمن والراحة والتغذية. وينبغي أن تتاح لجميع المستفيدين من الحق في السكن الملائم إمكانية الحصول بشكل مستمر على الموارد الطبيعية والعامة ومياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، والمرافق الصحية، ووسائل تخزين الأغذية، والتخلص من النفايات، تصريف المياه، وخدمات الطوارئ.
- القدرة على تحمل الكلفة: إن التكاليف المالية الشخصية أو الأسرية المرتبطة بالسكن ينبغي أن تكون ذات مستوى يكفل عدم تهديد تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى أو الانتقاص منها بحيث تكون النسبة المئوية للتكاليف المتصلة بالسكن متناسبة، بصورة عامة، مع مستويات الدخل. ويمكن لضمان ذلك تحديد أشكال ومستويات تمويل الإسكان التي تعبر بصورة كافية عن الاحتياجات للسكن.
- الصلاحية للسكن: إن المسكن الملائم يجب أن يكون صالحا للسكن من حيث توفير المساحة الكافية لساكنيه وحمايتهم من البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدد الصحة، ومن المخاطر البنيوية وناقلات الأمراض. كما يجب ضمان السلامة الجسدية لشاغلي المساكن استرشاداً "بالمبادئ الصحية للسكن" التي أعدتها منظمة الصحة العالمية.
إتاحة إمكانية الحصول على السكن لكل الذين يحق لهم الاستفادة منها. ويجب أن تتاح للجماعات المحرومة إمكانية الاستفادة بصورة كاملة ومستمرة من موارد السكن الملائم وبالأخص المسنين والأطفال والمعوقين وضحايا الكوارث الطبيعية.
- الموقع: إن السكن الملائم يجب أن يكون في موقع يتيح إمكانية الاستفادة من خيارات العمل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الأطفال وغير ذلك من المرافق الاجتماعية
- السكن الملائم من الناحية الثقافية: إن الطريقة التي يتم بها بناء المساكن ومواد البناء المستخدمة والسياسات الداعمة لها يجب أن تتلاءم مع ثقافة السكان و تتيح إمكانية التعبير عن الهوية الثقافية.
وقد تطرق الدستور المصري إلى الحق في السكن في المادة 44 منه، والتي تنص على أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بامر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون".
(14) الحق في التعليم:
يعد الحق في التعليم ، بوصفه حقاً تمكينياً، الأداة الرئيسية التي يمكن بها المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم وأن يقوموا بالمشاركة الكاملة في مجتمعاتهم فالتعليم له دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الذي ينطوي على مخاطر وغيره من صنوف الاستغلال، وفي تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، وحماية البيئة، كما يعد التعليم واحداً من أفضل الاستثمارات التي يمكن أن تقوم بها المجتمعات ولا تقتصر أهمية التعليم على أهميته العملية حيث أن الإنسان المثقف والمستنير والنشط القادر على أن ينطلق عقله بحرية وإلى أبعد الحدود هو المؤهل لأن ينعم بإنسانيته.
وقد خصص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أطول مادتين فيه (المادتين13 و14) لبيان الأبعاد المختلفة للحق في التعليم من حيث أهداف التعليم وأغراضه والتمكين من ممارسته على كافة المستويات وضمان حرية التعليم حيث نصت المادتان على أن: تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهى متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهى متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم، وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
(أ) جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع (ب) تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم (ج) جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم (د) تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلى أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية،)هـ) العمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
وتتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الأباء، أو الأوصياء عند وجودهم في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتامين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة وليس في أي من أحكام هذه المادة ما يجوز تأويله على نحو يفيد مساسه بحرية الأفراد والهيئات في إنشاء وإدارة مؤسسات تعليمية، شريطة التقيد دائما بالمبادئ المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة ورهنا بخضوع التعليم الذي توفره هذه المؤسسات لما قد تفرضه الدولة من معايير دنيا.
وتنص المادة (14) على أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، لم تكن بعد وهى تصبح طرفا فيه قد تمكنت من كفالة إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي في بلدها ذاته أو في أقاليم أخرى تحت ولايتها، بالقيام، في غضون سنتين، بوضع واعتماد خطة عمل مفصلة للتنفيذ الفعلي والتدريجي لمبدأ إلزامية التعليم ومجانيته للجميع، خلال عدد معقول من السنين يحدد في الخطة.
كما أقرت إتفاقية حقوق الطفل في المادة 28 فقرة 1 أنه يجب على الدولة أن تشجيع تطوير شتى اشكال التعليم الثانوى أو المهنى وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة اليها.
ويشمل التمكن من الحق في التعليم ستة أبعاد متداخلة هي :
- توافر مؤسسات وبرامج تعليمية بأعداد كافية في الدولة وما تحتاج إليه هذه المؤسسات وهذه البرامج للعمل من مبان تشمل مرافق صحية للجنسين، والمياه الصالحة للشرب والمدرسين المدربين الذين يتقاضون مرتبات تنافسية محلياً، ومواد التدريس وما إلى ذلك؛ كما تحتاج أيضاً إلى مرافق مثل مرافق المكتبات والحواسيب وتكنولوجيا المعلومات.
- إمكانية الالتحاق ، يجب أن يكون الالتحاق بالمؤسسات والبرامج التعليمية ميسراً للجميع، دون أي تمييز، ولإمكانية الالتحاق ثلاثة أبعاد متداخلة هي:
* عدم التمييز – يجب أن يكون التعليم في متناول الجميع، ولا سيما أضعف الفئات دون أي تمييز لأي سبب
* إمكانية الالتحاق مادياً – يجب أن يكون التعليم في المتناول مادياً وبطريقة مأمونة وذلك إما عن طريق الحضور للدراسة في موقع جغرافي ملائم بشكل معقول (مثلاً في مدرسة تقع بالقرب من المسكن) أو من خلال استخدام التكنولوجيا العصرية (مثل الوصول إلى برنامج "للتعليم عن بعد").
* إمكانية الالتحاق من الناحية الاقتصادية - يجب أن يكون التعليم في متناول الجميع. مع الخذ في الاعتبار التمييز الوار دفي المادة 13 بين التعليم الابتدائي والثانوي والعالي
- القبول: يجب أن يكون شكل التعليم وجوهره مقبولين، بما في ذلك المناهج الدراسية وأساليب التدريس، بأن يكون وثيق الصلة بالاحتياجات وملائماً من الناحية الثقافية ومن ناحية الجودة للطلاب، وللوالدين حسب الاقتضاء.
القابلية للتكيف - يجب أن يكون التعليم مرناً كيما يتسنى لـه التكيف مع احتياجات المجتمعات وأن يستجيب لاحتياجات الطلاب في محيطهم الاجتماعي والثقافي المتنوع.
وقد نص الدستور المصري في المادة 18 منه أن التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتعمل لدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم كله ،وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي وذلك له بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج. كما تنص المادة (20) من الدستور على أن: "التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة".
وقد قننت القوانين المختلفة هذا الحق ومنها قانون حماية الطفل الذي ينص على أن التعليم حق لجميع الأطفال فى مدارس الدولة بالمجان ولا يجوز لصاحب العمل إعاقة الطفل أوحرمانه من التعليم الأساسى وإلا عوقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر وغرامة لا تقل عن مائتى (200) جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه.
كما نص قانون الطفل المصرى على أن التعليم يهدف إلى:-
- تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى امكانياتها.
- تنمية احترام ذوى الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة والقيم الوطنية للبلد الذى يعيش فيه الطفل والبلد الذى نشأ فيه فى الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته.
- إعداد الطفل لحياة تستشعر المسئولية فى مجتمع حر يروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين الشعوب والجماعات الأثنية والوطنية والدينية والاشخاص الذين ينتمون الى السكان الأصليين
- أن ينمى إحترام الطفل للبيئة والطبيعة التى يحيا فيها وأن يحافظ عليها ويحميها.
(15) الحق في الملكية:
إن حق الاحتفاظ بملك خاص والتمتع به بدون تدخل الآخرين هو من حقوق الإنسان الأساسية حيث يعكس استخدام الناس الحر لممتلكاتهم حريتهم الشخصية ويمنحهم الأمان ويوفر لهم احتياجاتهم. ولا يشترط أن يتخذ الملك شكلاً مادياً فقد يكون أعمالاً فنيّةً، أو نتاجا فكرياً وبوجه عام، تعد أية حقوق إضافية ذات قيمة اقتصادية ملكاً. وقد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا الحق في المادة (17) منه حيث نصت على أن "1- لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره 2- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً".
كما كفل الستور المصري هذا الحق ونظمه في المواد من 29 إلى 36 منه والتي تنص على أن تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة ، وهي ثلاثة انواع :
الملكية العامة ، والملكية التعاونية ، والملكية الخاصة والملكية العامة هي ملكية الشعب، وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام. الملكية التعاونية هي ملكية الجمعيات التعاونية ، ويكفل القانون رعايتها ويضمن لها الادارة الذاتية. الملكية الخاصة تتمثل في راس المال غير المستغل وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية دون انحراف أواستغلال، ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون، باعتبارها سندا لقوة الوطن وأساسا للنظام الاشتراكي ومصدرا لرفاهية الشعب. والملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون. وحق الإرث فيها مكفول. لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون، ومقابل تعويض. المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.
(16) الحق في الضمان والرعاية الاجتماعية
يمثل الضمان الاجتماعي بمعنى البحث عن الأمن في كنف المجتمع في مواجهة ما يتعرض له من ظروف صحية واقتصادية اجتماعية أحد الأبعاد الهامة للرعاية الاجتماعية التي أصبحت التزاماً على المجتمع لتحقيق التنمية الإنسانية بما يمكن الأفراد على اختلاف شرائحهم الاجتماعية من ممارسة كافة حقوقهم الإنسانية.
وقد تقرر هذا الحق في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أن:
"1- لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أوالعجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
2- للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.
كما تأكد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تقر الدول في المادة الثامنة منه "بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية".وكذلك في إعلان حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي الذي تنص المادة (11) منه على:(أ) توفير نظم ضمان اجتماعي شاملة وخدمات رعاية اجتماعية، وإنشاء وتحسين نظم الضمان والتأمين الاجتماعيين لصالح جميع الأشخاص الذين يكونون، بسبب المرض أو العجز أو الشيخوخة، غير قادرين بصورة مؤقتة أو مستمرة علي الارتزاق وذلك لتأمين مستوي معيشي سليم لهم ولأسرهم ولمعيليهم،(ب) حماية حقوق الأم والطفل، والاهتمام بتربية الأولاد وبصحتهم، وتوفير التدابير اللازمة لحماية صحة ورفاه النساء ولا سيما الأمهات العاملات أثناء حملهن وباكورة سن أطفالهن، وكذلك صحة ورفاه الأمهات اللواتي يكون أجرهن المصدر الوحيد لرزق الأسرة، ومنح النساء أجازات وعلاوات حمل وأمومة مع ضمانة عدم تعرضهن لفقد العمل أو الأجر،(ج) حماية حقوق الأطفال والمسنين والعجزة وتأمين رفاههم، وتوفير حماية لذوي العاهات البدنية أو العقلية.
كما تضمن الدستور المصري هذ الحق حيث نص على أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي.وتكفل الدولة حماية الامومة والطفولة ، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. وخدمات التامين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا، وذلك وفقا للقانون. (المادتان 7 و 17)
وعلى الرغم من عدم تضمن أي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أوالعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية إشارة صريحة لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة فإن الصكوك الدولية التالية نصت بوضوح على ضمان تمكين هذه الفئة من التمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في مختلف صكوك الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومن أول هذه الصكوك الإعلان الخاص بحقوق المعوقين الصادر عن الأمم المتحدة في 9/12/1975 والذي ينص – إضافة إلى ضمان تمتع ذوي الاحتيجات الخاصة بكل الحقوق الإنسانية المعترف بها - حقهم فى التدابير التى تهدف إلى تمكينهم من بلوغ أكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتى وحقهم في الخدمات التى تمكنهم من إنماء قدراته إلى أقصى الحدود وتعجل بعملية إدماجهم فى المجتمع وحق ذوي الاحتياجات الخاصة في أن تؤخذ حاجاتهم الخاصة بعين الاعتبار فى كافة مراحل التخطيط الاقتصادى والاجتماعى وحمايتهم من أى استغلال ومن أية أنظمه أو معاملة ذات طبيعة تميزيه أو متعسفة أو حاطة للكرامة وقد توالت الصكوك الدولية التي تهدف إلى ضمان هذه الحقوق ومنها: برنامج العمل العالمي المتعلق بالمعوقين الذي ينص على إطار للسياسة العامة يهدف إلى "اتخاذ التدابير الفعالة للوقاية من العجز، وإعادة التأهيل، وتحقيق هدفي "المشاركة الكاملة [من جانب ذوي الاحتياجات الخاصة] في الحياة الاجتماعية والتنمية، وتحقيق "المساواة" ،والمبادئ التوجيهية لإنشاء وتطوير لجان التنسيق الوطنية أو الهيئات المماثلة المعنية بالعجز، التي اعتمدت في عام 1990،ومبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية، التي اعتمدت في عام 1991والقواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين المعتمدة في عام 1993 والتي تهدف إلى أن يكون لجميع الأشخاص المعوقين "إمكانية ممارسة ما يمارسه غيرهم من حقوق والتزامات"
(17)الحق في بيئة نظيفة:
يعد الحق في بيئة صحية وسليمة أحد حقوق التضامن، التي لا يمكن أن تمارس إلا بشكل جماعي من ناحية ومن خلال تضافر جهود الدولة والمجتمع من ناحية أخرى وقد أظهرت التطورات في مجال البيئة وتعرضها للتلوث بوضوح أهمية إقرار حق الحياة في بيئة صحية مناسبة ويجد هذا الحق أساسه الجديد في العديد من النصوص التي تضمنتها القوانين والعهود والمواثيق الدولية؛ إذ تجمع هذه الصكوك على كفالة حق الفرد في الحياة وفي سلامة بدنه وجسده ، ولا يمكن للإنسان التمتع بهذا الحق إلا إذا عاش في بيئة صحية سليمة، إذ أن تلوث البيئة بصوره المختلفة وعناصره ، لا يمّكن الإنسان من ممارسة حقه في الحياة وفي سلامة بدنه على الوجه الأكمل وكذلك قررالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وللحقوق المدنية والسياسية تقرر مجموعة من الحقوق المتصلة بالبيئة وقد شكل إعلان استوكهولم لعام 1972اعترافا واضحا بأن عناصر البيئة هي من العوامل الأساسية لرفاه وحياة الإنسان وتلاه إعلان لاهاي ليثبت حق الإنسان في الحياة بكامل متطلباتها من العيش بسلام وحرية، وتتوج هذه القرارات والإعلانات بقرار الهيئة العامة للأمم المتحدة في عام إلى حق الأفراد في بيئة مناسبة لصحتهم ورفاهيتهم. يجسّد مفهوم التنمية المستدامة بانحيازه للعدالة حقوق الإنسان في بيئة سليمة لأنه يشكل معياراً يمكن من خلاله تحديد مدى التقارب ما بين سياسات التنمية والإنسان يشير المفهوم إلى أن التجاوزات على حقوق الإنسان والبيئة هي محصلة علاقة غير متوازنة بين التنمية والبيئة مع ملاحظة أن البيئة لا تقتصر على البيئة الطبيعية والبيولوجية بل و البيئة الاجتماعية التي تمثل الإطار الذي يضم مختلف من العلاقات التي تحدد ماهية تفاعل الإنسان مع غيره سواء داخل المجتمع أو بين الجماعة التي ينتمي إليها والجماعات الأخرى من الأنماط الحضارية المختلفة وتؤلف هذه العلاقات معا ما يعرف بالنظم الاجتماعية.
(18) حقوق الأجانب
نطلق منظومة الحقوق الإنسانية من مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص في تمتعهم بهذه الحقوق لمجرد كيانهم الإنساني بغض النظر عن أية اختلافات بينهم كالجنس أاو اللون أو الموطن أوغير ذلك من الاختلافات. ومن ثم أكدت الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية وغيرها من الصكوك التي تمثل المرجعية الفكرية والقانونية لحقوق الإنسان على المساوة بين الناس في تمتعهم ومباشرتهم هذه الحقوق بغض النظر عن اختلاف مراكزهم القانونية، وأولت في هذا الصدد اهتماماً خاصاً بالمقيمين على أراضي الدولة من غير مواطنيها. وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد قرر حق كل فرد التمتع بجنسية ما (م 15) وفي حرية التنقل، وفى اختيار محل إقامته داخل حدود دولته ومغادرتها متى شاء (م13)، فإنه أوجب على الدولة المضيفة المساواة بين جميع الأشخاص المقيمين على أرضها في تمتعهم بحقوقهم الإنسانية سواء كانوا مواطنين أو أجانب. كما حظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقا للقانون (م 13)، كما أكد كل من الإعلان والعهد على توفير ذات الضمانات المقررة للمواطن للتمتع بحقوق الإنسان للأجنبي والمساواة بين كافة الأشخاص بغض النظر الأصل الذي ينحدرون منه أو موطنهم الأصلي.
وحماية لحقوق مصالح العمال المهاجرين فقد أفردت منظمة العمل الدولية لهم "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم" التي تبنتها الجمعية العامة بالقرار 45/158 المؤرخ في 18 دسمبر 1990 ومن بين الحقوق التي كفلتها الاتفاقية للعمال المهاجرين: الحق في الحماية من التعذيب والماعملة القاسية ، والحق في حرية الفكر والدين ، والحق في الملكية والسلامة الشخصية وفي المحاكمة العادلة ، والحق في التمتع بنفس الحقوق من حيث الأجر وشروط العمل وفي الضمان الاجتماعي والحق في التنظيم النقابي وفي الرعاية الطبية وفي الحصول على التعليم الأساسي لأطفالهم.